السودان جزء من الأمن القومى المصرى، والعمق الاستراتيجي الجنوبي لمصر، وهناك صلة نسب ومصاهرة ودم ووحدة الأهداف والمصير، ورغم ذلك ظلت العلاقات بين شمال وجنوب الوادي دون المستوى المأمول، لذا تحرص السياسة المصرية في هذه المرحلة الجديدة الفارقة في تاريخ البلاد علي إقامة علاقات تتميز بالخصوصية والتفاهم العميق مع السودان الشقيق، وقد حان الوقت لتطوير علاقاتنا الاقتصادية المشتركة وإحداث نقلة نوعية فيها تتماشى مع ما تطمح إليه شعوب المنطقتين. مثلت زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي للسودان حدثاً بارزاً، وكانت بمثابة أكبر دعم تقدمه مصر للسودان الشقيق، وقد عقدت خلال الزيارة جلسة مباحثات بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير، تناولت سبل دعم وتنمية العلاقات الثنائية بين مصر والسودان في مختلف المجالات، خاصة في المجال الاقتصادي، فضلا عن مناقشة الوضع في أفريقيا والتعاون في مجال ملف مياه النيل، بما يعود بالنفع علي الشعبين المصري والسوداني. وحملت بدايات القرن ال21 تحديات واسعة النطاق أمام إمكانية تطوير العلاقات المصرية السودانية، وأظهرت التحولات الكبري الذي شهدها العالم، بعد الحرب الباردة، والتغيرات التي لحقت بأوضاع الطرفين العربي والأفريقي ضرورة وضع رؤي جديدة تتفق مع هذه المتغيرات، وذلك حتى يتمكن البلدان من إعادة تأسيس علاقات عربية أفريقية على أسس واقعية ومصالح إستراتيجية بشكل يضمن استقرارها وتطورها في المستقبل. علاقات أزلية السفير أحمد الغمراوي، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية رئيس المنتدي الثقافي المصري ومساعد وزير الخارجية الأسبق، أكد أن العلاقات المصرية السودانية أزلية وقوية تمتد إلي جذور التاريخ الفرعوني. مشيراً إلى أن مصر والسودان شعب واحد فى دولتين يفصلهما الحدود الجغرافية فقط، ويكفي أن أقول إنه يوجد في مصر حوالي 3 ملايين سوداني. وأشار إلي أن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي للسودان الشقيق لها أهمية قصوي، حيث ستسهم بشكل مباشر في إحداث نقلة نوعية مهمة في حركة التبادل التجاري والاستثماري، يمكن بعدها تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلدين في شتي المجالات، خاصة في مجالات الصناعة والزراعة. ويعود السفير «الغمراوي» ليؤكد أهمية استئناف التشاور والتباحث حول القضايا العالقة بين البلدين في إطار من الأخوة والتعاون المشترك، وضرورة المضي قدماً في بحث إقامة الآليات اللازمة لضبط وتأمين الحدود وتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين في المرحلة المقبلة. واستطرد: التكامل والوحدة بين دول الجوار الثلاث تتطلب تواجد الإرادة السياسية لهذه الدول، حتي يمكن بناء مجتمعات ناهضة على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، خاصة أن هذه الدول يربطها مصير وتاريخ وحضارة واحدة، وقد شهدت العلاقات السودانية المصرية تقدماً خلال السنوات القليلة الماضية في الجوانب الاقتصادية والاستثمارية وتزايد تدفق رجال الأعمال بين البلدين، الأمر الذي نتجت عنه زيادة التبادل التجاري وعدد الشركات المصرية في السودان والعكس، فمنذ عصور طويلة وظلت السودان المصدر الرئيسي لتصدير اللحوم لمصر وخاصة الجمال والعجول الحية، ناهيك عن أن مشروع الخط البري سيفتح مجالات للتعاون المشترك في شتي المجالات، بما يحقق المصالح التجارية والاقتصادية بين البلدين والتواصل الشعبي. تعاون ثنائي الدكتور عمار علي حسن، الكاتب والمحلل السياسي، أوضح أهمية الحرص الكامل على تطوير وتعزيز العلاقات الثنائية في كافة المجالات، والارتقاء بها إلى مستوى تطلعات شعبي وادي النيل، والعمل علي تحقيق الأمن الغذائي للبلدين، الأمر الذي يتطلب بحث القضايا المهمة بين البلدين من منظور إيجابي يحقق مصلحة الطرفين، من خلال روح جديدة وعلاقات تتفق مع تطلعات الشعبين الشقيقين في المرحلة المقبلة، مع الوضع في الاعتبار أن العلاقة مع السودان علاقة أساسية جداً. وأوضح: أن مصر كان لها الدور الأساسى والمحرك لاستقلال السودان عام 1956، ولا يمكن أن ننسي افتتاح القنصلية العامة لدولة السودان بأسوان التي عكست اهتمام السودان بتوطيد وتمكين العلاقات مع مصر والتي انطلقت من أسوان باعتبارها حلقة الاتصال، وتجسد الروح المشتركة لشعبي وادي النيل مؤكداً أن مصر دائما تحمل هموم السودان، كما تحمل السودان هموم الشقيقة الكبرى مصر، وان استقرار السودان وسعادته هو استقرار للوطن الثانى مصر. مجالات واعدة الدكتورة سعاد الديب، نائب رئيس الاتحاد العربي لحماية المستهلك، قالت: إن هناك مجالات واعدة للتعاون الاقتصادي والاستثماري بين مصر والسودان، خاصة في مجالات الزراعة والتصنيع الزراعي والإنتاج الحيواني والثروة السمكية والتعدين. وأشارت إلى أن اقتصاديات السوق العربية المشتركة لابد أن تبنى على أسس سليمة وحقيقية تتطلب إرادة الشعوب قبل إرادة الحكومات، مطالباً الحكومتين المصرية والسودانية بتكثيف التعاون والتنسيق التجارى بينهما، مع أهمية الربط فى مجال الاتصالات التى تمكن من العمل الاقتصادى الجيد، خاصة بعد الانتهاء من المشروعات فى مجال البنية التحتية بعد زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى السودان. وأضافت: معظم الإحصائيات تشير إلي ان حجم التبادل التجاري بين البلدين حوالي 500 مليون دولار يميل إلى مصلحة مصر، وفيما يتعلق بالصادرات المصرية إلى السودان فإن هناك عددًا من الصادرات المصرية شهدت ارتفاعاً في قيمتها، وفي مقدمتها حديد التسليح والأثاث المعدني والسلع الغذائية ومصنوعات اللدائن والمنتجات البترولية والأدوية ومصنوعات من النحاس، فيما يتعلق بحركة الواردات المصرية من السودان فقد تركزت في لحوم الجمال والفول السوداني والسمسم والبذور الزيتية. لقد خطا شعب مصر العظيم خطوات واثقة للأمام نحو استكمال تطبيق خارطة الطريق للمستقبل. وعودة الاستقرار لمصر تجعل دولة السودان تتبوأ مكانتها المرموقة وموقعها القيادي والريادي في المنطقة العربية والافريقية. الدكتور أيمن عبدالوهاب، الخبير في الشئون الإفريقية بمركز الأهرام الاستراتيجي، يري أن العلاقات المصرية السودانية مرت كعادتها بفترات برودة وغليان في أوقات مختلفة، لكنها في النهاية انتهت بأن مصر والسودان شعب واحد، وهناك العديد من المصالح المشتركة التي يجب التأكيد عليها وفصلها عن أي توتر، حتي لا يمس بمصالح الشعوب، ومنها ملف مياه النيل وإمكانية التعاون بينهما. مشيراً إلي أن المرحلة القادمة ستشهد التعاون والعمل المشترك بين البلدين وسرعة تنفيذ العديد من المشروعات الحيوية التي تصب فى المصلحة العليا لشعبي وادي النيل، وفي مقدمتها المزارع المصرية بالولاية الشمالية بالسودان ومزارع الإنتاج الحيواني وكذلك زيادة حجم استيراد مصر من اللحوم السودانية، مع أهمية توسيع الشراكة، خاصة ما يتعلق بالأمن الغذائي. وتابع: نسجت عصور التاريخ والنمو البشري علاقة خاصة بين مصر والسودان، علي نحو ربما لم يتيسر لشعبين آخرين في المنطقة، ومن هنا تبرز أهمية السياسة المصرية تجاه السودان للحفاظ على وحدته واستقراره وتماسكه من ناحية، وتعزيز علاقات التكامل بين الجانبين من ناحية أخرى. مضيفاً ان استقرار الاوضاع في مصر سينعكس إيجابا على العلاقات بين شعبي وادي النيل وفي مختلف المجالات. موضحاً أن هناك العديد من المسارات التي يجب دعمها حتي تتحقق فكرة الوحدة بين شعبي البلدين وإن كانت وحدة معنوية، ومن ثم لابد من طرح القضايا المهمة التي تمثل نقاط توتر وتباين في المصالح، ومنها الخلاف حول حلايب وشلاتين باعتبارها أول الملفات التي يجب حسمها بشكل نهائي، تأكيداً علي السيادة المصرية علي وطننا، وأيضاً مراعاة التوجهات الأيديولوجية المختلفة للنظام السوداني منذ أيام حكم الإخوان والتي اختلفت الآن، وهو الأمر الذي يحتاج إلي حوار إستراتيجي كبير لتحديد الرؤي والمصالح المشتركة بين البلدين. وناشد الدكتور « عبدالوهاب» المستثمرين المصريين ضخ استثماراتهم بالسوق السوداني الواعد والأقرب لهم تاريخياً وجغرافياً. معرباً عن أمله في تحقيق حلم الوحدة والتكامل الاقتصادي بين البلدين من خلال مشروعات واقعية تجمع مواطنيهما. تحقيق – نشوة الشربيني: صحيفة الوفد المصرية