الحرص البائن الذي يبديه الزملاء الصحفيون لتغطية الفعاليات السياسية التي يكون الدكتور نافع علي نافع مساعد رئيس الجمهورية أحد المتحدثين فيها، مردها فيما يبدو الى الطريقة التي يتحدث بها. طريقة لا تخلو من صراحة شديدة لدرجة جعلت الناس في تقييمه اثنين لا مجال للضبابية بينهما، فإما يحبونه بشدة، أو يكرهونه كذلك. وعلى خلفية ذلك، حرص بعض الزملاء على تغطية زيارته الى مدينة سنجة الاحد الماضي اي قبل يوم من سفره الى باريس للقاء المسؤولين الفرنسيين والبريطانيين بشأن الأوضاع في دارفور والمحكمة الجنائية الدولية. كانوا يأملون في أن يواصل نافع في خطابه الصدامي في وجه الغرب ووجوه اخرى، ويمارسوا هوايتهم المحببة في وضع حديثه في أعلى صفحاتهم الأولى قبل أن يتفاجأوا بنبرة تصالحية لم يعهدوها في الرجل. فقد استبق نافع زيارته تلك، بتمهيد الأجواء لها، وذلك بحديثه عن أنهم يمدون أيديهم بيضاء للحوار مع الأسرة الدولية والغرب حول قضاياه ومصالحه في السودان على أساس من الندية لا الوصاية. قال ذلك في طقس سياسي حار، ثم تأبط د. نافع ملفاته الساخنة لوضعها تحت طاولة النقاش في أجواء باريس الربيعية، فقد انخرط في اجتماعات متصلة فور وصوله ابتدرها بلقاء وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير والأمين العام لقصر الاليزية ومستشار الرئيس الفرنسي للشؤون الافريقية والوفد البريطاني وأخرين كان يلتقيهم على مدى ثلاثة أيام قضاها بباريس. وعندما وصلت طائرته الى مطار الخرطوم لم يختلف نافع كثيراً عن غيره من السياسيين العائدين من مثل هذه الرحلات، حيث أكد أن زيارته كانت ناجحة وشفافة وقوية. ومضى بعض المراقبين الى نقيض ما ذهب اليه نافع، ومدللين على ما ذهبوا اليه بأن نافع لم يستطع ان يلتقي الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أو حتى عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان الذي تحتفظ به باريس كورقة تخبئها في جيبها الخلفي لمساومات وربما ضغوطات قادمة. لكن في المقابل يرى كثيرون ومنهم نافع نفسه، إن الزيارة كانت ناجحة من جهة اعطائها الدفع الإعلامي الذي افتقده السودان وسط الدوائر الغربية بطريقة مكنت الى حد ما من عكس وجهة نظر الحكومة السودانية في كثير من القضايا في مقدمتها ازمة دارفور والمحكمة الجنائية الدولية. والى جانب ذلك، فقد تميزت اللقاءات هذه المرة حسب مصادر مطلعة تحدثت اليها بقدر عال من الوضوح وتم التركيز فيها على ضرورة ان يتم الحوار حول القضايا الثنائية، وتمت لقاءات جادة مع الحزب الحاكم في فرنسا ومع الحزب الشيوعي الفرنسي ولقاءات اخرى مع جهات ومنظمات ومفكرين وقادة رأي فرنسيين اضافة الى اللقاء مع الجالية السودانية في فرنسا. وتجئ زيارة د. نافع الى فرنسا ولقائه بالمسؤولين الفرنسيين بعد لقاءات سابقة بين المسؤولين السودانيين والفرنسيين كان أبرزها لقاء الرئيس البشير بالرئيس ساركوزي في الدوحة برعاية من امير قطر، وقبل ذلك اللقاء الذي جمع علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية مع ساركوزي على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. ورغم شح ما يرشح في مثل تلك الزيارات الا ان المراقبين لا يتوقعون ان تخرج المباحثات عن الاوضاع في دارفور، والعلاقات السودانية التشادية، ومسألة المحكمة الجنائية الدولية التي تجد الدعم الكامل من فرنسا والرفض الكامل لمجرد وضعها على طاولة النقاش من الحكومة السودانية حسبما صرح بذلك نافع عقب عودته من فرنسا يوم أمس الأول. والناظر الى مواقف فرنسا في الحقبة الماضية تجاه السودان لا يجد مبالغة في وصفها بالاعتدال وقد برزت ملامح ذلك الاعتدال في اعتراضها على وضع السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب وفي موقفها من ضرب مصنع الشفاء، هذا فضلاً عن تطور التعاون الاقتصادي بين البلدين خاصة بعد أن انفتحت شهية باريس للتعامل مع الخرطوم في هذا المجال بعيد تعاون الخرطوم معها في مجال مكافحة الارهاب وتسليمها «الارهابي» كارلوس. لكن من الأسباب التي ادت إلى تراجع العلاقات السودانية الفرنسية تأزم الأوضاع في دارفور وتدخل باريس بطريقة غير مباشرة لدعم انجمينا التي تدعم الحركات المسلحة حماية لمصالحها في المنطقة كما تراها هي. وفي السياق، أشار المحاضر بمركز الدراسات الدبلوماسية د. عبد الرحمن ابو خريس الى ان العلاقات تدهورت بين البلدين نتيجة للتقرير الخاطئ للتوجه السياسي في البلدين حسبما يرى، وكثافة التأثيرات الخارجية لأمريكا والصين، اضافة الى تسييس المنظمات وضعف التشريعات التي تحد من متطلبات التعاون والتبعية المطلقة للسياسة الفرنسية للقرار الأمريكي. وعوداً على بدء، فإن زيارة د. نافع الاخيرة الى فرنسا مهدت الطريق الى حوار ثنائي جاد بين البلدين يمكن معه للخرطوم أن تصل مع قليل من التنازلات بحسب البعض الى ما ترجوه من باريس في دعم الاوضاع بدارفور والتأثير على تشاد لتكف يدها عن العبث بدارفور، وقبل كل ذلك التأثير عليها للعب دور ايجابي في مجلس الأمن الذي سينسج فيه ثوب المواجهة القادمة بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية المدعومة من فرنسا على نحو أكسبها استياء الخرطوم لدرجة جعلت ابتسام المسؤولين الحكوميين فيها عسيراً رغم طقسها المعتدل. فتح الرحمن شبارقة :الراي العام