"عبدو مطر" لبناني الجنسية خمسيني العمر ، حسن الخلق والطلعة أنيق المظهر ، جميل المخبر ، تكسو وجهه طيبة تطالعها في ملامحه و تقاطيع جبينه ، أول من جاورته في الغربة ، كان نبيلا أصيلا كنت أصادفه كل يوم متزامنا مع موعد خروجي إلى العمل ، فيشعرك بنداوة الصباح ونضارة الحياة بتحيته الصباحية بلكنته " اللبنانية " وإبتسامته التي ﻻتفارقه ، مرت الأيام والشهور وقويت الصداقة بيننا ، كان رجلاً مثقفا بسيطاً متواضعاً ، يمتليء حيوية ويفيض مودة للآخرين ، دوماً ما أرى سجارته بين أصبعيه وكنت كثيراً ما أمازحه أحياناً وأحضه جادا على ترك التدخين ، يخلف تارة ويوفي مجاملا، أيام وذكريات جميلة طويت ، غادر بعدها " عبدو " العاصمة السعودية الرياض نهائياً ميمما وجهه شطر بيروت ، كما غادرتها أنا اﻵخر صوب الخرطوم، وإنقطعت بيننا الأخبار لسنوات ، قبل فترة وجدت بذاكرة هاتفي القديمة مصادفة رقماً بمفتاح لبنان معرفا بإسمه ، أدخلته في هاتفي بلهفة وشوق فظهر إستخدامه لتطبيق الواتساب ، فأرسلت له رسالة مازحته فيها بكلمات كان يرددها في الصباح ، فلم يجبني ، عرفته بنفسي فلم يرد ، ناديته بإسمه فلم يحفل لندائي ، وبعدها فاجأني شقيقه أن " عبدو " قد غيبه الموت ، وفارق الحياة ، قبل أكثر من عام ، كانت غصة و صدمة أعادتني لسنوات إلى الوراء وذكريات أيام عطرة ومرحة قد طويت مع صديق كريم أصيل ، جمعتنا به الحياة وفرق بيننا الردى .قفزت إلى ذهني هذه الذكرى الأليمة خلال مطالعتي لواقعة مشابهه ذكرها الزميل العزيز " ضياء الدين " بعنوان " قصتي مع يحيى " الذي كان يعمل مصورا بإحدى إستديوهات الخرطوم 2 وعلم مصادفة أنه قد توفى خلال زيارة بعد إنقطاع دام بضع سنوات إلى محله الشهير. و ما يحزن أيضاً الذين تركوا لنا أرقامهم و صفحاتهم على موقع التواصل الإجتماعي " فيسبوك " ورحلوا ، تزورها فتشعر بأسى وألم عميق ، ومعظمهم يزينونها بالأذكار والمواعظ واﻵيات وكأنهم قد أحسوا بدنو أجلهم ، وما شدني قبل يومين ، أن صادفت نعي أليم لشاب كان عضواً بإحدى المجموعات ﻻ أعرفه عن قرب ، فساقتني نقرات الماوس إلى صفحته التي باتت حزينة لأجد أن آخر ما خطته يده " كيف ننشر الإسلام " ، يا الله .. شاب فارق الحياة وهو مهموم بالدعوة إلى الله ، هكذا حال الدنيا فقد تركوا آثارهم ومدوناتهم الحافلة بذكراهم ورحلوا ، وبقينا نحن نتجرع الحزن ، ونقف في إنتظار دورنا في " الصف " . بقلم محمد الطاهر العيسابي motahir222@ hotmail.com إلي لقاء ...