لوكان الوقت في السودان كائن حي لصرخ مذبوحا من الألم ، للأسف ليس للوقت قيمة عند معظم السودانيين وﻻ أدري هل ذلك موروث ثقافي أم تحمله جيناتنا ، ومن العجيب والغريب الذي لم يسبق له مثيل في بلدان خلق الله " ربط المواعيد بالوجبات وكأننا في عصر ما قبل إختراع " الساعة " ، فمن السائد والشائع أن تجد من يقول لك " نمشي بعد الغداء " أو نسافر " بعد الفطور أو سأحضر لك بعد شاي المغرب " !! قبل أسبوع أو يزيد حدث عطل بحاسبي المحمول ذهبت به إلى قلب العاصمة السودانية الخرطوم ، نظر فيه الفني ثم " شال نفسو " وقال " تعال بعد شويه لحدي مانشوف فيهو شنو " ، حضرت " بعد شويه " فاكتشفت أن " الشوية " تعدل مقدار 24 ساعة مما تعدون ، في اليوم الثاني تم إكتشافه بأن به عطل في المروحة وقد تحتاج نظافة بكحول ويعود الجهاز كما كان " حمدنا الله كثيراً " وقلت في نفسي بسيطة ، في اليوم الثالث تم إكتشاف أن المروحة بعد النظافة ﻻتعمل ، وتحتاج ﻷخرى وأن إسبير ماركته غير متوفر بالسودان ، ولكن ستتم معالجة " ما " ، في اليوم السادس جاءني إتصال في المساء مع موعد إغلاق المحل لإستلام الجهاز ، وبالفعل ذهبت في اليوم السابع ، وفؤجئت أن الجهاز بعد أن تم إصلاحه إكتشف أنه سيفصل بعد كل " ساعتين " ، ونصيحته لي أن يباع " سكراب " ، سبعة أيام جيئة وذهابا وإتصال لنخرج بنتيجة أن تذهب به إلى " التشليح " !! ذهبت لزيارة شقيقتي بإحدى أحياء الخرطوم في إحدى المرات وعندما حان وقت العصر ذهبنا إلى الصلاة بعدها عرفت أن هناك إجتماع للجنة المسجد مع المصلين لتأخير أذان وإقامة " العصر " لقرابة ساعة لإنتظار المصلين ، أي والله كما أحدثكم ، إجتماع بالمسجد لتأخير مواعيد وقت الصﻻة ، همست في من يجلس بجانبي " ناسكم ديل جادين " !! ، ثم نهضت أنفض ثيابي محدثا نفسي " يعني بقت على ديل هي الساعة مجرورة في السودان " !! قال تعالى : ( ﺇِﻥَّ ﺍﻟﺼَّﻠَﺎﺓَ ﻛَﺎﻧَﺖْ ﻋَﻠَﻰﺍﻟْﻤُﺆْﻣِﻨِﻴﻦَ ﻛِﺘَﺎﺑًﺎ ﻣَّﻮْﻗُﻮﺗًﺎ ) وفي السودان إجتماعات لتأخير الصلاة ، فموضوع عدم توحيد الأذان في العاصمة الخرطوم حدث وﻻحرج ، فالحال من بعضه ، بجوارنا مسجدين يؤذن الأول الظهر الساعة الواحدة والآخر بعد نصف ساعة من الأول أي الواحدة والنصف ، ما أن يقيم الأول الصلاة إﻻ وتسمع الثاني يصدع بالنداء ! مساجدنا تؤذن " بالمزاج " وﻻ حسيب وﻻ رقيب وﻻشؤون دينية وﻻ أوقاف ! تناول " كباية شاي" يستغرق منا عدة ساعات فما بال الإفطار وخاصة لموظفي الدولة ، فإن قيل لك ذهبوا للفطور " أقنع من وقتك " وأحتسب صبرك و البركة في الواتساب ، أما مواعيد السواد الأعظم من الحرفيين " إﻻ من رحم ربي " فذاك عالم خاص أسأل الله أن يبعدكم عنه ، تذهب بعطل بسيارتك قد تحتاج لإجازة من العمل لتقضيها جيئة وذهابا لإصلاح سيارة ، يبدأ الموعد للإستلام ب " أخد ليك لفه وتعال " وستكتشف أن " اللفه " المقصود بها هي لفه حول العالم وليس كما تظن ،، والله المستعان !! إلى لقاء ... بقلم : محمد الطاهر العيسابي [email protected]