في الوقت الذي كان فيه الفلكي المصري الشهير أحمد الشاهي يبث جملة توقعات مرعبة وهادرة سيشهدها العام (2015) كان الإمام الصادق المهدي هنالك في ذات _المدينة الفاطمية _ يشعل الدفء في صقيع عقده الثامن، باذلاً ما وسعه من المحبة للناس في كل أرجاء الكون، خبا عنه بريق السلطة ولم تخب روحه التواقة دوماً للخلاص، الإمام الصادق والذي لا يزال يخوض في عباب بريقه الإنساني ما انفك ينصب شباكه لمن يهفو محدقاً في ما وراء السطور، ومن عجب أن الصادق كما روى عنه أهل بيته "خرج بقدميه أولاً في ليل الأربعاء 25 ديسمبر 1935 وليس برأسه كما معظم بقية الأطفال" هو تاريخ يتزامن مع ميلاد السيد المسيح، ماعون الإشارات الغيبية يتسع على ما تقول (القمرية) وحكاية الميلاد المجيد في (ود نوباوي)! حكاية الإمام الذي رأى كل شيء في المنام مثيرة على نحو مشوق، قد يظن البعض وربما الكثيرون أن المهدي سياسي ناضج وحسب، ما يرنو من سيرته وسريرته يقول بغير ذلك، ثمة (نوسترا داموس) قمحي اللون إلى سمار بائن، يخضب لحيته باستمرار، يقرأ الطالع بنهم ويهبط بالسلالم الخلفية ويفسر الأحلام، هو صاحب قدرات خارقة _ على كل حال_ أكثر ما تتجلى في النوم . أطلس الروح ذاك أطلس غامض لم يفلح في استكناه تضاريسه حتى عالم النفس فرويد، منذ جعفر نميري الذي ظل يقصص رؤياه ويمضي على إثرها مشحوناً بالغيبيات، مروراً بالمفكر الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد الذي تفتحت بصيرته في أقاصى لبنان (هو والجبل والخلوة).. وليس انتهاء بالإمام الصادق المهدي صاحب الرؤيا العجيبة التي تحققت على مرأى منه، بما فيها حديثه عن رجل قصير بشعر أبيض سيحكم مصر، ملايين الأصوات فيما بعد توجت الدكتور محمد مرسي حاكماً لبلاد الفراعنة، ساعتها خرج الإمام وهو يمسح لحيته وينادي في الناس (ألم أقل لكم؟). ولكن المدهش حقاً أن الصادق رغما عن قدراته المخبوءة لم يفلح في إدراك نهاية خيوط خطاب الوثبة الشهير فطفق مردداً في بيانه بمناسبة ثمانينيته: "ها هنا أعترف بأن حسن الظن أعمانا عن فحص العيوب المخبوءة، فلما كشفت العيوب عن نفسها نفضنا يدنا عن حوار الوثبة"، الشاهد أن فراسته خذلته في هذا الأمر بالتحديد بذريعة حسن الظن حتى أسفرت عن فجيعته الأيام بما تجاوزته. الإمام نوسترا داموس "سوف تشتعل السماء عند خط العرض 45 وستلتهم النيران المدينة الجديدة العظيمة، وسينتشر اللهب المستعر وسيتأجج، عندها يحاول النورمانديون الدخول إليها".. في القرن السادس عشر طوى المنجم الفرنسي الشهير نوسترا داموس أوراقه تلك وغادر الدنيا، بعيد قرون خلت وما إن وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولاياتالمتحدةالأمريكية إلا وهرول الناس يفضون مغاليق تلك الرقائق، ساعتها وجدتها صحيفة (ديلي ميل) الإنجليزية سانحة لربط نبوءة داموس بكارثة سقوط الأبراج العظيمة واستعارة اللهب المتأجج. تلك حكاوي شغلت العالم حينا من الدهر. ولكن حكاية الإمام ذي الجبة المرقعة أمر آخر محير؛ قبيل أن ندلف إلى ذلك دعونا نتساءل: هل صحيح أن بعض الأشخاص يمتلكون قوة خفية تمنحهم قدرة مهولة على معرفة ما يختبئ وراء الأيام، أو بشكل آخر احتكار الأحلام التي ستتحقق في يوم ما؟ ثمة من يقول إنه محض وهم لا أكثر وهنالك يردد أن كل إنسان يملك مقداراً من هذه القوة الخارقة التي تكشف له عما خبأته جيوب المستقبل، ولكن الناس إذا تساووا في نوع هذه القوة فإنهم يختلفون في مقدارها دون شك، وقد ثبت لبعض المهتمين أن هذه الحاسة توجد عند البعض بقوة تثير الدهشة، بينما توجد في بعض آخر على حال من الضعف والوهن لا تكاد تبين، وكذا الحال قوة هذه الحاسة تتناسب تناسباً طردياً مع درجة الصفاء الروحي والنقاء الداخلي التي يتمتع بها الشخص، وهو الحديث عينه الذي ذهب له الصادق المهدي، لحسن الحظ أن زعيم الأنصار تتوفر فيه هذه القدرة كما عبر عنها في أكثر من مناسبة، ولا ضير: "فكل ما يدور حولنا خيالي ومدهش وغير منطقي" بتعبير أحد كتاب القصة السودانيين ولكنه واقعي وطبيعي بتعبير حفيد مهدي الله. تلك رؤياي ثمة رجل يؤمن تماماً بأن ما يرى في الأحلام، عاجلاً أو آجلاً سيتحقق، يرنو في السماء ليسقط معنى الأحد عشر كوكباً على واقعنا، وينشد (أنا شفت يا بت في المنام)، بل ويمضي أكثر من ذلك بأن النهار أيضاً لا يَرى ولا يَسمع، وإنْ كنتَ تبغي التخفّي فسلّم له أسرارك. الصادق أذهل المصريين عندما حكى في حوار مع (اليوم التالي) أعادت نشره صحيفة (المصري اليوم) وعدد من المواقع العربية، عندما ذكر أنه رأى في منامه رئيس مصر، وكان ذلك في نوفمبر من العام (2010) قبل رحيل مبارك بفترة ليست بالقصيرة، ورأى شخصًا في المنام يخبره بأنه سيتناول الإفطار مع الرئيس المصري، وذهب الصادق فلم يجد مبارك، مضيفًا: "رأيت شخصا أطول منه وأشيب وأصلع"، وأبلغ من حوله بأن (مبارك خلاص).. غالباً الرجل يقصد مرسي، أو هكذا ذهب الكثيرون للمقاربة بين الحقيقة والنموذج، لكن الإمام لم ينظر في ما بعد نهاية مرسي، فتولى أكثر من حالم آخر ليكمل فصول حكاية قصر الاتحادية، بمن فيهم السيسي نفسه الذي سعى للرئاسة لمجرد أن تبدت له في المنام الساعة الأوميجا. في خطابه الأخيرة بالقاهرة تجلى الإمام في نسخة فريدة، لا تختلف كثيراً ربما عن وصف سابق حظي به من قبل المحامي الراحل غازي سليمان عندما نعته بأنه (رجل قديس) وهو وصف يخص غازي بالضرورة، الصادق هو صاحب الرؤى الكثيفة والدنيا عنده ببساطة (منى وأحلام)، سيما وأنه قد ذكر في ذات الحوار أنه رأى في المنام أكثر من عشرين رؤيا تحققت كلها، وقد تزامن عيد ميلاده مع عيد ميلاد السيد المسيح، وتنهض حكاية (القمرية) لتفصح عن رسائل خاصة به _ في يوم مولده أيضاً _ حجة الرجل التي ظل يبذلها بين يدي كل من يتشكك أنه ما يربو على العشرين رؤية صالحة تحققت حتى اللحظة والفراش الأبيض لا يزال دافئا. من تلك الحكايات المنامية التي شهد حدوثها نهاية نميري وانتهاء نظامه، والمصالحة الكبرى. رجل استثنائي الإمام الذي يتمتع بوعي وبصيرة فذة قال إنه يؤمن بالإشارات الغيبية لأنها من الدين، وأضاف: هناك أمثلة كثيرة تؤكد ذلك، رؤية يوسف بأنه رأى أحد عشر كوكبا، وكذلك رؤية عزيز مصر عن السنابل، فابن آدم فيه من روح الله، وهذا الحديث موجود وكثير في السيرة وفي الحياة، إذن حقوق الطبع محفوظة لإمام الأنصار، فهو رجل ليس عاديا كما يردد على الدوام ثروت قاسم (الصادق رجل صالح في نفسه ومصلح لجماهير الشعب السوداني، وقد قرأ أكثر من 3 آلاف من أمهات الكتب وهو في سجون نميري، ملبياً أمر جبريل لمحمد) ويمضي ثروت أكثر من ذلك إلى القول إن يوم ميلاد الصادق وافق يوم ميلاد يسوع الناصري، كما وافق اليوم الأول من عيد الفطر شوال 1354ه، الذي وافق بدوره في معجزة ثلاثية المولد الهجري لجده الإمام عبد الرحمن، الذي ولد في غرة شوال سنة 1302ه، وهو بذلك _ والحديث لثروت _ جمع مولد الطفل الصادق بين عيد المسلمين وعيد النصارى؛ وشب الصادق ليجمع بين المسلمين والنصارى، كما جمع بين مذاهب وطوائف المسلمين، ومن ثم يتساءل قاسم: هل حقاً، بلغ السيد الإمام 8 عقود إلا سنة من عمره المديد بإذنه تعالى؟، أم إنه عاش ألوف السنين؟ هنالك الكثيرون على استعداد للرد على تساؤلات قاسم، ولكن هنالك الكثيرون أيضاً يؤمنون بقدرات مخبوءة للإمام، تعني فيما تعني أنه رجل استثنائي، ولا يشبه بقية الساسة.