* الاحتفال بمولد المصطفى صلى الله عليه وسلم يعيد للذهن ملاحظة ليست بجديدة سبق وتحدثنا عنها على عجل، مفادها أن معظم المطربين الذين كانوا يتسابقون بالأمس القريب لأداء المدائح النبوية والمشاركة في مهرجانات منظمة المبرّة الخيرية أو من خلال إذاعة الكوثر وقناة ساهور الفضائية، قلّ حماسهم كثيراً وفترت عزيمتهم ولم نعُد نسمع لهم مدائح جديدة على عكس السنوات الماضية! * النقطة التي ينبغي علينا الوقوف عندها والانتباه لها أن هذا الانحسار تزامن مع الأزمة المالية التي عاشتها قناة ساهور في السنوات الأخيرة لدرجة أنها أعلنت في وقت سابق عبر شاشتها عن ضرورة المساهمة معها في دفع رسوم إيجار القمر الاصطناعي (نايل سات) الأمر الذي اضطرها للهروب ل(العرب سات) والظفر بتسهيلاته الأولية وعروضه التشجيعية وكرم البدايات لدرجة أنها أطلقت في خطوة تعتبر بمثابة قفزة في الظلام حزمة من القنوات لم تغادر مربع (البث التجريبي) بعد..!! * السؤال الذي يفرض نفسه: (هل كان الهدف الأساسي لمعظم المطربين الذين رددوا مجموعة من المدائح النبوية هو العائد المادي، أم أن قناعاتهم الراسخة بأهمية تطييب حناجرهم بمدح الرسول صلى الله عليه وسلم هي التي قادتهم لترديد تلك المدائح..؟ وإلى أي مدى كان الفنان الراحل المقيم محمد وردي مُحقاً عندما قال في لحظة صدق مع النفس والآخرين: (إن هؤلاء يمدحون حباً في القروش)؟.. فما أجمل أن يكون المادح مُتشبِّعاً بحب الممدوح ومُبحراً في أعماق صفاته النبيلة ومتأملاً لسيرته العطرة). * ابتعاد كثير من المغنين عن تجربة المديح التي خاضوها بإصرار كبير في فترة فائتة يجعل فرضية اتهامهم بالسعي وراء التكسُّب المادي هي الأرجح، خاصة في ظل الأوضاع المالية التي تعيشها ساهور منذ فترة، تلكم القناة التي كانت بالأمس القريب تُرغِّب الفنانين متكئة على عصا المال مقابل المديح حيث دفعت لهم دفع من لا يخشى الفقر حتى سقطت في جب الفاقة والعوز..!! * من أكثر الأشياء التي تجعل المرء يشعر بالتبرُّم والضيق وعلو صوت الاستنكار داخله عندما يستمع لمدحة تم تركيب كلماتها داخل رداء نغمي لأغنية هابطة، بل و(منبوذة) ومن النوع الذي يضع المستمع خطاً تحته قبل أن ينتبه لمرددها، وإن كان البعض يرى أن تلك الوسيلة الهدف منها استقطاب الشباب والتأثير عليهم، فيا لها من (ميكافيلية) رخيصة، فمثل هذه المدائح للأسف الشديد قبل أن تنال حسنة المديح فإنها ترتكب جرم (تأكيد) أغنيات مُبتذلة وذات كلمات ساقطة بترديد ألحانها وتوسيع دائرة أسفارها والإقرار بانتشارها، فهل عقِمت حواء النغم عن إنجاب ألحان جديدة مستوحاة من جماليات مُفردات المدح للمصطفى صلى الله عليه وسلم؟ أم أن الهدف من القصة كلها الرواج والذيوع بغض النظر عن الطريقة والكيفية التي تمت بها؟ * قلت من قبل إنني من أنصار فتح الأستديوهات وتشجيع المادحين الحقيقيين، وبعض المطربين الجادين.. أما الأصوات والشخصيات التي عليها كثير من التحفُّظات، فينبغي أن تُحفظ بعيداً عن مُتناول يد المديح النبوي حتى لا تُلوِّث بحناجرها المشروخة وسلوكها الشائه كلمات ذات معانٍ ودلالات سامية، فالمطرب المؤمن برسالية وأهمية المديح، لا يهمه كم ستدفع له إذاعة الكوثر أو قناة ساهور، أما فتح الباب على مصراعيه لكل صاحب (حاجة مادية) فإنه لن يضيف للمديح شيئاً، وسيصبح ترديد المدائح عند بعض الفنانين مدعاة للتندُّر والتهكُّم والسخرية من قِبل المستمعين قبل أن يكون دعوة روحية على طبق من نغم للتأمُّل واستذكار سيرة المختار صلوات الله وسلامه عليه..!! * اللهم اغفر لنا وارحمنا إن كان في اجتهادنا هذا ما يؤخذ علينا إنك أنت الغفور الرحيم..!! * نأمل أن نسمع مجموعة من المدائح الجديدة من أولئك الفنانين الذين كانت الكوثر وساهور قِبلتهم الأولى، وكانوا يشكِّلون حضوراً راتباً بمكاتبها أكثر من الموظفين..! * طرحت سؤالاً من قبل مفاده: (يا ترى إذا أصبح تسجيل المدائح وترديدها من قِبل الفنانين (مجاناً) وقررت (الكوثر) تحويل المبالغ الباهظة التي كانت مخصصة لهذا الأمر لدعم وبناء المدارس وخلاوي القرآن الكريم.. يا ترى كم هو عدد الفنانين الذين سيسارعون للتسجيل والابتسامة مطبوعة على شفاههم..؟؟). * لم أجد إجابة من أحد على السؤال أعلاه عندما طرحته قبل سنوات عدة.. ولكن جزى الله الزمن كل خير فقد تكفَّل بالإجابة مشكوراً حتى ولو جاءت إجابته بعد طول انتظار..!! نفس أخير ولنردد خلف أمير الشعراء أحمد شوقي: * لي في مديحك يا رسول عرائس.. تيمن فيك وشاقهن جلاء هن الحسان فإن قبلت تكرما.. فمهورهن شفاعة حسناء ما جئت بابك مادحاً بل داعياً.. ومن المديح تضرع ودعاء أدعوك عن قومي الضعاف لأزمة.. في مثلها يلقى عليك رجاء