أيام معركة القمح والدقيق التي انجلت الأيام الماضية، كنا نطالب بذهاب الدعم لصالح الإنتاج الوطني.. وبصراحة مهما كان احتياج البلاد للاستيراد فالحاجة الماسة أكثر لزراعة القمح المحلي وتطويره عبر التقانات، وقبلها عبر السياسات المحفزة لا المنفرة، وأيضاً بتسهيل التمويل وتيسير إجراءات استيراد المدخلات، بعدها ليس صعباً ولا مستحيلاً أن يكتفي السودان ذاتياً ويودع الاستيراد. من لا يملك قوته لا يملك قراره.. عبارة لطالما مثلت الفلسفة التي اعتمدت عليها الإنقاذ من يومها الأول، ولتحقيقها توسعت في زراعة القمح بمشروع الجزيرة على حساب القطن.. شعار الدولة هذا جاء ليحل محل في الجزيرة “نزرع قطنا” الذي ظل محفوراً في ذاكرة أي سوداني وقتها.. في بداية التسعينيات وبسبب المقاطعة من المجتمع الدولي، كان من الممكن أن تنجح الرؤية خاصة مع الدفع السياسي الذي حظيت به على الرغم من اعتراض بعص الخبراء الذين كانوا يرون أن يستمر المشروع في القطن ويتم شراء القمح الذي تجوب بواخره عرض البحار.. غير أن الأمور لم تسر كما تشتهي سفن مشروع الجزيرة لأسباب كثيرة، ولم يتحقق الاكتفاء الذاتي الذي كان مقرراً له عام 2007. إمكانية التوسع في زراعة القمح بأجود الأنواع ظهرت نهار الخميس عبر احتفالات حصاد أول كميات مزروعة في مشروع الواحة الزراعي بشرق النيل.. التجربة التي وقف عليها نائب الرئيس حسبو محمد عبدالرحمن ووزير الزراعة البروفسور الدخيري ووالي الخرطوم الفريق عبد الرحيم محمد حسين وعدد من المسؤولين ورؤساء التحرير والصحافيين وكتّاب الرأي والقنوات الفضائية.. كان من الصعب التجول في حقول بمساحة 22 ألف فدان في ظرف ساعات محددة.. كانت الحاصدات وهي تحصد القمح تشير إلى التطور التكنولوجي بعدم تسجيل فاقد في الإنتاج الذي يذهب منها إلى عربات الترحيل المجهزة.. المشروع يعتمد على الري المحوري وعبر مياه الري يخرج السماد بكميات محسوبة تعطي إنتاجية عالية بلغت 25 جوالاً للفدان. نجاح التجربة بشكل مذهل قاد شركة دال الزراعية صاحبة المشروع، للاتجاه نحو التوسع في زيادة الرقعة الزراعية في مشروعي الواحة والولاية الشمالية، حتى تقلل من استيراد القمح تدريجياً لمطاحن “سيقا”. دخول دال زراعة القمح له أكثر من دلالة، أهمها ربط الزراعة بالتصنيع، وهذه ميزة ظللنا نبحث عنها لتطوير الصناعات التحويلية التي كانت أهم ما يميز القطاع الصناعي السوداني.. صناعة الزيوت سابقاً نموذجاً.. الميزة الثانية هي أن تقليل استيراد القمح يقلل من الضغط على النقد الأجنبي الذي يشكل هاجساً للدولة، على أن أهم الميزات هنا تطوير الزراعة باستخدام الأساليب الحديثة وتشغيل أعداد ليست قليلة من الشباب.