الدعم السريع: الخروج من الفاشر متاح    لماذا اختار الأميركيون هيروشيما بالذات بعد قرار قصف اليابان؟    12 يومًا تحسم أزمة ريال مدريد    تشكيل لجنة تسيير لهيئة البراعم والناشئين بالدامر    البرهان يتفقد مقر متحف السودان القومي    التفاصيل الكاملة لإيقاف الرحلات الجوية بين الإمارات وبورتسودان    بيان من سلطة الطيران المدني بالسودان حول تعليق الرحلات الجوية بين السودان والإمارات    الطوف المشترك لمحلية أمدرمان يقوم بحملة إزالة واسعة للمخالفات    "واتساب" تحظر 7 ملايين حساب مُصممة للاحتيال    السودان يتصدر العالم في البطالة: 62% من شعبنا بلا عمل!    نجوم الدوري الإنجليزي في "سباق عاطفي" للفوز بقلب نجمة هوليوود    كلية الارباع لمهارات كرة القدم تنظم مهرجانا تودع فيه لاعب تقي الاسبق عثمان امبده    بيان من لجنة الانتخابات بنادي المريخ    رواندا تتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة لاستقبال ما يصل إلى 250 مهاجرًا    يامال يثير الجدل مجدداً مع مغنية أرجنتينية    شاهد بالفيديو.. السيدة المصرية التي عانقت جارتها السودانية لحظة وداعها تنهار بالبكاء بعد فراقها وتصرح: (السودانيين ناس بتوع دين وعوضتني فقد أمي وسوف أسافر الخرطوم وألحق بها قريباً)    شاهد بالفيديو.. فنان سوداني يعتدي على أحد الحاضرين بعد أن قام بوضع أموال "النقطة" على رأسه أثناء تقديمه وصلة غنائية بأحد المسارح    شاهد بالصورة.. بعد أن أعلنت في وقت سابق رفضها فكرة الزواج والإرتباط بأي رجل.. الناشطة السودانية وئام شوقي تفاجئ الجميع وتحتفل بخطبتها    تقارير تكشف خسائر مشغلّي خدمات الاتصالات في السودان    توجيه الاتهام إلى 16 من قادة المليشيا المتمردة في قضية مقتل والي غرب دارفور السابق خميس ابكر    تجدّد إصابة إندريك "أحبط" إعارته لريال سوسيداد    السودان..وزير يرحب بمبادرة لحزب شهير    الهلال السوداني يلاحق مقلدي شعاره قانونيًا في مصر: تحذير رسمي للمصانع ونقاط البيع    ريال مدريد الجديد.. من الغالاكتيكوس إلى أصغر قائمة في القرن ال 21    "ناسا" تخطط لبناء مفاعل نووي على سطح القمر    السودان.."الشبكة المتخصّصة" في قبضة السلطات    مسؤول سوداني يردّ على"شائعة" بشأن اتّفاقية سعودية    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



“وسط المكب” هنا موئل نفايات أحياء محلية ود مدني.. هنا قصص وحكايات ألم وعذاب وموت يسري في أجساد مرتادي المكان ببطء دون أن يحسوا به.. هل ثمة رؤيا فنية للتخلص من الأوساخ
نشر في النيلين يوم 26 - 04 - 2016

كلما ذكرت المدن الكبيرة، جاء اسمها لامعا ولا يستطيع أحد تجاوزة؛ هي السياسة والفن والرياضة ومشروع الجزيرة ومقر الحكومة، وعندما يزورها الزائر يجد أن هنالك لمسة جمال رسمت على بزة وسطها من تعبيد طرق وإنارة ونظام في أسواقها، غير أنها تخفي ذاك الجمال بقبح آخر رسمته في أطرافها وكانت صورته وبالا على الآخرين وشكلت خطرا عليهم وعلى مزارعهم وحيواناتهم، فمدينة ود مدني عاصمة ولاية الجزيرة، ترمي بأوساخها على وجوه الآخرين لتشق صدورهم الروائح النتنة الكريهة بعد حرقها كلما هبت الرياح ليلا أو نهارا لتدخل البيوت والغرف دون استئذان ولا تطرق بابا، وتأكل حيواناتهم الأكياس البلاستيكية وتلتصق هي بالأرض الزراعية قتلا لخصوبتها حتى وإن صدر القرار رقم 2009/106م إبان عهد الفريق عبد الرحمن سر الختم واليا لولاية الجزيرة بمنع استخدام أكياس البلاستيك.
هنا مكب نفايات أحياء محلية ود مدني.. ثمة قصص وحكايات ألم وعذاب، إنه الموت الذي يسري في أجساد مرتاديه ببطء دون أن يحسوا به.. مستشفيات المدينة تستقبل المترددين من المرضى يوميا من الأحياء المتاخمة للمكب.. إنه عالم خاص جدا.. مجموعات تعيش ما بين أكوام الزبالة والأوساخ ولا تبالي، النيران تشتعل ثم تهمد ليرتفع الدخان في فضاء السماء مشكلا سحابا بلون أسود وآخر داكنا، حتى الطيور والجوارح تحول وجهتها بعيدا عنه حتى لا تفقد أجنحتها قوة التحليق والطيران، النفايات الطبية، وأكوام الأوساخ والزبالة وبقايا المطاعم والكرتون والأتربة المتسخة بالمياه الآسنة، كل تلك تحملها عربات وجرارات هيئة نظافة ولاية الجزيرة لقطع المسافة ما بين ود مدني مرورا بأحياء الإنقاذ ومربعات (29/ 28/ 27/ 30) والملكية والتكيلات، وحنتوب وهي محملة بأوساخ المدينة لترمي بها على تلال المكب.
منازل شيدت بالطين (اللبن) وسورت بالخيش والكرتون وأخريات رواكيب نصبت من حول المكب.. قالوا لنا: عندما يتنفس الصبح نخرج صباحا مع سماع أصوات الجرارات ونسرع نحوها بحثا عما قد يكون مفيدا، ثم نعود نهارا عندما تناصف الشمس السماء والإرهاق والتعب يهد أجسامنا.. نأكل مما تجود به المدينة لنا، ننتعل أحذيتهم ونلبس ملابسهم فهي حياتنا..!!
مجموعات من النساء والرجال والأطفال يتسابقون من أجل نيل جائزة التفوق في جمع أكبر قدر من الأشياء البالية.. الحياة هنا تختلف تماما عن حياة المدينة، قسوة المكان وشدة الفقر جعلت هؤلاء النسوة والأطفال يهربون من لقاء القادمين ما عدا الجرارات التي تملأ جوفها بأوساخ المدينة.
إنه البحث والتنقيب وسط أكوام الزبالة، علب المشروبات، الفوارغ البلاستيكية، قطع الحديد والكرتون، الأحذية، الملابس البالية، فوارغ الأدوية الطبية والدربات.. كل شيء حتى بقايا (فحم الشيشة).
محلية ود مدني الكبرى ذات الكثافة السكانية الكبيرة، والمعتمد اللواء أحمد عبد الرحمن أبو زيد.. حديث أهل المواصفات والمقاييس بأن الحال لا يسر فالمكب خارج عن المواصفات والمقاييس فهو خطر على حياة الإنسان والأرض والزرع والحيوان، ولابد من البديل والحل المناسب والسريع.. هيئة نظافة ولاية الجزيرة تقف بعيدا كأن الأمر لا يعنيها، في شيء فقط عليها أن تعمل على نظافة المدينة، وترمي بأوساخها على الآخرين حتى دون تفكير في تفعيل القرار رقم (106) القاضي بمنع استعمال الأكياس البلاستيكة أو الاستفادة من تجربة ولاية القضارف في التخلص من النفايات والأوساخ.
(اليوم التالي) وضعت نصب عينيها أن تلفت المسؤولين لما هو خطير وتكشف الحقيقة.. وجدناهم هنا وسط المكب ما بين الأوساخ والدخان، يتجمعون في شكل مجموعات صغيرة بل في شكل أسر أخذت من الموقع مصدرا للرزق، أطفال تركوا مقاعد الدراسة وفضلوا أن يكونوا هنا وجودا وحضورا.. منهم من يحمل على ظهره جوالا من البلاستيك ليرمي فيه ما جمعه من فوارغ المشروبات وآخر يحزم كوما من بقايا حديد ويجره من خلفه وتلك تحمل على رأسها بقايا من الكرتون، الأغنام تسابق الكل وهي تسرع نحو الجرار القادم من المدينة فهي كلما سمعت صوت محرك الجرار ترفع آذانها حتى إن التصقت جيوش الذباب على أنوفها مسببة لها الإزعاج، لقد تلون صوفها بلون الدخان الأسود، وإن كانت النساء تحزمن من أوساطهن بثياب بالية وانتعلن أحذية نساء المدينة القديمة وهن يبحثن عن أشياء قد تكون مفيدة بعد أن تركن حياتهن الزوجية من عطر وروح مرحة ما بين أزواجهن والأسر، لقد دفعت بهن الحياة في قلب قسوتها من شدة وحاجة وعوز. سألناهم: ماذا يعني لهم هذا المكان؟.. منهم من رفض الحديث بحجة أنه لا يعرف شيئا عن الموضوع، وانسحب بعيدا ينظر إلينا وعيناه تغوصان في وسط رأسه وهو ممسك بقطع زجاج صغيرة، ليجيب آخر بكل جرأة مبتسما: “يا زول المكان دا هو كل حاجة لينا، نقوم من الصباح ونقعد على راس (القنبور) داك (وهو يشير بيده نحو تلة من الأوساخ) تنتظر أول عربية داخلة المكان، وبس نقوم نفتح الأبواب ونلقط الحاجة الكويسة ومرات نلقى حاجات كويسة زي فتايل ريحة وقميص جديد وجزمة ومرات تكون في حاجات من الدكان.. علب صلصة وشعيرية وفسيخ وبسكويت وطحنية وهسع أنا عندي كرتونة صلصة وفسيخ (تونة)..”
يعني ممكن تاكلوها؟.. اجاب: “مالو يعني فيها شنو كمان؟، ماحصل زول جاهو وجع بطن ولا إسهال ولا مات، الموت في يد الله وبس”، ليقاطعة من كان معه (أحمد): “أنا أسكن هناك وكل يومين تلاتة ألملم الحاجات وامشي مدني أبيعن وأنا بلم قزاز بس واخوي بلم رغيف عشان عندنا غنم ودجاج وبط”، لتدخل فاطمة مشاركة لنا الحديث بعد أن كانت مستمعة وهي امرأة في العقد الثالث من العمر لتقول: “والله الحياة بقت صعبة وهنا كمان صعبت شديد كنا شوية في المكان دا هسع الناس كترت ومافي طريقة غير نعيش في المحل دا نلم أي حاجة ونبيعها في سوق مدني، لكن الدخان عمل لينا مرض في صدورنا وانت شايف حتى الكلاب والغنم معانا، وانا اتزوجت من المكان دا من راجل كان قوي لكن توفي بعد ما مرض وخلي الأولاد”، أطلت نحو الأرض ورسم الحزن وجهها وأدمعت عيناها لفراق زوجها الذي كان مشاركا لها حياة من الشدة والقسوة.. ثم تقول: “هسع انا جارحني حديد (مسمم) وعامل لي حمي شديدة لكن اعمل شنو حياتنا بقت هنا”..
سألناها: أولادك وين؟.. فأجابت: “أولادي فيهم المعاي هنا وفيهم السافر ماعارفاهو وين بس انا غايتو عايشة، وانا ساكنة والأولاد هناك” واشارت بيدها تجاه منازل متفرقة غطتها سحب من الدخان الأسود.
ألسنة الدخان تنطلق من كل مكان وفي كل الاتجاهات، الإنسان والحيوان كلهم هنا لا تستطيع التمييز بينهم وعند الخروج من المكب تصاحبك أكياس البلاستيك المنتشرة على الأراضي الزراعية وأسوار بعض المخازن وتشكل منظرا من حول شجيرات صغيرة كأنها (أشجار صنعت من البلاستيك). ثمة مشروع زراعي لم يسلم من أكياس البلاستيك وكذا قرى مجاورة.. من روائح دخان مكب نفايات محلية ود مدني الذي تمدد في مساحات شاسعة.
حاولنا طرق أبواب المسؤولين لأكثر من مرة حاملين سؤالنا: ما هي الرؤيا الفنية للتخلص من هذه النفايات والأوساخ؟ وماذا عن نفايات المستشفيات الطبية مما يتم في العمليات الجراحية وقطن وأدوية وغيرها؟.. ولكن لم نجد إجابة.. فقط هو الصمت..
هل ستطلق المدينة الكبيرة صراخا بأنها تبحث عن مكب لأوساخها بمواصفات ومقاييس عالمية أم أنها فقط ستحتفل بافتتاح المزيد من المستشفيات للأمراض والأورام السرطانية والكلى..؟!
مدني.. عبد الوهاب السنجك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.