أستاذ الفنون محمد شريف – بثانوية حلفا – كان يستهل دروسه دوماً بالحديث عن الحرية .. *كان يقول إن مجالات الإبداع كافة إذا افتقرت إلى الحرية أنتجت رتابة أُحادية مملة .. *وضرب لنا مثلاً – صباح يوم – بطرق على سقف مكتب مجاور بغرض تثبيت دعائمه .. *قال إن الطرق هذا – بالمطرقة – فيه من رتابة التكرار ما في أغنية (انت كلك زينة) لحمد الريح قياساً إلى أغنية (الوسيم) لأحمد المصطفى.. *فاللحن (الدائري) – حسب شريف هذا – يُعزى ما فيه من ملل إلى (قيود) تُكبل العازف عن التماهي إبداعاً مع حريةٍ هي أصل ما في الوجود من جمال .. *وطفقنا نتفكر – بعد الحصة – في الأغنيتين اللتين ضرب الأستاذ بهما مثلاً في سياق حديثه عن نظرية (الحرية الإبداعية).. *وشبه أحدنا لحن أغنية (انت كلك زينة) بإيقاع عجلات القطار على القضيب حيث التكرار (المُكبَل) بنغمة ( دَللل دَل، دَللل دَل ) .. *أما أغنية (الوسيم) – وفقاً لرأي زميلنا هذا – فهي (حرة) من (القيود) التي في اللحن الناجم عن احتكاك عجلات القطار مع القضيب .. *وبعد ذلك بسنوات عدة أدركت كم كان مبدعاً أستاذنا للفنون محمد شريف … *وإن كان لي أن أضيف شيئاً إلى نظريته تلك فهو ضرورة الإشارة إلى (التنوع) الذي هو أحد مكونات جمال الوجود .. *وبلغة بسيطة نقول – مثلاً – إن تنوع الميول الرياضية داخل البيت الواحد يشيع في أجوائه قدراً من الحيوية والسعادة والجمال ما كان ليتوافر لو أن أفراد الأسرة جميعاً كانوا يشجعون فريقاً بعينه .. *و(الرتابة) كان وقعها سيكون أشد لو أن (الأُحادية) الميولية هذه كانت (مفروضة) فرضاً من تلقاء كبير الأسرة .. *وإذا قفزنا بالمثال هذا إلى مجال السياسة سنجد أن (السعادة) التي تغمر الناخبين في الدول الديمقراطية – إبان الانتخابات – مصدرها (التنوع) القائم على (حرية) الإرادة.. *فهم ليسوا مطالبين بأُحادية (جبرية) تحاكي حركة سير القطار على القضيب بنغمة ذات رتابة لا تقدر على تجاوز اللحن (الدائري): (دَللل دَل) .. *بل حتى الدين ذاته سنكتشف – إذا ما تحررنا من (قيود) الذين يريدون منا أن نسير على (قضيب) – أن الله نفخ فيه من إبداعه جمالاً مدهشاً .. *وأن الجمال المدهش هذا دعامته الأساسة هي (الحرية) …. *ولا غرو إذاً – والحال هكذا – ألا يحرم رب العزة إبليس نفسه من حقه في أن يقول رأيه ب(حرية) .. *فقد سمح الله لإبليس هذا بأن يقول في حضرته : (قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ) .. *وسمح له أن يقول : (أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين) …. *وسمح له أن يقول: (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) … *ولو أراد الحق أن يحشر الناس والجن و(إبليس) في دينه ب(القوة) لفعل – وهو القادر على كل شيء – ولكنه كتب (الحرية) لعباده أجمعين .. *فمن (شاء) منهم أن يؤمن فليفعل، ومن (شاء) أن يكفر فله ذلك … *ثم يوم القيامة يحكم بينهم مالك يوم الدين … *والفطرة السليمة تهفو إلى (الجمال) حيثما كان … *سواء ديناً كان، أو أغنية، أو سلوكاً، أو منظراً، أو سياسة .. *تهفو إلى الجمال هذا – الفطرة السليمة – بالإرادة (الحرة) وليس (غصباً) .. *ومن شاء أن يطرب ل(الشاكوش) فهو (حر) !!!!! صحيفة الصيحة