القمة العربية تصدر بيانها الختامي.. والأمم المتحدة ترد سريعا "السودان"    إسبانيا ترفض رسو سفينة تحمل أسلحة إلى إسرائيل    كواسي أبياه يراهن على الشباب ويكسب الجولة..الجهاز الفني يجهز الدوليين لمباراة الأحد    ناقشا تأهيل الملاعب وبرامج التطوير والمساعدات الإنسانية ودعم المنتخبات…وفد السودان ببانكوك برئاسة جعفر يلتقي رئيس المؤسسة الدولية    مدير الإدارة العامة للمرور يشيد بنافذتي المتمة والقضارف لضبطهما إجراءات ترخيص عدد (2) مركبة مسروقة    منتخبنا فاقد للصلاحية؟؟    إدارة مرور ولاية نهر النيل تنظم حركة سير المركبات بمحلية عطبرة    اللاعبين الأعلى دخلًا بالعالم.. من جاء في القائمة؟    جبريل : مرحباً بأموال الإستثمار الاجنبي في قطاع الصناعة بالسودان    قيادي سابق ببنك السودان يطالب بصندوق تعويضي لمنهوبات المصارف    شاهد بالصورة.. (سالي عثمان) قصة إعلامية ومذيعة سودانية حسناء أهلها من (مروي الباسا) وولدت في الجزيرة ودرست بمصر    شاهد بالفيديو.. الرجل السودني الذي ظهر في مقطع مع الراقصة آية أفرو وهو يتغزل فيها يشكو من سخرية الجمهور : (ما تعرضت له من هجوم لم يتعرض له أهل بغداد في زمن التتار)    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان أحمد محمد عوض يتغزل في الحسناء المصرية العاشقة للفن السوداني (زولتنا وحبيبتنا وبنحبها جداً) وساخرون: (انبراش قدام النور والجمهور)    الخارجية تنفي تصريحا بعدم منحها تأشيرة للمبعوث    آفاق الهجوم الروسي الجديد    كيف يتم تهريب محاصيل الجزيرة من تمبول إلي أسواق محلية حلفا الجديدة ؟!    شبكة إجرامية متخصصة في تزوير المستندات والمكاتبات الرسمية الخاصة بوزارة التجارة الخارجية    مناوي: وصلتنا اخبار أكيدة ان قيادة مليشات الدعم السريع قامت بإطلاق استنفار جديد لاجتياح الفاشر ونهبها    مانشستر يونايتد يهزم نيوكاسل ليعزز آماله في التأهل لبطولة أوروبية    يوفنتوس يتوج بكأس إيطاليا للمرة ال15 في تاريخه على حساب أتالانتا    إنشاء "مصفاة جديدة للذهب"... هل يغير من الوضع السياسي والاقتصادي في السودان؟    عثمان ميرغني يكتب: السودان… العودة المنتظرة    واشنطن تعلن فرض عقوبات على قائدين بالدعم السريع.. من هما؟    د. الشفيع خضر سعيد يكتب: لابد من تفعيل آليات وقف القتال في السودان    الكشف عن شرط مورينيو للتدريب في السعودية    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني في الموازي ليوم الأربعاء    رسميا.. كأس العرب في قطر    وسط توترات بشأن رفح.. مسؤول أميركي يعتزم إجراء محادثات بالسعودية وإسرائيل    عالم آثار: التاريخ والعلم لم يثبتا أن الله كلم موسى في سيناء    "تسونامي" الذكاء الاصطناعي يضرب الوظائف حول العالم.. ما وضع المنطقة العربية؟    "بسبب تزايد خطف النساء".. دعوى قضائية لإلغاء ترخيص شركتي "أوبر" و"كريم" في مصر    شاهد بالصورة.. حسناء السوشيال ميديا "لوشي" تنعي جوان الخطيب بعبارات مؤثرة: (حمودي دا حته من قلبي وياريت لو بتعرفوه زي ما أنا بعرفه ولا بتشوفوه بعيوني.. البعملو في السر مازي الظاهر ليكم)    حتي لا يصبح جوان الخطيبي قدوة    5 طرق للتخلص من "إدمان" الخلوي في السرير    انعقاد ورشة عمل لتأهيل القطاع الصناعي في السودان بالقاهرة    أسامه عبدالماجد: هدية الى جبريل و(القحاتة)    "المايونيز" وراء التسمم الجماعي بأحد مطاعم الرياض    محمد وداعة يكتب: ميثاق السودان ..الاقتصاد و معاش الناس    تأهب في السعودية بسبب مرض خطير    باحث مصري: قصة موسى والبحر خاطئة والنبي إدريس هو أوزوريس    أصحاب هواتف آيفون يواجهون مشاكل مع حساب آبل    الفيلم السوداني وداعا جوليا يفتتح مهرجان مالمو للسينما في السويد    بنقرة واحدة صار بإمكانك تحويل أي نص إلى فيديو.. تعرف إلى Vidu    كيف يُسهم الشخير في فقدان الأسنان؟    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    هنيدي ومحمد رمضان ويوسف الشريف في عزاء والدة كريم عبد العزيز    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    أمس حبيت راسك!    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تيموثي كوينلان: (علي عثمان) لو خيروني فيه لأقمت له تمثالا في وسط جزيرة توتي بحجم لا يقل عن تمثال الحرية في جزيرة مانهاتن
نشر في النيلين يوم 01 - 01 - 2017

في طريق عودتي من مقر شركة (Panametrics) في مدينة (Shannon) الآيرلندية الى فندق (Oak wood arms) قال لي السائق الشاب:
ياسيد علي لقد أخبرت أسرتي عنك ولقد أستحلفني جدي بأن أأتي بك الى المنزل ليتحدث اليك!
ذهلت في البدء ثم سألته ماالداعي الى ذلك؟ فقال:
جدي قد عاش جل سني صباه في السودان أيام الأستعمار الأنجليزي وهو يحب السودان كثيرا!…
فما كان مني الا ان اكتنفتني رغبة قوية لرؤية ذلك الرجل فقلت لرفيقي ليس لدي شئ أفعله في الفندق الان فانظر ان كان الوقت مناسبا للقائه؟
فهاتف الشاب جده ثم قال لي لابأس هو الآن في أنتظارك…
دلفت الى منزل لا يختلف كثيرا عن طابع المنازل الآيرلندية حيث بابه الخارجي يطل مباشرة على الطريق العام ولكن البيت يبدو أضخم وأكثر أتساعا عن بقية المنازل التي تجاوره …
أجلسني السائق باتريك في استقبال المنزل وأحضر لي قارورة مياه معدنية وولج ليستدعي جده…
فأدرت بصري مليا في الحيطان لتفاجئني صور عديدة عن السودان من ضمنها صور لشخصيات سودانية تاريخية منها صورة عبدالقادر ود حبوبة و محمد أحمد المهدي وكذلك صور لجبال التاكا والطابية ويتخلل كل ذلك الكثير من المنحوتات والمشغولات اليدوية السودانية! …
وفجأة دخل عليّ رجل قد تجاوز التسعين من عمره وهو يتوكأ على عصى وتعلو وجهه أبتسامة بشوشة…
مددت يدي لأصافحه فما كان منه ألاّ أن أحتضنني وسلم عليّ سلاما سودانيا (خالصا)!
جلسنا سويا بجوار نافذة تطل على نهر شانون حيث أرى من مكاني الصيادين وهم يروحون ويجيئون بقواربهم خلال النهر وألتفت الي الرجل وخاطبني بعربية لا بأس بها وهو يشير ب(عكازه) الى النهر (مش زي النيل بتأكم ليكن جميل مش كدة)؟
فهززت رأسي بالأيجاب
بدأ مضيفي (تيموثي كوينلان) بالحديث عن السودان حديث محب متيم فارق محبه!
اذ قد أمضى (تم) -كما يناديه أهله -أكثر من أثني عشرة عاما في السودان موظفا مرموقا ولم يترك بقعة في السودان الاّ وقد زارها بل تجده يحكي لك عن أسماء اشخاص وأحداث تجعلك تغبطه على ذاكرته القوية…
وتوقف هنيهة وقال لي (نسيت أن أهنئك على توقيع أتفاق نيفاشا)! فاستغربت لسعة أطلاع الرجل اذ الأتفاق كان قد تم قبل أشهر قليلة فقط…وتابع (تم) وهو في حالة تأثر واضح وقد أغرورقت عيناه بالدموع…(لديكم (رجل) لو خيروني فيه لأقمت له تمثالا في وسط جزيرة توتي بحجم لا يقل عن تمثال الحرية في جزيرة مانهاتن…وليتنا نوهب رجلا مثله هنا في آيرلندا)!
سألته بشغف ومن ذاك الرجل؟ فقال لي:
أنه (علي عثمان محمد طه)!
عاد (تم) الى الوراء وأسند ظهره الى الاريكة التي يجلس عليها وحول بصره الى صورة محمد أحمد المهدي وود حبوبة وقال:
علي عثمان محمد طه- وذكر الأسم كاملا كما هو-! يعد رجل دولة من الطراز الفريد!…ولقد قابلت العديد من القادة وحرصت على تقييمهم من خلال متابعتي للقاءاتهم وخطاباتهم وتصريحاتهم في وسائط الأعلام المختلفة ولدي موهبة (ربانية) في سبر شخوص القادة أضافت اليها دراستي الجامعية في مجال علم النفس والسلوك ثم دراساتي العليا في العلوم السياسية تعززها خبرة عمل طويلة في البلاط الملكي البريطاني ثم في مصر والسودان الكثير…وأستطيع القول بأن (علي عثمان) يعد من أفضل القادة في العالم ولقد اراني (تم) مئات الموضوعات والمواقع يحفظها في موقع (المفضلة) لديه في حاسوبه الشخصي تتحدث بصورة أو بأخرى عن علي عثمان محمد طه!
ولقد اضاف لي بأنه قد وجد نفسه ليس الوحيد في العالم… أذ قد وجد الكثيرين ممن يشاركونه الأهتمام بشخصية علي عثمان أفرادا ومؤسسات !
وواصل قائلا لقد أتصلت من قبل بهيئة اليونسكو العربية -اذ لي علاقات ببعض العاملين فيها – وعبرت لهم عن وجهة نظري بأنه من المفيد لدارسي العلوم السياسية وآليات العمل السياسي في مؤسسات التعليم العربية أن يدرسوا أسلوب عمل علي عثمان محمد طه السياسي والحركي منذ أن كان رئيسا لأتحاد طلاب جامعة الخرطوم وكذلك فترة قيادته للمعارضة السودانية …ومن بعد ذلك أداءه الرائع منذ تسنم الأنقاذ لمقاليد الحكم في السودان وفي وجود كل ذلك ال(كم) من التحديات الكبيرة التي واجهتها الدولة السودانية أقتصادية كانت أم سياسية أو أمنية حيث الدولة محاصرة ومحاربة من القريب ومن البعيد!
برغم كل ذلك استطاع السودان بحكمة هذا الرجل وبعد نظره أن يجسر الكثير من الهوات والحُفر بل استطاع أن يجعل من بلده رقما في محيطه العربي والافريقي والعالمي بعد أن أستطاع السودان وبمجهود خرافي من أستخراج البترول ومد أحد أطول خطوط أنابيبه في المنطقة!…
كنت طيلة حديث الرجل أتحفز لمقاطعته ولكنه فاجأني ونظراليّ من بعد أن كان بصره مصوبا الى الحائط وقال وهو يشير لي بيده اليسرى -فقد كان أعسرا- أعلم بأنك تود القول بأن علي عثمان ماهو الاّ نائبا للرئيس وهناك رئيس للدولة ووزراء وبرلمان لكنني موقن دوما بأن العسكر لا يعهد عليهم البتة مثل هذه الحكمة والتؤدة والكياسة والنظرة البعيدة في أتخاذ وتنفيذ مثل هذه الرؤى في الحكم!…ثم أن كل من يعيش حراك العمل السياسي تشريعيا كان أم تنفيذيا يؤمن بأهمية وجود مثل هذه الشخصيات المفتاحية ذات الكاريزما القيادية والتي تستطيع أن تكون صمام أمان عند أصطدام الناس بالمواقف التي تستدعي أتخاذ قرارات آنية ومصيرية خلال جلسات المؤسسات الدستورية والتنفيذية!!
علي عثمان (والقول لمضيفي الآيرلندي) هو محام ثم اصبح قاضيا مرموقا… والمحامين والقضاة مشهود لهم بالحكمة والكياسة وبعد النظر ثم هناك رؤيتي الشخصية لسمات الرجل من حيث ملكته الفائقة في ضبط نفسه وعزوفه عن التهاتر والتسرع في ابداء آرائه وأحكامه على الأمور ولقد كان لي لقاءات وصداقات عديدة بأعضاء من السلك الدبلوماسي الغربي سبق بأن عملوا في السودان أكدوا لي جميعا مدى الجهد الذي يبذلونه عندما يقابلون الرجل لما يتمتع به من كاريزما قيادية فذة!
أما أمر مباحثات نيفاشا وقدرته على اذابة جليد الكره وعدم الثقة المتراكم على مدى أكثر من نصف قرن في النفوس -وذلك من جراء حرب أهلية مع أخوتكم في الجنوب- ومثابرته على ذلك لشهور في مدينة نيفاشا… يليه تنازله عن مقعده كنائب أول لرئيس الجمهورية لغريمه (جون قرنق) فهو الذي يستحق به التمثال الذي تحدثت عنه!!
تاريخ الشعوب والحضارات ياسيد علي -يقصدني بالطبع- يكتب دوما عن بصمات العديد من الابطال الذين قادوا دولهم في فترات حالكة من تاريخها ولقد أردتم للتاريخ أن يكتب في بلدكم عن الأزهري والمحجوب وغيرهم ممّن لم يفعلوا ربع مافعل هذا الرجل للسودان (وهاهو لم يزل يبذل ويقدم)! …أنني لا أرى أحقيته بأن يوضع في معية من ذكرت فقط وأنما مكانه الذي يستحق هو أن يوضع مع أمثال هذين البطلين الذين تراى صورهما على الحائط!…
دخلت علينا (ريتا) ووضعت أمامنا كوبين من مشروب أحمر ساخن ثم صافحتني بمودة وابتسامة بشوشة تنم عن محبة (مقيمة) للسودانيين! قدمها لي (تم) قائلا هي حفيدتي وتدرس في المرحلة الثانوية…
وللعلم فقد وجدت الآيرلنديين أشبه بنا نحن أهل الشرق بأكثر منهم الى أهل الغرب وذلك من حيث وجود الأسرة الممتدة ومتانة الأواصر فيما بينهم ثم لعدم أقتصار الأسر هناك على طفل أو طفلين كما هو الحال في بقية دول الغرب وقد أبان لي(تم) بأن الدولة منذ أمد بعيد قد أمرت بزيادة النسل وتعطي في سبيل ذلك الكثير من الحوافز وذلك لتعويض الفاقد السكاني من بعد تسمم غذائي ضرب آيرلندا قبل قرون أصيب به محصول البطاطس -وهو المحصول الرئيس في آيرلندا-ومات من جرائه الملايين في محنة أسموها بال(Femen) تلى ذلك هجرات كثيفة الى أمريكا في القرن الثامن عشر …ولقد علمت بأن متوسط عدد أفراد الأسرة الواحدة من أب وأم (حاليا) يفوق السبعة اشخاص!…
قرّبت الكوب الى فمي فاذا برائحة تشبه رائحة الكركدي تقتحم أنفي فرفعت بصري الى مضيفي فوجدته ينظر الى مبتسما وقال لي بالعربية (أيوة كركديه)! فسالته مستغربا عن كيفية حصوله عليه هنا في آيرلندا؟ فما كان منه ألاّ أن تناول سماعة الهاتف وتحدث بالعربية الى شخص في الطرف الآخر:
-السلام عليكم سيد (يحيى محمد الحسين)!!
ثم واصل قليلا بالأنجليزية مخبرا (يحيى) بأنه يود أن يعرفه بصديق قادم من السودان…تناولت السماعة فسعدت جدا بالبتعرف على أحد أبناء مدينة (نوري) في شمالنا الحبيب وهو رجل يحتاج لأن نفرد له صفحات! …فهو مدير بل هو من (من أنشأ) المركز الاسلامي في (دبلن) ويأوي اليه الكثير من الأخوة الأطباء السودانيين القادمين لدراسة الزمالة الآيرلندية …ولقد قدر لي من بعد ذلك أن أزوره في داره العامرة في دبلن وأتعرف على أسرته الكريمة المضيافة…
بعد تناولنا لل(كركديه) طلب مني (تم) الخروج معه الى مكان عمله فقاد سيارته الفورد بنفسه! وبنشاط وحيوية يحسده عليها الشباب من أمثالي
وصلنا الى مكان ينتشر فيه عمال يقومون بالحفر في الأرض بآليات وفي أماكن معينة منها ليخرجوا مكعبات ترص منتظمة في العراء وقال لي (تم) …قد تستغرب ياسيدي أن قلت قلت لك بأن مساحة الارض الخضراء هنا في بلدنا آيرلندا تعد أكثر من 90% ولكن برغم ذلك فان النسبة الصالحة للزراعة فيها لا تتعدى ال3% فقط! والسبب في ذلك هو تراكم طبقات جذور الحشائش في التربة حتى أفقدتها مكونها الترابي فأضحت لاتصلح للزراعة!وقد أستفدنا نحن من ذلك حيث نقوم بالحفر وأستخراج هذا ال(الفحم) الذي تراه ليستخدمه الناس من بعد جفافه في أغراض التدفئة وأشعال النار ونسميه بال(Turf) وهو عبارة عن تلك الجذور من الحشائش المطمورة منذ آلاف السنين في التربة نقوم بضغطه وتحويله الى مكعبات ثم نبيعه وقودا للتدفئة…
جلسنا في مكتب صغير يطل على العمال وبدأ (تم) في مواصلة ما انقطع من حديث سابق:
بلدكم السودان ياسيد علي -بالطبع أسمي عادل حسن علي-قد تعرض -منذ قدوم الحكومة الحالية- الى تحديات وأشكالات خارجية تكفي الواحدة منها فقط لأسقاط أي حكومة في العالم …بل أرى أنها يمكن أن تقوّض بنيان الدولة باسرها هذا بالاضافة الى ماورثته الحكومة من خزينة خاوية ثم تفاقم الحرب مع الحركة الشعبية والذي أدى الى قرب أنهيار الجيش حينذاك فما كان منه(أي الجيش) الاّ أن انقلب على النظام الديمقراطي الهش…
في مثل هذه الظروف يأتي دور أولئك القادة المفتاحيين أصحاب الكاريزما المميزة!
ولكم أعجبت أيما أعجاب بأداء السيد علي عثمان محمد طه كثيرا وهو يؤدي مهامه وزيرا للشئون الأجتماعية ثم وزيرا للخارجية حيث استطاع بروية وحنكة كبيرة على أن يخرج بالبلاد من الكثير من المزالق والمهالك التي سنأتي عليها واحدة …واحدة.
أعود لمستضيفي (تم)
قبيل مغادرتي أبلغت السائق (باتريك) بأني أود (توديع) جده (تيموثي كوينلان) ورجوته بأن يحدد لي معه موعدا
أتصل بي (تم) حيث كنت صباحا في شركة باناماتريكس وقال لي بعربيته المحببة تلك:
-شنو مستر علي
السودانيين أندهم البسات أهمدي ياخي (وضحك)
-شكرا لك مستر كوينلان
أنا بس خفت تكون مشغول والاّ حاجة
-أنا مامشقول أتفدل ياخي في أيّي وكت
كانت رحلتي من (شانون) الى (هيثرو) مساء ذات اليوم لذلك فقد رأيت بأن أصله بعيد خروجي من الشركة وقبيل ذهابي لترتيب حوائجي في الفندق
أخذني (باتريك) اليه في داره الأنيقة
قابلنا الرجل خارج الدار وهو يتوكأ على عصاه
صدقوني …لقد أحسست بدنو أجل الرجل وهو يحتضنني هاشا ومرحبا
وليس للأمر علاقة بتقدم في عمر أو أعتلال في صحة الرجل …فهو لا يبدو البتة في حراك جيله
هو يبدو اصغر من عمره بعقود…
ولكنه أحساس داخلي!
أنبأني الرجل برغبته في تناول الشاي عند مدخل المنزل (وعلى قارعة الطريق) قائلا:
-كدة أهسن أشان نتذكر السودان …وضحك فضحكت
سالته مرة أخرى عن رايه في الاسلام؟
أخذ الرجل شهيقا طويلة ثم أتبعه بآهة تنبي بحديث طويييييل ثم أجابني بالأنجليزية:
-أعلم تمام حرصك على أن تراني مسلما…
لكن ليس الآن وأعدك بأن تقر عينك يوما إذ أني لم أزل أبحث عن أجابة لأسئلة (قليلة) وسأقرر بعدها…
قلت له هل تعلم بأن (كات استيفنس) قد اسلم؟
أنبأني بأنه يعلم
وانه ينوي الذهاب اليه في لندن
وعندما أخبرته بأنني أحمل معي رقم هاتفه تهلل وجهه ورجاني بأن ندلف الى داخل المنزل لنتصل به…
أتصلت فلم أجد يوسف أسلام في داره فتركت له وصية
ثم أتصلت بالأخ (يحي محمد الحسين) مدير المركز الأسلامي في دبلن ورجوته بأن يصل (تم) ب(يوسف اسلام)…
ودّعت مستضيفي فاحتضنني وعندما مد لي يده مودعا رأيت أثار الدموع في عينيه!
سألت الله في سري بأن يختم له حياته بالاسلام…
بعد عودتي عاودت الأتصال بالشيخ يوسف اسلام فأخبرته
ما كان من الرجل الاّ أن سافر اليه بنفسه الى شانون!
وتم المراد بفضل الله.
وأعلمني الأخ يحي محمد الحسين بأن(تيموثي كوينلان) قد أعلن أسلامه على يد الداعية يوسف اسلام واسمى نفسه ب(يوسف كمال)…
وكم آسى أذ لم يُقَدَّر لي بلقاء أو سماع لصوت تم او (يوسف كمال) من بعد اسلامه…
وذلك برغم محولاتي العديدة للقائه ومحاولاته العديدة كذلك…
أذ أني كثير السفر ويومها لم تكن الهواتف النقالة قد أنتشرت كما هو حالها الآن
ومضت سنتان وبضع أشهر منذ اسلامه
وفي ليل أحدٍ حزين أتصل بي الصديق العزيز (يحي محمد الحسين) مدير المركز الاسلامي في دبلن ناقلا لي الخبر الحزين:
-أخي عادل
لقد وردني الآن خبر وفاة المغفور له باذن الله يوسف كمال
لا حول ولا قوة الاّ بالله
انا لله وانا اليه راجعون.
لحسن حظي أحتفظ دوما بتأشيرة (متعددة) في جواز سفري فوصلت الى المركز الاسلامي في دبلن مساء الأثنين
وأدركت الجثمان وهو يوارى الثرى في مقابر المسلمين في دبلن
وصلى عليه ما يفوق الألف من المسلمين
جلهم من الأطباء الدارسين والعاملين في آيرلندا
والبعض أتى من لندن ولم يفارقني حفيده (باتريك) طوال يوم الدفن اذ كم كان حزينا لفقده جده الذي يحب
قال لي:
-ولدت فلم أدرك والدي بين الأحياء فكان لي نعم الأب والجد
وبرغم رفضي لمواصلة دراستي
وأدماني للخمر فانه لم يحدث منه أن عنفني أو حرمني مصروفا أبدا لقد كان دوما رفيقا بنا جميعا قالها وبكى فابكاني…
سألته:
-ماذا تجد في نفسك الآن
-أريد أن أصبح مسلما مثله!
(قالها بصدق وأصرار)!
-هل قرأت عن الاسلام؟
-نعم…فقد كان يحدثنا كثيرا عنه ثم أن جدتي وعمتي قد أسلما على يديه
أخذته الى الأخ يحي محمد الحسين
فأعلن باتريك اسلامه وأسمى نفسه أبوبكر
ووعدني الأخ يحي بأن يستوصي به خيرا
اللهم ياأحد ياصمد
يامن لم تلد ولم تولد
أجعل مثوى يوسف كمال في (الوسيلة) أعلى مراتب الجنة في معية الحبيب المصطفى صلواتك وسلامك عليه.
اللهم بارك له في عَقِبِهِ وصله بالدنيا صلة خير لا تنقطع الى أن ترث الأرض ومن عليها.
لك الرحمة ياأخي في الله (يوسف كمال)
والسلام عليك في عليين
بقلم
عادل عسوم
[email protected]
ملحوظة
هذا مقال قديم مؤرشف في منتديات الكترونية ويعود للعام 2008 ويتم تداوله حاليا على وسائل السوشيال ميديا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.