سيدة في العقد السادس من العمر، لم تكن تصلي في بداية شبابها، عندما اهتدت وراجعت نفسها وجدت أنها لم تكن تصلي تقريباً 18عام. أفتاها البعض بأن تستغفر وتكثر من التنفل، والبعض الآخر بأن تقضي مع كل فرض فرضاً. أفيدونا أفادكم الله. الجواب الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد. فتارك الصلاة جحوداً لوجوبها وإنكاراً لفرضيتها لا خلاف بين أهل العلم في كفره، وأنه متى ما تاب فإنه لا يطالب بقضاء ما فاته؛ لقوله تعالى ((قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف)) والخلاف حاصل فيمن كان تركه للصلاة تهاوناً وكسلاً – كما هو حال أغلب التاركين لها من المسلمين – هل يطالب بالقضاء أم لا؟ مع اتفاقهم على إيجاب التوبة عليه؛ فينبغي له أن يكثر من الاستغفار؛ لعل الله يغفر له. ومن أوجبوا القضاء عليه – وهم الجمهور – قالوا: إن التوبة لا تقبل حتى تؤدى الحقوق، فمن تاب من أكل أموال الناس بالباطل مثلاً لا يقبل الله توبته حتى يعيد تلك الأموال إلى أهلها، والصلاة حق الله تعالى، ودَيْن الله أحق أن يقضى، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال {من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها؛ لا كفارة لها إلا ذلك} فإذا كان القضاء واجباً على الناسي والنائم فمن باب أولى العامد، ويكون هذا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، قال القرطبي رحمه الله تعالى عند كلامه على قوله تعالى ((وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي)) فأما من ترك الصلاة متعمداً فالجمهور أيضاً على وجوب القضاء عليه، وإن كان عاصيا. قال: والفرق بين المتعمد والناسي والنائم حط المأثم، فالمتعمد مأثوم، والجميع قاضون، والحجة للجمهور قوله تعالى ((وأقيموا الصلاة)) ولم يفرِّق بين أن يكون في وقتها أو بعدها، وهو أمر يقتضي الوجوب، وأيضا فقد ثبت الأمر بقضاء النائم والناسي مع أنهما غير مأثومين، فالعامد أولى.ا.ه ولذا يجب على هذه المرأة أن تصلي كل يوم زيادة على الصلوات الخمس الحاضرة ما تستطيع في أي ساعة من ليل أو نهار، ثم تستمر على ذلك حتى تتيقن أو يغلب على ظنها أنها قد قضت ما فات عليها من الصلوات التي ترتبت عليها خلال ثمانية عشر عاماً، مهما استغرق ذلك من وقت، قال ابن أبي زيد رحمه الله تعالى: ومن عليه صلوات كثيرة صلاها في كل وقت من ليل أو نهار، وعند طلوع الشمس وعند غروبها، وكيفما تيسر له يعني من القلة والكثرة ما لم يخرج لحد التفريط، ولا حد في ذلك بل يجتهد بقدر استطاعته.ا.ه قال ابن قدامة رحمه الله في المغني: إذَا كَثُرَت الْفَوَائِتُ عَلَيْهِ يَتَشَاغَلُ بِالْقَضَاءِ, مَا لَمْ يَلْحَقْهُ مَشَقَّةٌ فِي بَدَنِهِ أَوْ مَالِهِ, أَمَّا فِي بَدَنِهِ فَأَنْ يَضْعُفَ أَوْ يَخَافَ الْمَرَضَ, وَأَمَّا فِي الْمَالِ فَأَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ, بِحَيْثُ يَنْقَطِعُ عَنْ مَعَاشِهِ, أَوْ يُسْتَضَرُّ بِذَلِكَ. وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى مَعْنَى هَذَا. فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَةَ ذِمَّتِهِ. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ صَالِحٍ, فِي الرَّجُلِ يُضَيِّعُ الصَّلَاةَ: يُعِيدُ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِمَا قَدْ ضَيَّعَ. وَيَقْتَصِرُ عَلَى قَضَاءِ الْفَرَائِضِ, وَلَا يُصَلِّي بَيْنَهَا نَوَافِلَ, وَلَا سُنَنَهَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَتْهُ أَرْبَعُ صَلَوَاتٍ يَوْمَ الْخَنْدَقِ , فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ, ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ, ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ, ثُمَّ أَمَرَهُ فَأَقَامَ فَصَلَّى الْعِشَاءَ. وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّهُ صَلَّى بَيْنَهُمَا سُنَّةً, وَلِأَنَّ الْمَفْرُوضَةَ أَهَمُّ, فَالِاشْتِغَالُ بِهَا أَوْلَى, إلَّا أَنْ تَكُونَ الصَّلَوَاتُ يَسِيرَةً, فَلَا بَأْسَ بِقَضَاءِ سُنَنِهَا الرَّوَاتِبِ, لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْفَجْرِ, فَقَضَى سُنَّتَهَا قَبْلَهَا.ا.ه وقد ذهب بعض أهل العلم منهم الإمام أبو محمد بن حزم والإمام أبو العباس بن تيمية إلى أن تارك الصلاة عمداً حتى يخرج وقتها لا قضاء عليه؛ لأن القضاء لا بد أن يكون بأمر من الشارع، وأمر الشارع بقضاء الفائتة خاص بمن فاتت صلاته لعذر لا التي فاتت من غير عذر؛ ثم عليه أن يجتهد في فعل النوافل، والنافلة تكمل ما نقص من الفرض، لقوله صلى الله عليه وسلم {إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة. قال: يقول ربنا جل وعلا لملائكته وهو أعلم: انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال: انظروا هل لعبدي من تطوع؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من تطوعه. ثم تؤخذ الأعمال على ذلكم} رواه أصحاب السنن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والله تعالى أعلم. الشيخ د. عبدالحي يوسف