جرت أحداث عديدة خلال شهر (يناير) الجاري، أهمها رفع الحظر الاقتصادي الأمريكي الجزئي عن السودان، قبل أسبوع من نهاية ولاية الرئيس السابق “باراك أوباما”، ثم عودة الإمام “الصادق المهدي” رئيس حزب الأمة، التي حظيت بترحيب من مجلس الوزراء وقيادات المعارضة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وفجّر الإمام “الصادق” في خطبة (الجمعة)، مفاجأة بإعلان توصله لاتفاق أسماه ب(الاختراق الوطني)، يتعلق باتفاق مبادئ مع بعض الأطراف المعارضة في الخارج، وفيما يصف خبراء عودة الإمام “الصادق” بأنها هرولة خوفاً من تطبيع الولاياتالمتحدةالأمريكية الكامل مع السودان، فإن خبراء آخرين يتوقعون أن تنفذ الحكومة بنود خارطة الطريق، مضطرة لا بطلة، لأن سيف إعادة العقوبات الأمريكية مسلط عليها، وسط هذه التوقعات المتضاربة التي تموج بها الساحة السياسية، وما يرافقها من أحداث، دفع الوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي” بمبادرة جديدة، لغرض إخراج مشروع التسوية من الطريق المسدود الذي انتهت إليه، باقتراح لقاء اللجنة التنسيقية العليا (7+7) مع الحركات المسلحة، مما يعني فتح الحوار مجدداً، ولكن على مستوى جديد ومختلف وبأجندة محددة، وفي وقت تأخر فيه إعلان تشكيل الحكومة الجديدة التي نصت عليها مخرجات الحوار الوطني. *الحكومة تؤكد جاهزيتها وكشفت الحكومة عن مقترح للوسيط الأفريقي “ثابو أمبيكي” لعقد لقاء بين آلية تنفيذ الحوار الوطني والحركات المسلحة، وقال الناطق الرسمي باسم الحكومة دكتور “أحمد بلال عثمان” إن “أمبيكي” يدعو لفتح باب الحوار مباشرة بين لجنة متابعة تنفيذ مخرجات الحوار والحركات المسلحة، بغرض تنفيذ خارطة الطريق التي وقّع عليها الطرفان، مؤكداً جاهزية الحكومة في أي زمن يتم فيه تحديد موعد اللقاء والجلوس مع الحركات عقب موافقة الأخيرة على المقترح الأمريكي، مبيناً أن كافة التداعيات تدل على أن أهل السودان متجهون إلى السلام. وكشف “بلال” عن موافقة الحكومة على المقترح الأمريكي بشأن الإغاثة، مؤكداً أنه بموافقة الطرف الآخر على المقترح، فلن تكون هناك أية عقبة أمام خارطة الطريق. ووصف “بلال” المقترح بأنه فرصة تاريخية لا يمكن تفويتها. وكان رئيس حزب الأمة القومي “الصادق المهدي” أبرز أطراف تحالف نداء السودان، قد تحدث في خطبة (الجمعة) الماضية، بمسجد “ودنوباوي” في أم درمان بعد يوم واحد من عودته للبلاد، حدد موقف حزبه من عملية التسوية بصورة إجمالية، وقال: (نحن في طريقنا لتوحيد الصف الوطني لتكون كلمته واحدة)، في إشارة لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني وموقفه منها، وزاد قائلاً: (لا يمكن أن نسمي ما اتفق عليه بعض الناس حلاً للبلاد، والحرب مستمرة والجسم السياسي منقسم)، وكشف “المهدي” عن اتفاق وصفه ب(الاختراق الوطني) بينه وعناصر معارضة لم يسمها بعدم إسقاط النظام بالقوة أو تقرير المصير لأية منطقة والعمل بلا عنف لتحقيق الأهداف السياسية، ولفت إلى أن الحل في وقف الحرب وتوحيد الكلمة بصورة قومية وعدم الهيمنة عليها. وأكد “المهدي” أن هدف حزبه أن يكون هناك طريق جامع يحقق السلام العادل الشامل، ويوقف الحرب ويقيم الدستور والحكم على تراضٍ قومي، ويعالج مشاكل البلاد إلى جانب مخاطبة كل الأسباب التي أدت إلى الانقسامات بالسودان، ولم يحدد “المهدي” الوسيلة لبلوغ تلك الأهداف، وعما إذا كان يدعم مبادرة “أمبيكي” أم يقترح صيغة بديلة لحوار وطني شامل. وقال “المهدي” إن هناك ثلاثة أشياء لا بد من تحقيقها (السلام، الحكم القومي، والدستور)، وشدد على ضرورة تحقيقها وعدم الهيمنة حتى لا يتأذى أحد ويكون الناس في مركب “نوح” بحسب قوله. *المؤتمر التحضيري تجاوزه الزمن وقال عضو الآلية التنسيقية العليا والأمين السياسي للمؤتمر الشعبي “كمال عمر عبد السلام” في حديثه ل(المجهر) إن “أمبيكي” قدم مقترحاً بلقاء يجمع الحركات المسلحة واللجنة التنسيقية العليا، بيد أنه أكد أن فكرة الملتقى التحضيري السابقة قد تجاوزها الزمن، والآن الآلية بصدد تنفيذ مخرجات الحوار الوطني التي تعتبر من أفضل ما أنتجته السياسة السودانية خلال الفترة الأخيرة، وأشار “عمر” إلى ضرورة توسيع دائرة المشاركة في الحوار مع الحركات المسلحة، بجانب القوى السياسية الممانعة (تحالف قوى الإجماع الوطني ونداء السودان). وتابع: الآن وصل رئيس حزب الأمة القومي إلى السودان ولا توجد حجة منطقية تمنع مقابلته والتحاور معه، وأضاف نحن في المؤتمر الشعبي لنا قناة تواصل مع كافة القوى السياسية والحركات المسلحة، ولن نعزل أحداً، وندعو إلى ضرورة توسيع المشاركة، في ذات الوقت نفى رئيس حزب المؤتمر السوداني دكتور “عمر يوسف الدقير” في حديثه ل(المجهر) وصول مقترح “أمبيكي” الذي أعلنته الحكومة، لحزبه من أجل لقاء أو حوار تقوده آلية (7+7) أو الوسيط الأفريقي، مشيراً إلى أن آلية الحوار الوطني ستحاور عبر الوثيقة الوطنية التي أجازتها في (أكتوبر) من العام المنصرم، وهي غير ملزمة لنا، وأكد أنهم يمكن أن يقبلوا حواراً عبر خارطة الطريق التي وقعتها قوى نداء السودان في (أغسطس) من العام الماضي، وحددت استحقاقات للحوار رفضتها الحكومة في السابق، وهي متمثلة في وقف العدائيات ووصول المساعدات الإنسانية، والدخول في اجتماع تمهيدي قبل الملتقى التحضيري، فإذا تراجعت الحكومة عن موقفها السابق، فلا مانع من محاورتها، لكننا لن نغير مواقفنا وفق رؤى انفعالية. أما أستاذ العلوم السياسية بجامعة أم درمان الإسلامية البروفيسور “صلاح الدومة” فقد قال في حديثه ل(المجهر) إنه يتوقع استئناف حوار جديد بين الحكومة والحركات المسلحة والأحزاب الرافضة للحوار من جديد، مشيراً إلى أن رفع الحظر الأمريكي الجزئي عن السودان يجعل الحكومة توافق على العودة لطاولة المفاوضات، لأنها إن تعنتت فإن الخطوة القادمة من أمريكا ستكون هي إعادة الحظر وفرض مزيد من العقوبات، وهو الشيء الذي لا تريد الحكومة العودة إليه مرة أخرى، ويؤكد “الدومة” أن الحكومة ستنفذ كافة المصفوفة، وهو أمر قال عنه أحد نافذيها إنهم سيقدمون تنازلات مؤلمة جداً في الفترة القادمة حتى تحافظ الحكومة على وجودها، بيد أن السيف الأمريكي سيكون مسلطاً عليها، وتابع أن أمريكا ستتابع خطتها عبر مخالب القط المتمثل في الحزب الجمهوري الذي عاد إلى الحكم. ولكن الدكتور “أسامة بابكر” بجامعة أم درمان الإسلامية له رأي مخالف ويقول في حديثه ل(المجهر) إن هناك بطئاً بعد انتهاء عملية الحوار الوطني، وهو في صالح الحكومة. وعبر فتح حوار جديد يمكن أن يتطاول أمده والحكومة موجودة والمؤتمر الوطني هو المستفيد الأكبر من إعادة الحوار أو قيام مؤتمر تحضيري جديد، ويصف عودة “الصادق المهدي” للبلاد بعودة استباقية للخطوة التي قد ستعلنها الولاياتالمتحدةالأمريكية بتطبيع كامل مع السودان ويكون هو خارج اللعبة، وبالتالي سارع بالعودة إلى البلاد، لأنه لا يستطيع أن يعارض بحمل السلاح ولا إسقاط النظام بالمظاهرات السلمية، ودائماً يقف عند المحطة الرمادية، ويشير دكتور “أسامة” إلى أن مقترح “أمبيكي” هو دعوة من أجل الظهور الإعلامي ولفت الانتباه من جديد، أما آلية (7+7) ومحاورتها للحركات، يأتي في صالح الحكومة، لأن الحركات المسلحة راغبة في التحاور. من جهته أكد الأمين السياسي للمؤتمر الوطني “حامد ممتاز” في تصريحات صحفية أن الحكومة ترغب في تحقيق السلام، ولكن تعنت قطاع الشمال في القبول بكافة المقترحات والحلول، أدى لتعطيل التسوية السياسية، وزاد قائلاً (نتمنى أن يصلوا إلى قناعة بأنه لا سبيل لحل المشكلات إلا بالحوار والتفاوض الجاد). وكان الأمين العام للحركة الشعبية – شمال، “ياسر عرمان” قد دعا يوم (الثلاثاء) الماضي، إلى إطلاق عملية سياسية جديدة، وطلب من مجلس الأمن الدولي تبني قرار يلزم الأطراف السودانية بتنفيذ القانون الإنساني الدولي. وقدم “عرمان” دعوته خلال اجتماع غير رسمي مغلق عبر فيديو كونفرنس، مع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لشرح موقف الحركة بشأن المحادثات المتعلقة بالأوضاع الإنسانية والسلام مع الحكومة السودانية.