أثارت زيارة الشيخة موزا المسند، والدة أمير قطر الحالي الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، للسودان جدلًا كبيرًا في الساحة المصرية، الزيارة التي بدأت مطلع الأسبوع الجاري، واختتمت الثلاثاء الماضي، ما زالت تداعياتها مستمرة حتى اللحظة، خاصة أنها حملت مجموعة من الرسائل الضمنية والموجهة لمصر. موزا في السودان في كل تحرك من تحركات موزة في السودان كانت يتبعها توجيه رسالة إلى القاهرة، حتى في تحركاتها السياحية، فزيارتها لأهرامات “البجراوية” في السودان في حد ذاتها قد يكون لها مغزى محدد، خاصة أن الأهرامات السودانية هي محط جدل تاريخي بين مصر والسودان، فالرؤية المصرية تقول إن أهرامات الجيزة في مصر تظل هي الأصل في تاريخ الحضارة الإنسانية، بينما الرؤية السودانية تقول بأن الحضارة المصرية مستمدة من الحضارة السودانية في أرض النوبة، وإن الفراعنة في السودان هم الذين سادوا المنطقة قبل ظهور مصر على وجه الحياة. وخلال زيارة موزة للسودان تداول ناشطون على صفحات التواصل الاجتماعي صورًا لما كتبته في دفتر الزيارات، حيث ادعى البعض أنها كتبت عبارة “السودان أم الدنيا”، لكن ناشطين سودانيين نفوا الأمر، مؤكدين أن الصورة التي نشرت “مزورة”. طابع الزيارة صحيح أن موزة تزور السودان تحت مظلة إنسانية، فهي عضو المجموعة المدافعة عن أهداف التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، وهي تزور الخرطوم بصفتها رئيس مجلس أمناء مؤسسة “صلتك” المؤسسة الدولية الرائدة في دعم واستحداث فرص العمل وتوسيع الفرص الاقتصادية للشباب في سائر أرجاء العالم العربي، لكن قطر تسعى منذ فترة لاستقطاب السودان، فخلال الزيارة وقعت موزة 5 اتفاقيات تعاون بالعاصمة السودانية الخرطوم، كما أنها أكدت على التزامها بدعم الشباب السوداني بتأمين حوالي مليون فرصة عمل مع عام 2021. اللافت في الزيارة أنها تزامنت مع تصعيد سوداني ضد مصر، فبينما كانت موزا تزور الخرطوم، قررت الحكومة السودانية حظر استيراد منتجات المربى والكاتشب من مصر، واعتبارها سلعًا فاسدة مصنعة من مدخلات إنتاج ملوثة، في إشارة منها إلى الخضراوات والفاكهة المصرية، وغالبًا ما تكون هذه الرسائل الجانبية مقصودة وموجهة، فمصر على سبيل المثال عندما استقبلت الملك سلمان بن عبد العزيز، أغلقت قناة المنار اللبنانية، في خطوة رآها مراقبون حينها أنها تودّدية للسياسية السعودية. قطر والمحيط المصري مشاريع قطر التي تنفذ تحت بند المساعدات الإنسانية لا يمكن إغفال بعدها السياسي، ونظرًا لقرب التحركات القطرية من الدائرة المصرية، أصبح التنبه لها أمرًا ضروريًّا، فلقطر تحركات مشبوهة من أبعد نقطة للأمن القومي المصري، وهي إثيوبيا، إلى أقرب نقطة لأمنها القومي، سواء في السودان أو ليبيا، أو حتى في قطاع غزة، حيث قال المتحدث باسم جبهة الأورومو الإثيوبية، جمادا سوتي “إن قطر تدعم بناء السد، من خلال مشروع استثماري وزراعي ضخم تموله الدوحة؛ لزراعة مليون ومائتي ألف فدان في منطقة السد، ودفعت الجزء الأول من قيمة التعاقد، الذي استفادت منه الحكومة الإثيوبية في بناء السد”. وفي ليبيا كشف فيديو مسرب، يوم الأربعاء الماضي، عن تدخل قطر في الشأن الليبي ودعم جماعة الإخوان المسلمين على حساب الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي تدعمه مصر، حيث يظهر التسريب لقاء يجمع خالد بن محمد العطية، وزير الدولة لشؤون الدفاع القطري، وعبد الرحمن السويحلي، رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية. وبالعودة إلى السودان، فإن العلاقات السودانية الخليجية تطورت بشكل ملحوظ، بعد ابتعاد السودان عن إيران وتقاربها الأخير مع السعودية وقطر، والذي توج بانضمام الخرطوم للعملية العسكرية العدوانية التي تقودها الرياض ضد اليمن، وهو الأمر الذي يزيد الوضع سوءًا بالنسبة لمصر، خاصة أن السلطة في السودان المتمثلة في الرئيس السوداني، عمر البشير، منشقة في الأساس عن حركة الإخوان المسلمين، ما يجعل تقاربها من قطر داعمة الإخوان في المنطقة أمرًا ميسرًا، خاصة أن البشير يعاني من أزمات اقتصادية خانقة، تهدد بالإطاحة بحكمه، وهنا يمكن أن تقدم الدوحة يد الإنقاذ له، وبالتالي يمنحها النفوذ في السودان، وهو أمر غير مستبعد، فمصر ونظرًا للنفوذ السعودي في السودان طلبت من الرياض يناير الماضي وساطتها لوقف مطالبة السودان بحلايب وشلاتين، وهذا مؤشر خطير على تنامي النفوذ الخليجي على بوابة مصر الجنوبية، خاصة مع وجود تحركات عالمية باتجاه السودان، فواشنطن رفعت العقوبات جزئيًّا عن السودان. الخطير أن هذا الرفع جاء بعد تلميحات سودانية بإمكانية التطبيع مع الكيان الصهيوني، وكانت صحيفة هآرتس العبرية كتبت «ثمة تحالف يتبلور بين إسرائيل والسودان»، لافتة إلى مطالبة إسرائيل للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بتحسين معاملتها السيئة لنظام عمر البشير في السودان، وإسقاط جزء من الديون المتراكمة عليه، ومساعدته اقتصاديًّا. كما كشفت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية أن مسؤولًا سودانيًّا زار إسرائيل خلال الفترة الماضية. ويرى مراقبون أن هناك خطوطًا بين الكيان الصهيوني والسودان، امتدت مؤخرًا بترتيب سعودي قطري تركي، حيث بدأت الاتصالات المباشرة وعملية التزاور لمسؤولين إسرائيليين وسودانيين، والاندفاع نحو علاقات سيتم إشهارها بين الجانبين، بعدما تنتهي دول في الإقليم وعرابوها من رسم سيناريو تطبيع العلاقات بين عواصم عربية، في مقدمتها الرياض وأبو ظبي، وبين الكيان الصهيوني. خالد عبد المنعم