في خمسينيات القرن الماضي فرض مسؤولو الإذاعة سياسة جديدة لبرنامج ركن الهواة، وتمثل الأمر في عدم تقديم هاوٍ يقلد مطربًا، لكن بعد مدة قصيرة عاد الوضع كما كان عليه واضعين في الاعتبار «أن الهاوي له عذر إذا اختار أغنية لمطرب معروف ليغنيها، فليست لديه الإماكنيات الفنية للحصول على أغنية جديدة أو لحن من ملحن معروف». وفي خضم تلك السياسات المشجعة للهواة تقدم الشاب كمال حسني، صاحب ال23 عامًا وقتها والموظف بأحد البنوك، إلى الإذاعة للمشاركة في برنامج الهواة، وهدف من قراره إلى كسر الخجل الذي عانى منه طيلة حياته عندما قصر غناءه على أصدقائه فقط. ونشرت صحيفة «المدى» العراقية نصًا لحوار أجرته مجلة «الجيل» عام 1955 مع حسني الحديدي كبير المذيعين، والذي روى عن «حسني» وقت تقدمه إلى اللجنة، التي كانت من عضويته مع الأستاذين أمين عبدالحميد وعلي فراج: «دخل عليّ شاب نلمح الخجل يستولي على وجهه البشوش من أول وهلة، وقال لنا إنه موظف بالبنك ويهوى الغناء»، ليخبر أعضاء اللجنة أنه سمع أغنية «توبة» لعبدالحليم حافظ مرة واحدة وعلى استعداد أن يغنيها. وبدأ الشاب في الغناء داخل استوديو 10 وفوجئ به أعضاء اللجنة، وهنا رأى «الحديدي» فيه خصائص صوت عبدالحليم حافظ لكن بطابع يتسم بالبهجة، لأن صوت العندليب الأسمر دائمًا ما كان يكسوه البؤس حسب رأيه. وما أن أنهى الشاب غناءه صفق «الحديدي» له بحرارة قائلًا: «برافو»، ليعرّف الآخر نفسه باسم «كمال الدين محمد» وطلب بعدها من كبير المذيعين أن يكون اسمه «كمال الحديدي» تيمنًا به، وهو ما لقي الرفض حتى لا يُقال إنه مدعوم من أحد مسؤولي الإذاعة. وبانتهاء الاختبار اتفق مسؤولو الإذاعة على تقديم الشاب باسم «كمال حسني»، وأن يمنحوه فرصة تسجيل صوته مع موسيقى أغنية «توبة»، وهو ما تم إذاعته ل3 دقائق ما أثار ضجة وقتها حسب رواية «الحديدي» الذي قال: «إذا بتليفون الإذاعة لا ينقطع عن الرنين، سيدات وآنسات ورجال كلهم يسألون عن صاحب هذا الصوت، وكيف وصل إلى الميكروفون؟ وهل هو من عائلة فنية؟». كذلك لقي صوت كمال حسني إعجاب مدير دار الأوبرا المصرية، وبعد أن استمع إليه بمشورة من حسني الحديدي هنأ الإذاعة بمطربها الجديد، كذلك تكالب على الشاب مخرجي السينما ولاحقوا كبير المذيعين الذي تهكم: «كأنني وكيل أعمال المطرب الجديد». وبالفعل اتصلت المنتجة «ماري كويني» بكمال حسني، وأرسلت له مبعوثًا خاصًا لمنزله توجه به إلى استوديو «جلال»، لإجراء تجربة سينمائية لصورته وحركاته وكلامه العادي. كذلك توجهت «ماري» إلى الإذاعة بعدها بأيام واستمعت للتسجيل الخاص به، حتى وقع عقدًا لبطولة فيلم «ربيع الحب» عام 1955 بمشاركة الفنانة «شادية»، والذي أثار اسمها ارتباكًا له لدرجة شعوره بالتوتر لأكثر من مرة خلال التصوير. ولقي الفيلم نجاحًا واسعًا في الإسكندرية، كما تم عرضه في سوريا وسافر بصحبة «ماري» لمشاهدته هناك، وطغت أغنيته «غالي عليا» داخل الفيلم على أجواء العمل بشكل حقق له صيتًا واسعًا. هذا النجاح دفع مسؤولو الإذاعة إلى تكوين لجنة فنية من 3 أساتذة لإعادة امتحانه من جديد حتى يدخل في البرنامج العام، ليجتاز الاختبار بتميز ما دفع القائمين على الجهاز بأن يعهدوا إلى الملحن محمد الموجي بوضع لحنًا له يستمر ربع ساعة للمطرب الجديد. وبذيوع صيت الشاب قال كمال الطويل إنه يكاد يجن، لأن كل الناس يحدثونه عن هذا الصوت الجديد وهو يريد أن يسمعه، معربًا عن استعداده التلحين له في بادئ الأمر، لكنه عدل عن رأيه فجأةً لأسباب غير معلومة. وعن ذلك الأمر نشرت «الجيل» رواية تقول: «كمال الطويل يتعمد التهرب من وضع لحن للمطرب الجديد، فأخرج كمال وقال إنه على استعداد لأن يحفظه لحنًا وضعه لعبد الحليم حافظ، ولم يذع بعد هذا اللحن ليختبر صوته». على الجانب الآخر أوضح وجيه ندى، في مقال له بموقع «دنيا الوطن»، أن البعض حاول استغلال تشابه الصوت بين كمال حسني وعبدالحليم حافظ، وكان على رأسهم الراحل موسى صبري الذي كتب وقتها في الصحف عن وجود موهبة جديدة ستتربع على عرش الفن في مصر. وعن نفس الأمر روى زياد عساف، في مقال منشور بصحيفة «الرأي» الأردنية: «كانت تحدث خلافات بين حليم والملحنين الذين تعاونوا معه، وخاصة محمد الموجي، فيبادر الملحن لتقديم صوت مشابه كنوع من رد الاعتبار أو إيجاد البديل لتوصيل إبداعهم، وبعد أن يُحل الخلاف وتعود المياه لمجاريها»، مشيرًا أن من عانى بجانب كمال حسني هم الفنانين الشابين وقتها عبداللطيف التلباني وماهر العطار». ورغم تكرار محاولات الإيقاع بين كمال حسني وعبدالحليم حافظ قابل الثنائي بعضهما البعض مرتين حسب رواية وجيه ندى، الأولى كانت في نقابة الموسيقيين، وقتها نادى العندليب الأسمر على الفنان الشاب وتعانقا أمام الناس، والثاني في حلقة من برنامج إذاعي. في تلك الحلقة طلبت المذيعة من كمال حسني أن يغني «توبة» بينما غنى عبدالحليم حافظ «غالي عليا». وتعاون «كمال» فيما بعد مع الفنان فريد الأطرش، وغنى من ألحانه «أنا هنا والقلب هناك»، ثم «عند بيت الحلو هدي» و«اللي جرى مني» من ألحان عبدالعظيم محمد، و«ع المصنع» للملحن سعيد عزت، و«عيونها الجميلة خدوني» من تلحين عز الدين حسني، كما لحن له علي إسماعيل أغنية «يا أسمر يا سكر». ورغم العلاقة الطيبة التي جمعت بين الفنان الشاب والعندليب الأسمر إلا أن الشائعات لما تنقطع عنهما للإيقاع بينهما، وهو الضغط الذي لم يتحمله كمال حسني ليقرر هجر الفن في فترة الستينيات والتوجه إلى العاصمة البريطانية لندن للعمل في التجارة. وغاب «كمال» عن مصر إلى أن عاد إليها من جديد في أواخر التسعينيات مكملًا أعماله في بلده الأم، رافضًا كل المحاولات التي أغرته للعودة إلى الوسط الفني مكتفيًا بتسجيل الأدعية الدينية بصوته للإذاعة المصرية، إلى أن توفاه الله في الأول من أبريل عام 2005.