تتطلب مرحلة ما بعد رفع العقوبات الأمريكية وضع سياسات مالية واقتصادية محكمة لإدماج الاقتصاد الوطني في دائرة الاقتصاد العالمي، ولا شك أن هناك مرحلة تعافٍ تسبق تلك الانطلاقة الكبرى. ولمعرفة المتطلبات الاقتصادية للمرحلة المقبلة جلس (المركز السوداني للخدمات الصحفية) إلى الفريق محمد الركابي وزير المالية والتخطيط الاقتصادي، الذي تحدث عن العديد من القضايا الاقتصادية التي تتعلق بالسياسات النقدية والموازنة ومرحلة ما بعد رفع العقوبات الاقتصادية. *ما هي الخطوات التي قمتم بها استعداداً لمرحلة ما بعد رفع العقوبات؟ هذه المرحلة أعددنا لها منذ فترة تسبق قرار يناير الماضي، وكل تركيزنا تمحور في كيفية التعامل معها، وذلك بالتعاون مع أجهزة الدولة المختصة والقطاع الخاص باعتباره شريكا رئيسا في خطط تعافي الاقتصاد، وأيضا ناقشنا مع رئيس الجمهورية ملف الوضع الاقتصادي ومطلوبات ما بعد الحظر الاقتصادي والمطلوبات من المؤسسات الدولية وكيفية التعامل معها وانعكاساتها على الموازنة القادمة والإجراءات التي تتخذها الحكومة المتعلقة بالسياسات الاقتصادية، بالإضافة إلى الإجراءات القانونية المطلوبة لمقابلة المرحلة القادمة. *إذاً حدثنا عن الملامح العامة لخططكم للمرحلة المقبلة؟ غالبيتها تتركز على أهم الإجراءات التي تمكن من إنفاذ مطلوبات الاستقرار الاقتصادي وكيفية تحقيقها خلال فترة وجيزة، بجانب العمل على جذب الاستثمارات الخارجية وتحسين بيئة الاعمال في السودان وتحقيق الاستقرار، ايضا مطلوب لمرحلة النمو وتخفيف أعباء المعيشة كواحدة أيضا من مطلوبات الوفاق الوطني. *نحن في نهاية العام.. ماذا بشأن إعداد الموازنة العامة للدولة؟ المتبع أن الموازنة سترفع للبرلمان مطلع شهر ديسمبر، لذلك نحرص على الترتيب لها منذ بداية الربع الأخير من العام، والآن بدأت المناقشات في الوحدات على المستوى الاتحادي لترفع للقطاع الاقتصادي توطئة لرفعها لمجلس الوزراء ومن ثم البرلمان في الزمن المحدد، وموجهات الموازنة تقوم على مناقشة المؤشرات القطاعية للقطاعات الاقتصادية والخدمية المختلفة ومعدلات النمو والتضخم وسعر الصرف، بالاضافة إلى مؤشرات القطاع الخارجي في مجال ميزان المدفوعات والميزان التجاري بجانب مؤشرات الكتلة النقدية، فهذه المؤشرات ستحقق أهداف الدولة في إرساء دعائم التوازن الاقتصادي الداخلي والخارجي، والموازنة القادمة ستتم في ظل تحسن المناخ السياسي على المستوى الداخلي والخارجي. *ما هي أبرز موجهات موازنة العام المقبل؟ نحن حريصون على منح الأولوية للسلام والأمن، باعتبار أنه لا يمكن أن نتحدث عن استقرار اقتصادي بدون أمن أو استقرار، بالإضافة إلى زيادة ميزانية التعليم والصحة والخدمات وتخفيف أعباء المعيشة، وهنالك موازين أخرى لجمع الضرائب ونحن سنسعى للعدالة الضريبية وزيادة الايرادات والتي من ضمنها توسيع المظلة الضريبية من أجل العدالة الاجتماعية، وأشير إلى أن زيادات الإيرادات بدون زيادة العبء على المكلفين أساسا ولكن إدخال مكلفين جدد لم يدفعوا ضرائب، وتشمل كل القطاعات غير المنظمة والتي سنسعى لإدخالها في النظام الضريبي. *هل لديكم سياسات جديدة بشأن زيادة إنتاج الذهب وتصديره؟ حقيقة نحن نتعامل مع معدن الذهب بأنه نقود، وسياستنا تجاهه على هذا الأساس، وطبعا هنالك سياسات خاصة بالتصدير ولدينا ترتيبات وإجراءات ستظهر في أوانها وسيتم الإعلان عنها لاحقا. *وماذا بشأن سياسة الإنفاق والصرف بالموازنة؟ أولاً- نريد أن نؤكد لابد من أن نسعى لزيادة الإيرادات من موارد حقيقية وترشيد الإنفاق وبتوجيه الصرف على القطاعات ذات الأولوية في قطاعات الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والمياه للمساهمة في تخفيف أعباء المعيشة، وأيضا سيكون هناك اهتمام بالبنى التحتية مثل السكة حديد والطرق الزراعية والكهرباء والاهتمام بزيادة الإنتاج والإنتاجية. *قطاع النقل يعتبر أهم ركائز الاقتصاد الوطني، هل لديكم خطط بشأنه بعد رفع الحظر؟ بالتأكيد، قطاع النقل من أكبر القطاعات التي تأثرت بالعقوبات الاقتصادية، الخطوط البحرية والسكة حديد والخطوط الجوية السودانية، لذلك في هذا الجانب شرعنا في إعادة تأهيل قطاعاته المختلفة كمرحلة أولى، وخلال زيارتنا الأخيرة لواشنطن التقينا بشركة الكهرباء العامة، وهي أكبر الشركات المصنعة لرؤوس القاطرات وخطوط السكة حديد، والتزمت بوعود كبيرة لصيانة القاطرات التي كانت متوقفة بسبب الإسبيرات، وهذه بشرى كبيرة جداً لإدارة السكة حديد والنقل خاصة البري خلال الفترة المقبلة، وأيضا قطاع النقل الجوي مبشر بأن توفر قطع الغيار للطائرات التي كانت محرومة منها، وهنالك خطة لتأهيل شركة سودانير لتقوم بدورها وتأخذ مكانها الطبيعي. *هل سيتم رفع الدعم كلياً عن السلع العام المقبل؟ المعلوم أن هنالك سياسة مجازة لرفع الدعم تدريجيا ونحن ماضون في ذلك، وحريصون على تقديم الدعم للفقراء والمحتاجين بدلا من الدعم العام، والدعم سيكون للإنتاج بدل الاستهلاك، وبدلا من الدعم المطلق مستهدفين الشرائح الضعيفة. *ما هي جهودكم في معالجة الديون الخارجية وكيف استفدتم من زيارتكم الأخيرة تجاه هذا الملف؟ خلال وجودنا بواشنطن قمنا بمجهودات كبيرة لمعالجة الديون، والتقينا بالصناديق وحددنا الخطوات المطلوبة لإعفاء الديون والتي من ضمنها دخول برنامج المراقب بواسطة الخبراء مع صندوق النقد الدولي والدخول في برامج استراتيجية حدة الفقر مع البنك الدولي وأيضا تحدثنا مع العديد من الدول أبرزهم (وزير المالية السعودي ووزير المالية القطري) وجميعهم أكدوا دعمهم للسودان خاصة في مرحلة اتخاذ القرار، وحقيقة نحن في هذه المرحلة نحتاج الى دعمهم ومساندتهم خاصة أنهم أبدوا رغبتهم الأكيدة في مساعدة السودان في مسألة الديون، هذه بالإضافة أننا التقينا بممثلين من أمريكاوألمانيا والتزم ممثل ألمانيا بدعم السودان في مسألة إعفاء الديون. *هناك تعقيدات بملف الديون المشتركة مع جوبا ماذا بشأنها؟ في الأصل هنالك الاتفاقية الصفرية واتفقنا على تجديدها، وهي سوف تنتهي في 2018م وسنسعى لتجديدها إذا لم توف الديون في ذلك الوقت، ولا شك هذا يحتاج الى وقت ولكن سنسعى لإعفاء الديون المشتركة، هذا بالإضافة إلى أن هناك حراكا مشتركا لإعفاء الديون، وهو اتفاق قديم مؤسس، وأيضا هناك تحرك خارجي من أجل الإعفاء والسعي لتمديد أجل اتفاقية الخيار الصفري التي تنتهي في أكتوبر من العام المقبل. *ماذا تحمل محاور الاتفاقية الصفرية؟ تشمل الاتفاقية الصفرية خيارين وفق مصفوفة التعاون التي وقعت بأديس أبابا بين الخرطوموجوبا، فالخيار الأول أن يقبل السودان تحمل الديون لعامين يتم خلالها الاتصال بالدائنين مع جهود وشركات المجتمع الدولي لإعفاء الديون، وفي حالة فشل الخيار الأول يتم تقاسم الديون بين البلدين وفق معايير وآليات محددة من بينها نسبة السكان. *ما هي الآلية التي تضمن إنفاذ الاتفاقيات المشار إليها؟ تم تكوين لجنة مشتركة بين السودان والاتحاد الأفريقي ودولة الجنوب لإعفاء الديون، وعقدت اللجنة عددا من الاجتماعات وتوصلت فيها لتفاهمات ستظهر نتائجها في الفترة القادمة، فالاتحاد الأفريقي يقوم بعمل كبير لمعالجة ديون السودان الخارجية. *هناك حديث عن سياسات اقتصادية جديدة لمواكبة مرحلة ما بعد الحظر، حدثنا عنها؟ حقيقة لدينا سياسات جديدة للإصلاح الاقتصادي وسيتم اتخاذها في الفترة القادمة، وكل الإجراءات والسياسات تصب في مصلحة تخفيف المعيشة وإصلاح الاقتصاد، وتهيئته للانطلاق الكبرى، ولكن الحديث عنها سيكون في أوانه.