ظهر الفنان طه سليمان في الساحة الغنائية (الفنية) بصورة لا يمكن إلا أن نقول إنها، حسب تقديرنا وتقويمنا، ممتازة تستحق الإشادة و(الصفقة الطويلة) دليل الإعجاب بالصوت الجميل وحسن الأداء المسرحي. لا أريد هنا أن أتحدث عن طه كشخصية، لكن طه كفنان أصبح (ملكاً) للجماهير والمشاهدين طالما انبرى للغناء مغنياً. طه لم نسمع عنه سوءاً كما كنا ومازلنا نسمع عن الآخرين في بعضهم حول (شقاوتهم).. فطه مازال يحتفظ ببريق الشاب المهذب الذي يحترم جمهوره ومعجبيه. وحقيقة لم أر طه (خفيفاً) في تصرفاته، بل أرى على حد تقديري للمغنين أن بعضهم يلهث وراء النجومية وهو لا يملك أدنى درجات لأن ينالها أو يستحق حتى المتابعة، وفي ذات الوقت أؤمن على أن الأرزاق بيد الله تعالى.. وله حكمة في ما يعطي ويأخذ. وأيضاً لا أريد الحديث عن طه وتقييمه كفنان، فلست لجنة نصوص تجيز هذا وتحرم ذلك، رغم تقديري (لعملقتها) وإمكاناتها، ولكن كمستمع جيد هكذا أصنف نفسي، وكل شخص له من الإمكانية في لحظة صفاء أن يقيم نفسه وهو أكثر الناس أدرى بها, ويمكن أن أقول إن طه كثيراً يغني وهو جيد، وفي البعض الآخر لا أعرف ماذا يغني، بل ربما تهزني موسيقى الأوكسترا خاصته. عموماً.. حتى وقت قريب كنت أعرف أن هناك فناناً جيداً يدعى طه سليمان، ولكن فوجئت بأن هناك مقدم برنامج تلفزيوني.. لا يمكن أن تتابعه حتى نهاية كل حلقة إلا ومعك كمية من حبات الليمون لما يسببه لك من (طمام) وطرش لأذنيك، دون أن تخرج بشيء يمكن أن تضيفه لنفسك.. ولا تدري ما هي خطته وما هي استراتيجيته التي يعمل بها وماذا يريد أن يحقق وإلى أين يصل، إلا بفهم زيادة جرعات الشهرة التي هي في الواقع خصم وليست إضافة. لا أدري ما هو رأي إدارة البرامج في ذات التلفزيون حول ما يقدمه الفنان طه سليمان لخريطتها البرامجية غير الصراخ والضوضاء، ومهما ذهب بعيداً فإنه يرجع ليغني، لأنه فجأة يجد الطريق معقداً للسير فيه حديثاً وثقافة، سوى أن يسأل ضيفه هل (لعبت كورة من قبل)؟ وماذا يستفيد المشاهد والمستمع من مثل هذا سؤال؟ لكن هل تتوفر لطه فكرة أن يسأل ضيفه عن مدى تغلغل الفن في الحياة الدبلوماسية في تعريف الوطن والتراث والعادات والتقاليد؟ الناس في السودان طيبون، فقد جُبلوا على تطييب الخواطر حتى لو كانت خصماً عليهم وعلى حياتهم.. ربما يجاملون ويصفقون جبراً للخواطر، لكن حين تنطفئ الإضاءة لا يتذكرون من طه إلا (غنائه) الذي خلق له جمهوراً عريضاً، وأقولها حقيقة إن طه له معجبون بقاعدة كبيرة، ولكن لست منهم ولست من معجبي برنامجه المزعج الذي يكلف أكثر مما يقدم ثقافة وإبداعاً، بل أعتقد وعلى حد اعتقادي، أنه خصم على تاريخ طه الفنان المغني الذي أحب الناس (غناءه). كنت أتمنى أن يكتفي طه بجمهوره الذي أحبه، وهو يغني ويحتفظ به لزمن ندر أن يحصل الفنان فيه على قاعدة فنية كمثل التي يحظى بها طه. البرنامج التلفزيوني لطه (هرجلة) وملء فراغ برامجي أكثر من أن يكون برنامجاً مفيداً.. وعلى إدارة البرامج بالشاشة (الرائعة) ألا تجعل في الخريطة البرامجية فراغاً خاوياً من فكرة فيهجرها الكثيرون. نريد طه الفنان.. خاصة أني أحب وأقدر واحترم التخصص (فنان يعني فنان.. مقدم برنامج يعني مقدم برنامج)، وهكذا يتدرج التخصص حتى لو تجاوز التخصص للأكثر بأن تلحق به الكفاءة والثقافة والإلمام غير فنيات تجويد الصوت والتغني والتفنن، فلكل مقام مقال، وللمقال ضوابط وفنون و(حرفنة). باختصار الفنانين الذين يتصيدون الفرص للبقاء في الشاشات أكثر من اللازم في أعمال لا تتناسب وامكاناتهم المتواضعة غير الغناء مثلاً، عليهم أن يفسحوا المجال لأصحاب الإمكانات.. وأفضل لطه أن يغني فلغنائه جمهور، وببرنامجه سيصبح فقيراً بلا جمهور. (إن قُدِّرَ لنا نَعُود). د. حسن التجاني