كان رئيس مدينة مرو بخراسان وقاضيها، رجل اسمه نوح بن مريم، وكان له نعمة كثيرة وحال موفور، وكانت له بنت ذات حسن وجمال وبهاء وكمال، خطبها منه جماعة من أكابر الرؤساء وذوي النعمة، وأكثروا؛ فلم ينعم بها لأحد منهم، وتحير في أمرها، ولم يدرِ لأيهم يزوجها، وقال: إنْ زَوَّجتُها بفلان أسخطتُ فلانًا. وكان للقاضي غلام هندي ديِّنٌ تقي اسمه مبارك، وكان له بستان عامر غامر الأشجار والفاكهة والثمار، فقال للغلام: أريد أن تمضي وتحفظ البستان، فمضى وأقام في البستان شهرين، ثم إن مولاه صاحب البستان جاءه يومًا، وقال له: أريد رمانًا حلوًا، فمضى إلى بعض الشجر، وأحضر منها رمانًا؛ فكسره فوجده حامضا، فحرد -أي غضب – عليه، وقال: أطلب الحلو فتحضر لي الحامض؟ هات حلوًا، فمضى، وقطع من شجرة أخرى؛ فلما كسرها وجده أيضًا حامضًا، فاشتد حرَده عليه، وفعل ذلك مرة ثالثة؛ فذاقه فوجده أيضًا حامضًا، قال له القاضي بعد ذلك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ قال الغلام: لا أعلم، سأله القاضي: وكيف ذلك؟ قال الغلام: لأني ما أكلت منه شيئًا حتى أعرفه؛ فقال: ولِمَ لمْ تأكل؟ قال الغلام: "لأنك أمرتني بحفظ البستان، وما أَذِنْت لي بالأكل منه". تعجّب القاضي من ذلك، ولما سأل عن أحوال الغلام عَلِم أن ما قاله حق، فعَظُم في عينيه، وزاد قدره عنده. وقرر القاضي أن يسأل غلامه في أمر زواج ابنته، فروى له ما حدث من أكابر الرؤساء وذوي النعمة، ثم سأله: من ترى أن أزوج هذه البنت من هؤلاء الخطباء؟ قال الغلام: أهل الجاهلية كانوا يزوّجون للحسب، واليهود للمال، والنصارى للجمال، وهذه الأمة للدين؛ فأعجبه عقله، وذهب فأخبر به أمها، وقال لها: ما أرى لهذه البنت زوجًا غير مبارك، فتزوجها. وكانت ثمرة هذا الزواج ميلاد أحد علماء الإسلام وهو الإمام عبدالله بن المبارك المروزي الذي ولد عام 118 هجرية، بمدينة مرو في إقليم خراسان، والذي يقع في تركمانستان الآن.