بسم الله الرحمن الرحيم حول الدعاء على مفسدي الكيزان بأن يملأ الله قبورهم نارا الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، أما بعد؛ هل يجوز الدعاء على (المفسدين) من منسوبي النظام السابق (الكيزان) بأن يملأ الله تعالى قبورهم ناراً؟ الجواب: أولاً: الأصل أن الدعاء على المؤمن لا يجوز. وهو من الاعتداء في الدعاء، قال تعالى: ﴿ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف/55]. قال السيوطي رحمه الله: "لا تدعوا على المؤمن والمؤمنة بالشر، اللهم اخزه والعنه ونحو ذلك؛ فإنَّ ذلك عدوان " [الدر المنثور 3/475]. وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم أنَّ المسلمَ من سلم الناس من شر لسانه، والمؤمن لا يكون لعاناً، فقال صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ» متفق عليه. وقال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيء» رواه الترمذي. وعلَّمنا ربنا في القرآن الكريم أن ندعوا لإخواننا ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ [الحشر/10]. ثانياً: الدعاء على المؤمن الظالم مشروع دلت نصوص الكتاب والسنة على على مشروعية الدعاء على الظالم.. قال الله تعالى: ﴿لَاْ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا﴾ [النساء/148]. قال ابن كثير رحمه الله: "قال ابن عباسٍ في الآية: يقول: لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: ﴿إِلا مَنْ ظُلِمَ﴾، وإن صبر فهو خيرٌ له" [تفسير ابن كثير 1/572]. وقال تعالى: ﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيْلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَىْ الّذِيْنَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِيْ الأرض بِغَيْرِ الْحَقّ أُوْلئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [الشورى/41-42]. وقال تعالى: ﴿وَالَّذِيْنَ إِذَاْ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾ [الشورى/39]. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثَةٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ» رواه الترمذي. فدل هذا الحديث على مشروعية دعاء المظلوم على من ظلمه. وقد جاء عن بعض الصحابة دعاؤهم على من ظلمهم: فقد اتهم رجلٌ من أهل الكوفة سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه بما هو بريء منه, قال سعدٌ: "أما واللّه لأدْعونّ بثلاْثٍ: اللهم إنْ كان عبْدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعةً: فأطلْ عمره، وأَطِلْ فقْرَه، وعرّضه للْفتن". فكان الرجل يقول بعد ذلك: شيخٌ مفْتونٌ أصابتْني دعْوة سعْدٍ. رواه البخاري ومسلم. فدعا عليه بثلاثً: بطول عمرٍ بفقرٍ. وفتنةٍ. وعن محمد بن زيد عن سعيد بن زيْدٍ رضي الله عنه أنّ أروى خاصمتْه في بعْض داره، فقال: دعوها وإيّاها، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أخذ شبْرًا من الأرض بغيْر حقّه طوّقه في سبع أرضين يوْم القيامة»، اللهمّ إن كانت كاذبةً فأعم بصرها, واجعلْ قبرها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيدٍ، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئرٍ في الدار فوقعتْ فيها فكانت قبْرها. رواه مسلم. قال النووي رحمه الله: "وفي حديث سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه جواز الدعاء على الظالم" [شرح مسلم: 11/50]. وثبت عن جابرٍ رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي» رواه البخاري في الأدب المفرد. وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قلما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ …واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا» رواه الترمذي. ثالثاً: الدعاء على الحاكم الظالم مشروع في صحيح مسلم قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ». فهذا أصل في الدعاء على الحاكم الظالم الذي يشق على رعيته. ومثل هذا لا يدفع بقول أحد أو عالم. وما أثر عن الإمام أحمد "لو أن لي دعوة مستجابة لجعلتها للحاكم" دليل على فقهه، وليس فيه ما يدل على أن من دعا على حاكمه الذي يشق عليه أنه مخالف لسبيل المؤمنين! وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعارضها قول أحد أبداً. وقول البربهاري رحمه الله "إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى"، خارج إطار مسألتنا، فليس حديثنا عن الدعاء على كل سلطان، وإنما الحديث عن السلطان (الذي يشق على رعيته)، وقد دعا عليه سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، فأين السنة وأين سلوكُ سبيلِ أهلها من معارضة كلام صاحبها بأقاويل الرجال!!؟ رابعاً: هل نقتصر في دعائنا على الظالم بما يناسب مظلمته؟ فرق بين إباحة عرضه والدعاء عليه. ففي المسألة الأولى لا يباح عرضه إلا بقدر مظلمته، فإذا أخذ مالك فلا تقل: فلان أخذ مالي، وشتمني! بل تقتصر على ذكر المظلمة الواقعة عليك ولا تزيد عليها. أما في الدعاء فلا يصح تقييده بما يناسب مظلمته، لأدلة ثلاثة: الأول: سبق ذكر الأدلة على مشروعية الدعاء على الظالم، فمن قيَّد إطلاقها بشيء لزمه ذكر الدليل المقيِّد لها. الثاني: في فعل الصحابة ما يدل عليه: عن محمد بن زيد عن سعيد بن زيْدٍ رضي الله عنه أنّ أروى خاصمتْه في بعْض داره، فقال: دعوها وإيّاها، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أخذ شبْرًا من الأرض بغيْر حقّه طوّقه في سبع أرضين يوْم القيامة»، اللهمّ إن كانت كاذبةً فأعم بصرها, واجعلْ قبرها في دارها. قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيدٍ، فبينما هي تمشي في الدار مرت على بئرٍ في الدار فوقعتْ فيها فكانت قبْرها. رواه مسلم. قال النووي رحمه الله: "وفي حديث سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه جواز الدعاء على الظالم" [شرح مسلم: 11/50]. وقد دعا عليها بسبب أنها أخذت أرضه: بالعمى. وبموتها في الأرض المغتصبة. وهذا يدل على أن التقيد في الدعاء عليه بما يناسب المظلمة مما لا دليل عليه. الثالث: من يحدِّد هذه المناسَبة؟ فقد يعتدي أحدٌ على مالك الذي ادَّخرته لسفرك وعلاجك وتعليم أولادك، فهل يقال: من المناسب أن تدعو عليه بحرمانه من العافية كما حرمك من علاجك، وبأن يحيط الجهل به كما حرم ولدك من تعليمهم، وبأن يُعدم السعادة كما حرمك من متعة السفر مع أسرتك!!؟ ما حدُّ المناسبة هذه؟! وأخيراً: لو سلَّمْتُ – ولا أُسلِّمُ به- أن الدعاء إنما يجوز على الظالم بما يناسب مظلمته، فإن الدعاء على المفسدين من الكيزان بأن يملأ الله فبوهم ناراً في غاية المناسبة لدليلين: الأول: عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال: افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ، وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ فِضَّةً، إِنَّمَا غَنِمْنَا البَقَرَ وَالإِبِلَ وَالمَتَاعَ وَالحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى وَادِي القُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ، أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ، فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ، حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ العَبْدَ، فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَلْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ المَغَانِمِ، لَمْ تُصِبْهَا المَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَجَاءَ رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ، فَقَالَ: هَذَا شَيْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «شِرَاكٌ – أَوْ شِرَاكَانِ – مِنْ نَارٍ» البخاري ومسلم. الثاني: ثبت عَنْ أَبِي رَافِعٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى الْعَصْرَ رُبَّمَا ذَهَبَ إِلَى بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ فَيَتَحَدَّثُ مَعَهُمْ حَتَّى يَنْحَدِرَ لِلْمَغْرِبِ، قَالَ: فَقَالَ أَبُو رَافِعٍ: فَبَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْرِعًا إِلَى الْمَغْرِبِ إِذْ مَرَّ بِالْبَقِيعِ فَقَالَ: «أُفٍّ لَكَ، أُفٍّ لَكَ» ، مَرَّتَيْنِ، فَكَبُرَ فِي ذَرْعِي، وَتَأَخَّرْتُ وَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُرِيدُنِي، فَقَالَ: «مَا لَكَ؟ امْشِ»، قَالَ: قُلْتُ: أَحْدَثْتُ حَدَثًا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» ، قُلْتُ: أَفَّفْتَ بِي، قَالَ: «لَا، وَلَكِنَّ هَذَا قَبْرُ فُلَانٍ بَعَثْتُهُ سَاعِيًا عَلَى بَنِي فُلَانٍ، فَغَلَّ نَمِرَةً فَدُرِّعَ الْآنَ مِثْلَهَا مِنْ نَارٍ» رواه أحمد، وقال الألباني في صحيح الترغيب (1350) "حسن لغيره". والذرع: الوسع والطاقة، وكبر في ذرعي: شق عليَّ. فهذه عقوبة الله للمفسدين في قبورهم. وما اختاره الله لهم لابد أن يكون مناسباً لجرمهم. والحمد لله في البدء والختام. كتبه: