من سيحصد الكرة الذهبية 2025؟    كندا وأستراليا وبريطانيا تعترف بدولة فلسطين.. وإسرائيل تستنفر    مدير جهاز الأمن والمخابرات: يدعو لتصنيف مليشيا الدعم السريع "جماعة إرهابية "    الزمالة يبدأ مشواره الأفريقي بخسارة أمام ديكيداها الصومالي    تدشين أجهزة مركز عمليات الطوارئ بالمركز وعدد من الولايات    ترمب .. منعت نشوب حرب بين مصر و إثيوبيا بسبب سد النهضة الإثيوبي    استشهاد أمين عام حكومة ولاية شمال دارفور وزوجته إثر استهداف منزلهما بمسيرة استراتيجية من المليشيا    المفوض العام للعون الإنساني وواليا شمال وغرب كردفان يتفقدون معسكرات النزوح بالأبيض    الارصاد تحذر من هطول أمطار غزيرة بعدد من الولايات    وزارة الطاقة تدعم تأهيل المنشآت الشبابية والرياضية بمحلية الخرطوم    "رسوم التأشيرة" تربك السوق الأميركي.. والبيت الأبيض يوضح    د. معاوية البخاري يكتب: ماذا فعل مرتزقة الدعم السريع في السودان؟    مياه الخرطوم تطلق حملة"الفاتورة"    إدانة إفريقية لحادثة الفاشر    دعوات لإنهاء أزمة التأشيرات للطلاب السودانيين في مصر    الاجتماع التقليدي الفني: الهلال باللون باللون الأزرق، و جاموس باللون الأحمر الكامل    يا ريجي جر الخمسين وأسعد هلال الملايين    ليفربول يعبر إيفرتون ويتصدر الدوري الإنجليزي بالعلامة الكاملة    الأهلي مدني يبدأ مشواره بالكونفدرالية بانتصار على النجم الساحلي التونسي    شاهد بالصور.. المودل السودانية الحسناء هديل إسماعيل تعود لإثارة الجدل وتستعرض جمالها بإطلالة مثيرة وملفتة وساخرون: (عاوزة تورينا الشعر ولا حاجة تانية)    شاهد.. ماذا قال الناشط الشهير "الإنصرافي" عن إيقاف الصحفية لينا يعقوب وسحب التصريح الصحفي الممنوح لها    10 طرق لكسب المال عبر الإنترنت من المنزل    بورتسودان.. حملات وقائية ومنعية لمكافحة الجريمة وإزالة الظواهر السالبة وضبط المركبات غير المقننة    شاهد بالفيديو.. طفلة سودانية تخطف الأضواء خلال مخاطبتها جمع من الحضور في حفل تخرجها من إحدى رياض الأطفال    جرعات حمض الفوليك الزائدة ترتبط بسكري الحمل    لينا يعقوب والإمعان في تقويض السردية الوطنية!    الأمين العام للأمم المتحدة: على العالم ألا يخاف من إسرائيل    الطاهر ساتي يكتب: بنك العجائب ..!!    صحة الخرطوم تطمئن على صحة الفنان الكوميدي عبدالله عبدالسلام (فضيل)    وزير الزراعة والري في ختام زيارته للجزيرة: تعافي الجزيرة دحض لدعاوى المجاعة بالسودان    لجنة أمن ولاية الخرطوم: ضبطيات تتعلق بالسرقات وتوقيف أعداد كبيرة من المتعاونين    هجوم الدوحة والعقيدة الإسرائيلية الجديدة.. «رب ضارة نافعة»    هل سيؤدي إغلاق المدارس إلى التخفيف من حدة الوباء؟!    تعاون مصري سوداني في مجال الكهرباء    شاهد بالفيديو.. شيخ الأمين: (في دعامي بدلعو؟ لهذا السبب استقبلت الدعامة.. أملك منزل في لندن ورغم ذلك فضلت البقاء في أصعب أوقات الحرب.. كنت تحت حراسة الاستخبارات وخرجت من السودان بطائرة عسكرية)    "نهاية مأساوية" لطفل خسر أموال والده في لعبة على الإنترنت    المالية تؤكد دعم توطين العلاج داخل البلاد    شاهد بالفيديو.. نجم السوشيال ميديا ود القضارف يسخر من الشاب السوداني الذي زعم أنه المهدي المنتظر: (اسمك يدل على أنك بتاع مرور والمهدي ما نازح في مصر وما عامل "آي لاينر" زيك)    الجزيرة: ضبط أدوية مهربة وغير مسجلة بالمناقل    ماذا تريد حكومة الأمل من السعودية؟    إنت ليه بتشرب سجاير؟! والله يا عمو بدخن مجاملة لأصحابي ديل!    في أزمنة الحرب.. "زولو" فنان يلتزم بالغناء للسلام والمحبة    إيد على إيد تجدع من النيل    حسين خوجلي يكتب: الأمة العربية بين وزن الفارس ووزن الفأر..!    ضياء الدين بلال يكتب: (معليش.. اكتشاف متأخر)!    في الجزيرة نزرع أسفنا    من هم قادة حماس الذين استهدفتهم إسرائيل في الدوحة؟    مباحث شرطة القضارف تسترد مصوغات ذهبية مسروقة تقدر قيمتها ب (69) مليون جنيه    في عملية نوعية.. مقتل قائد الأمن العسكري و 6 ضباط آخرين وعشرات الجنود    السجن المؤبّد لمتهم تعاون مع الميليشيا في تجاريًا    وصية النبي عند خسوف القمر.. اتبع سنة سيدنا المصطفى    جنازة الخوف    حكاية من جامع الحارة    حسين خوجلي يكتب: حكاية من جامع الحارة    مشكلة التساهل مع عمليات النهب المسلح في الخرطوم "نهب وليس 9 طويلة"    وسط حراسة مشددة.. التحقيق مع الإعلامية سارة خليفة بتهمة غسيل الأموال    نفسية وعصبية.. تعرف على أبرز أسباب صرير الأسنان عند النوم    بعد خطوة مثيرة لمركز طبي.."زلفو" يصدر بيانًا تحذيريًا لمرضى الكلى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في محاكمة البشير .. قوش ينحاز لأسامة داؤود والدفاع يستبعد شهادة الدعم السريع ويهجم على خزينة بنك السودان
نشر في النيلين يوم 21 - 09 - 2019

السيارة التي أقلت الرئيس المخلوع عمر البشير صباح السبت من سجن كوبر إلى مقر المحكمة، كانت قد تجاوزت صفوف الوقود والخبز في شارع عبيد ختم بصعوبة. ينظر البشير إلى تعابير الأزمة وهي لم تغادر مكانها، بينما هو غادر مكانه، والطائرات تهبط وتغادر مطار الخرطوم أيضاً، أما شمس السُلطة المدنية فهى تحاول التسلل خلسة من نافذة القصر الضيقة. ثمة أزمة حول خرق الوثيقة الدستورية، والنور الكثيف هبط على المباني المحيطة بالمحكمة، فبدا صوت بول فيري يطرق على أذني كالمنبه الضخم " يا ناثانيل أوصيك بالدقة لا بالوضوح " .
القاعة التي اتسعت لاتهامات رأس الدولة السابق بالفساد، غمرها نور كاميرات التلفزة الأصفر. شغب لطيف من الابنة الصغرى للسيدة الأولى السابقة وداد بابكر وهي تحدق في مرايا الزمن المتحول؛ الأضواء المزعجة الآن تجاوزت الزوج بكل رمزيته إلى حرمه، التي كانت قد تحولت إلى أشهر أغاني الرفض إبان الثورة "موش كده يا وداد"، يرددها الشارع كنغمة راقصة، لكن جامعة الخرطوم صرفت عن زوجة البشير التي تلاحقها بلاغات منظمة (زيرو فساد) تهمة الحصول على قطعة أرض تخص الجامعة، والعائلة كلها يبدو انها اختارت مواجهة حملة دعائية سوداء وتحاول تجنب مصير عائلة رومانوف في روسيا عقب توحش البلاشفة .
معركة الدفاع والنيابة
حضر الجلسة شقيق البشير (علي) الذي لم يغب أبداً، وإلى جانبه هذه المرة حمدي سليمان أشهر الأصوات التي كانت تنافح عن النظام السابق، حتى استحال ظهوره أنذاك إلى أهزوجة " بلادي سهول بلادي حقول" محدثاً ضجة في نصف السكون المحيط، أما البشير فقد جاء وعلى وجهه الحليق بعناية تبدو مظاهر الانتظار الواثق البرئ، وبات كذلك الخلاف الحميم في وجهات النظر بين هيئة الاتهام والدفاع يتسع على رتق الشهود، ومحاولات القاضي الدؤوبة توجيه دفة المحاكمة، إلى مرفى آمن، الاتهام بات أكثر شراسة في مواجهة الشهود، والدفاع في مواجهة الاتهام، كأنها معركة تجاوزت غبينة الواجب المهني، إلى التعبير عن خصومة سياسية تبدو ولا تكون.
في الأول وصلت الحقيبة الفضية الفارغة، كواحدة من بينات الاتهام، ولحقت بها خزينة بنك السودان، هذه المرة، بشكل باعث للجلبة، منظر الدولارات الهائلة التي أرسلها محمد بن سلمان، في بلاد تعاني شظف العملة الأجنبية، وقد نمت طبقة ثرية من أرباح التجارة في فارق أسعار العملة الأجنبية، بشكل يهدد الاقتصاد الوطني بالانهيار، إن لم يكن قد انهار بالفعل.
ضبط هدية بن سلمان
بدأت الجلسة بمضاهاة أصول المستندات التي قدمتها هيئة الدفاع في الجلسات السابقة بالنسخة الأولى المودعة لدى المحكمة، وتأكد أنها صحيحة. إلى جانب الأخذ في الاعتبار الإقرار الذي ورد في خطبة الادعاء بأن الأموال التي ضبطت في بيت الضيافة هي هدية ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ردًا على الطلب بأن خطبة الادعاء كانت جزءًا أصيلًا من المحكمة، وفقًا للدفاع، بيما أشار القاضي إلى أن خطبة الادعاء تمثل جزءًا من الاتهام، وبدا أن الدفاع يريد الحفاظ على شخصية مهمة، وهي ابن سلمان، في محضر المحكمة، والإعلام أيضًا، كون أي إدانة لا ينبغي أن تقتصر على البشير لوحده.
تبرعات البشير
يدخل الشاهد الأول أبوبكر عوض حسنين إلى ردهات الجلسة، ويعرف نفسه بأنه وزير دولة برئاسة الجمهورية، وبالتالي مطلوب منه شرح مكونات مؤسسة الرئاسة، وشرح العلاقة بين رئاسة الجمهورية وقصر الضيافة. وقد أشار الشاهد إلى أن مكتب الرئيس في بيت الضيافة يدار منه 70% من العمل الرئاسي، وقال إن ميزانية رئاسة الجمهورية معتمدة من وزارة المالية، وعندما عرض الدفاع مستندات الدعم الذي خرج من رئيس الجمهورية لبعض الجهات من بينها جامعة أفريقيا ووزارة الدفاع، هبت النيابة وطعنت في ذلك، بحجة أن الشاهد ليس له علاقة، لكن الشاهد اكتفى بعبارة أن هذا الدعم لم يخرج من رئاسة الجمهورية، وشدد على أن وزارة رئاسة الجمهورية لا يمكن أن تدعم مؤسسة بهذا المبلغ الضخم، لأن الموزانة المعتمدة ليس فيها دعم للمؤسسات خارج بند الصرف بالعملة المحلية دعك من العملة الأجنبية ، وأرجع التبرع للأفراد خارج الميزانية المصدقة إلى تقديرات رئيس الجمهورية.
وعندما سأله ممثل الدفاع أبوبكر الجعلي عن مبلغ 4 مليون دولار منحت لوزارة الدفاع وجامعة افريقيا، قال الشاهدة أن مثل هذا المبالغ لا يمكن أن تخرج من وزارة رئاسة الجمهورية. وهنا انبرى الاتهام وسأل الشاهد: ألا تتفق معي أن مكتب بيت الضيافة ما يخضع له من اجراءات ينطبق عليه ما ينطبق على كافة مكاتب الدولة؟ قال الشاهد لا أعرف . فسأله مجدداً من أين طلع هذا الدعم؟ قال الشاهد " أنا معني بميزانية رئاسة الجمهورية" ومضت الأسئلة على هذه الشاكلة : كيف هو تقدير الرئيس؟ الشاهد: هو يوجه وزير شئون الرئاسة، ومن ثم يذهب التوجيه إلى وزارة المالية، وبعدها يتم التنفيذ. هل للمتهم، أي البشير، حساب خاص يصرف منه شخصياً؟ الشاهد بالنقد الأجنبي هنالك تسيير لكافة مكاتب الرئاسة.
الرئاسة لا الرئيس
هنا تدخل القاضي وطفق يجابه الشاهد المعذب بالأسئلة الصعبة: المخالصة بالمستندات من أين صدرت؟ الشاهد: من مدير مكتب الرئيس. القاضي: باسم أي جهة؟ الشاهد: رئاسة الجمهورية. القاضي: ماذا تعني رئاسة الجمهورية؟ الشاهد: الرئيس عندما يدعم أي جهة فهو يكتب رئاسة الجمهورية. القاضي: الدعم للجهات عادة ماهو مصدره؟ الشاهد: عندما يحصل دعم يتم تحريكه لوزارة المالية. وهنا سأل القاضي سؤاله الكبير، أو عقدة الحبل الملتف حول رقبة المتهم: أنت مسؤول في القصر فهل ثمة أموال وردت لرئيس الجمهورية من أي جهة؟ الشاهد: لم تأتنا مبالغ لرئيس الجمهورية. بدأ القاضي يعبر عن المشكلة بوضوح في معرض سؤاله الأخير: لو قلت لك يا أبوبكر في 25 مليون دولار وصلت لرئيس الجمهورية ماذا تعرف عنها؟ فأجاب الشاهد باختصار "لا أعلم عنها شيئًا". وقد كان أبوبكر عوض حسنين يتحدث عن فترة وجوده في القصر، جازمًا بأن الأمر لم يحدث البتة، فالقاضي يقصد هدية ابن سلمان، والشاهد يعني فك الارتباط بين الرئاسة والرئيس بالإجابة تلميحًا وتصريحًا.
دعابات القاضي
للتو وصلت الأموال التي عُثر عليها في منزل البشير، وهي مخبأة داخل حقيبة محكمة بإغلاق تام، تم عرضها على أريكة القاضي الصادق عبد الرحمن الذي أشاع في المكان جوًا من المرح، من خلال الأسئلة الذكية وتصويب الدفاع والاتهام أكثر من مرة، إلى درجة أنه في الجلسة السابقة عندما أبدى مدير مكتب البشير حاتم حسين بخيت استغرابه من عدم استدعائه للمثول في المحكمة، رد عليه القاضي "فعلًا نحن غلطانين". كما أبدى القاضي اليوم أيضًا استغرابه من إصرار هيئة الدفاع على فتح حقيبة الأموال وبعثرتها على مرأى من الحضور، فقال لهم "انتوا عاوزين بيها شنو"، فرد عليه ممثل الدفاع "عندنا فيها فهم". فقال القاضي: "خلاص ورونا فهمكم".
في هذه اللحظة دخل الشاهد الثاني طارق عبد القادر، وهو ضابط برتبة لواء في الأمن الاقتصادي، قبل أن يتحول جهاز الأمن إلى جهاز المخابرات بعد الثورة، وقد طلب منه ممثل الدفاع الحديث عن تفاصيل الإشراف على المطاحن تحديدًا، وقال الشاهد إن الاهتمام منصب بسلعة الدقيق، لأنها سلعة استراتيجية، تتعلق بها أزمة اقتصادية، ولذلك يقومون بمتابعة القمح منذ لحظة وصووله إلى مرحلة الطحن والتوزيع، لضمان عدم التسرب والتلاعب بحصص الدقيق، وكشف عن خمسة شركات تقوم بالتعاون معها وهي: "سين، سيقا، ويتا، الحمامة، روتانا". وعندما حاول ممثل الدفاع لفت نظره بالنداء "الأخ طارق" انتبه الشاهد فجأة وقال "طارق منو؟"، ربما لأن اسم طارق سر الختم المتهم كذلك في القضية يماثل اسمه، انفجرت القاعة بالضحك.
اتفاق مطاحن الدقيق
قال الشاهد إن هذه المطاحن تتلقى الدعم من رئاسة الجمهورية، وهي شركات خاصة، فأراد الدفاع عرض ورقة اتفاق تم بين الشركات وجهاز الأمن تقريبًا، أو بينها والحكومة، لكن القاضي رفض عرض المستند على الشاهد قبل إيداعه المحكمة، فأصر الدفاع. وبعد اطلاع الشاهد على المستند ذكر أنه بموجب الاتفاق التزمت سين بتوزيع 44 ألف جوال دقيق يوميًا، بينما سيقا التزمت ب 20 ألف، وتباعًا بقية الشركات، بمجمل التزام كامل مائة ألف جوال، على أن تدفع وزارة المالية لهذه الشركات قيمة (270) دولار للطن الواحد من القمح. وأجاب الشاهد على سؤال إمكانية المطاحن على توفير النقد الأجنبي لشراء القمح، بأن الاتفاق تم بالأساس لأن هذه الشركات عاجزة عن توفير العملة الأجنبية للقيام بعملية الاستيراد.
وأضاف أن مدير جهاز الأمن والمخابرات السابق صلاح قوش وجه بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة بالتدخل وشراء القمح من الشركات، وهنا سأله الدفاع: بالنسبة لشركة سين، بماذا تم دعمها من قبلكم؟ فأجاب الشاهد "سين لم ندعمها". وقال إنهم اشتروا من شركة سيقا التي يملكها رجل الأعمال أسامة داؤود ما قيمته 5 مليون دولار، وبسعر الطعن 280 دولار، وأردف الشاهد أن "الاتفاق تم بين مدير الجهاز السابق صلاح قوش والشركات"، وأجاب أيضًا على سؤال يبدو أنه مهم في مسار مرافعة الدفاع: بالنسبة لسين ما هي علاقتكم بها، وكيف توفر العملة الأجنبية؟ فقال "لم نشتر منها، ولا أعرف كيف توفر العملة الأجنبية"
علاقة جهاز الأمن بالأزمة
بدأت نقطة الخلاف تكبر حول دور الشاهد الذي التحق بإدارة الأمن الاقتصادي عقب توقيع الاتفاق مع الشركات الخمسة، لكنه رد بأنه يعرف وثيقة الاتفاق، وقد تلقاها من أهل الشأن، كما وصفهم، وعقب الاتهام على تسلسل إفادات القاضي بأسئلة تطعن في شهادته على الاتفاق، وعلاقة الأمن الاقتصادي بشراء الدقيق، فأخبرهم أن مدير الجهاز وجه بالتدخل وشراء كميات من القمح المطحون لتعويض النقص فيه.
وحول علاقة المتهم البشير بالآلية الخاصة بأزمة الدقيق، قال الشاهد إن المتهم يتلقى تقاريره من مدير جهاز الأمن الذي يتبع للرئاسة، وهنا حاولت هيئة الاتهام استغلال نقطة أثارها الشاهد، وهي أن تاريخ المستند فقط غير صحيح، بينما الاتفاق صحيح، أي ثمة جزئية تصلح للطعن، سرعان ما قام الشاهد بالتصويب عليها بأن المحتوى صحيح. إلى جانب سؤال حول دور الجهة التي يجب أن تتدخل عندما تجد المطاحن مشقة في توفير العملة الأجنبية، فقال الشاهد "طبعًا وزارة المالية وبنك السودان"، كما لو أن الاتهام قرر سوق القضية إلى المنطقة الأكثر أهمية، وهي الدافع الذي جعل البشير يتدخل في شأن يخص بنك السودان ووزارة المالية، أما أغرب ما في الأمر هو أن الاتهام سأل الشاهد: مطاحن سين تتبع لمن؟ فقال إنه لا يعرف.
من يملك شركة سين؟
جاءت أسئلة المحكمة كالعادة محددة ومصوبة بدقة على القضية مثار الاتهام، إذ كيف تحصل سيقا على الدعم الأكبر وهي تنتج من الدقيق لحل الأزمة أقل من سين؟ فقال الشاهد إن ما حدث مع سيقا ليس دعمًا، وإنما عملية شراء، لكن سين مع ذلك التزمت بتغطية العجز، فسأل القاضي الشاهد، من يملك سين؟ فقال "أسرة إبراهيم… مممم" وبدا يتذكر، كما لو أنه التقط اسم العضو المنتدب، وردد بصوت مسموع "نحن فقط نتعامل مع العضو المنتدب طارق سر الختم". وتساءل القاضي : كيف تتعاملون مع شركة لا تعرفون ملاكها؟ رد الشاهد: لأنها التزمت بتغطية العجز.
حل صمت رهيب على المكان بعد تقدم عضو هيئة الدفاع محمد الحسن الأمين صوب خزنة بنك السودان، وعرفه زميله هاشم الجعلي بأنه خبير في فحص الأموال! بدا البرلماني الانقاذي يقلب حزم الأوراق الأجنبية اللامعة من فئة الدولار واليورو، ومن ثم ينتقل بأسئلة خافتة للمتهم في قفصه الحديدي الذي لم يعزله عن الصوت. سأله: هل هي فئات الأموال نفسها التي كانت موجودة في بيت الضيافة؟ فقال البشير بأنه غير متأكد، وبدأ القاضي يرفع صوته بعد فاصل من التداول بين هيئة الدفاع وموكله: "يا جماعة المشكلة وين، هل العملة مزورة، أم أنها ليست التي ضبطت؟"، لكن أحدًا لم يجب عليه!
شاهد بنك السودان
هنا اقترب الشاهد الثالث بعد أن منح القاضي هيئة الدفاع التي يبدو أن الرهق أصابها. تسلل بدر الدين حمد الموظف ببنك السودان إلى القاعة وأقسم على أن يقول الحق، لا شيء غير الحق، وتحدث عن لائحة تنظيم تداول العملة الأجنبية، وكيف أن اللائحة تسمح بحيازة الأموال الأجنبية، لكن تداول وبيع العملة غير مسوح به، ولعل أهم عبارة وردت في حديث الشاهد الأخير أنه "ليس لديه ضوابط موجهة لرئيس الجمهورية فيما يتعلق بالعملة الأجنبية". وثار جدل كبير حول إدخال النقد الأجنبي إلى البلاد هل هو مسموح به أم غير مسموح به؟ أحيانًا يردد الشاهد بأن التعامل بالنقد بالأجنبي مسموح فقط للجهات المصرح لها بذلك، وأحيانًا بأن دخول العملة الأجنبية من جهة غير معتمدة لديهم يعتبر مخالفة لجهة أنه يعيق عملهم في تقويم السياسات الخاصة بالنقد الأجنبي، ومرة ثالثة يرد بأن إدخال النقد الأجنبي للبلاد مسموح به، ويبدو وفقًا للشاهد بأن هنالك فرق بين حيازة العملة الأجنبية والتعامل بها، وعلى ذلك يمكن قياس حالة الرئيس البشير، الذي قال في وقت سابق إنه لا يعمل في بيع وشراء العملة. واكتفى القاضي بسؤال محدد؟ استبدال نقد أجنبي بنقد محلي، هل يعتبر تعامل أم غير تعامل؟ رد الشاهد "تعامل".
انتهت الجلسة ولم ينته العرض المدهش المثير، حيث إن هيئة الدفاع قررت التخلص من أحد الشهود الذين طلبتهم في الأول، وهو الدعم السريع، قائلة بأنها لا تحتاجه، ربما لأنه يمثل أحد الخصوم في حلبة النزاع السياسي مع هيئة الدفاع التي تنتمي للنظام القديم، والتي تشعر، بل جاهرت أكثر من مرة بأن الذي حدث هو انقلاب على شرعية البشير، شاركت فيها قوات الدعم السريع، مع الجيش، لكن ممثل الاتهام تدخل بشكل لافت وطلب شهادة الدعم السريع، فاعتذر لهم القاضي بأن ملف شهود الاتهام أغلق، وهذا تقديره هو الآن فقط.
وبقت القضية معلقة على حبل الأهمية المشدود، إن كانت هذه الاتهامات بالفعل ترقى لأن توجه إلى رئيس دولة ثار شعبه عليه؟ وهنا يجيب المحامي نبيل أديب بأن المحاكمة الجارية بالغة الأهمية من الناحية السياسية، لأنها تصوب على إشكالية الفساد والتصرف في ملايين الدولارات وأزمة الحكم الراشد، إلى درجة التحرر من القواعد التي تحكم الإنفاق الحكومي، وقد أحالنا أديب بصورة ساخرة إلى الحاجة إلى جهد هائل وتخطيط تفصيلي لإهدار هذا القدر الكبير من المال، كما ورد في مسرحية (Parliament of prostitutes) كون شخص فكاهي وحيد يحاول شرح الحكومة الأمريكية بأكملها .
عزمي عبد الرازق _ ألترا صوت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.