لست أدري لماذا صب بعض الكتاب جام غضبهم على مشروع قانون تفكيك الإنقاذ الذي أجازه مجلس الوزراء قبل يومين وسيعرض اليوم على اللقاء المشترك بينه وبين المجلس السيادي الذي يشكل الجهاز التشريعي في غياب البرلمان المرتفب؟ لقد سكت هؤلاء الذين يتباكون على الحريات والقوانين ثلاثين عاما ذبح فيها نظامهم ليس القوانين وانتهك الدساتير وحسب بل ذبح وقتل مئات الآلاف من المواطنين وفصل من العمل مئات الآلاف دفعهم للمجهول والفقر والبطالة والهوان داخل البلاد وخارجها. بل سجن واعتقل وعذب وصادر وظلم واتهم مخالفيه وناصحيه بأقذع الألفاظ وغدر بهم فلم نسمع كلمة ولاعبارة واحدة من هؤلاء الكتاب تدين ذلك بل قرأنا وسمعنا بعضا منهم يشيد ويبرر ذلك بل طالب بإعدام بعضهم أمام زملائهم واصفا إياهم بالخيانة والعار ومن يرِد إثبات ذلك فلدينا الدليل مكتوب في صحفهم.. هل ننسى عبارات (بعد أن لبنت لن نسلمها لبغاث الطير؟) وعبارة (ألحس كوعك؟).. وهل انتقد مجرد نقد هؤلاء الكتاب عبارات الهجاء والشتيمة مثل العمالة والخيانة لمواطنين أحرار أكثر وطنية من هؤلاء الذين يقسون بأقلامهم ولا أقول (ي...سون) بأقلامهم والسنتهم احتراما للقارئ – كما وصف د.منصور خالد يوما في أحد مقالاته الشهيرة لبعض الذين يشتمون الناس. والله العظيم لو كان المؤتمر الوطني هذا الذي صدر ضده قانون تفكيك الإنقاذ أو قانون العزل السياسي لقادته الذين خربوا البلاد وأكثروا فيها الفساد وكرسوا الاستبداد والظلم.. لو كان هذا الحزب وحكامه قد استمعوا إلى صوت العقل والتزموا دين الله وشرعه المتين وأقاموا الحكم الشيد والنظام الديمقراطي ونشروا العدل وتعاملوا مع غيرهم بالتساوي ثم التزم بقانون الأحزاب الذي وضعه ولم يأخذ دعما من الخارج كما فعل من دولة الصين لتبني مقره الرئاسي ولم يمارس نظامه التمكين ولم يأخذ أموالا من الموازنة العامة ومن جيب المواطن دافع الضرائب ظلما ويمتص دمه ويمول أنشطته ومؤتمراته، ولم يرفض للمعارضة حرية العمل السياسي ولم يصادر الصحف ويمارس عليها التضييق والرقابة القبلية والبعدية ويتجسس عليها ليضربها كما فعل معي أو يضعف الحرة منها بعدم الاشتراكات والإعلانات... لو فعل ذلك وكان يمول أنشطته من اشتراكات أعضائه لرفضنا قانون تفكيكه ورفضنا حظره وحظر قياداته من العمل السياسي ولكنه لم يترك للثورة الا أن تصدر ذلك القانون حتى يتساوي هذا الحزب وهذه القيادات مع الآخرين.. كيف بالله يُسمَح لحزب هذا نهجه وأفعاله أن يستغل أموال الشعب التي يخبئها في داخل الوطن وخارجه عبر أفراد ليستقوي بها ليعود من جديد ويمارس نفس ما فعله وهو لم يعترف بأخطائه ولم يعتذر للشعب السوداني بأخطائه وانقلابه على الشرعية والديمقراطية.. أتمنى أن يعود قادة هذا الحزب وعلى رأسهم قادة وقواعد الحركة الإسلامية إلى رشدهم فباب التوبة مفتوح فقد خلطوا إيمانهم بظلم، ولكن ليس عبر إعادة واستمرار هذا الحزب وقادته الذين ظلموا وفسدوا وهو الذي تكون في ظل التسلط والأحادية والإقصاء والتمكين ولكن حيث أن الثورة حرية وسلام وعدالة وديمقراطية يمكن لمن لم يفسد ولم يمارس الجرم المشهود أن ينشئ حزبا جديدا بشرط اتباع النهج والممارسة الديمقراطية ويرفض الانقلابات والديكتاتورية وأكل أموال الشعب بالباطل وبقيادة جديدة.. هذا هو الطريق الوحيد.. كان ينبغي أن يَصدُر هذا القانون فور انتصار الثورة ولكن أن يأتي أخيرا خير من ألا يأتي... محجوب عروة