أقرع: مزايدات و"مطاعنات" ذكورية من نساء    بالصور.. اجتماع الفريق أول ياسر العطا مساعد القائد العام للقوات المسلحة و عضو مجلس السيادة بقيادات القوة المشتركة    وزير خارجية السودان الأسبق: علي ماذا يتفاوض الجيش والدعم السريع    محلية حلفا توكد على زيادة الايرادات لتقديم خدمات جيدة    شاهد بالفيديو.. خلال حفل حاشد بجوبا.. الفنانة عشة الجبل تغني لقادة الجيش (البرهان والعطا وكباشي) وتحذر الجمهور الكبير الحاضر: (مافي زول يقول لي أرفعي بلاغ دعم سريع)    شاهد بالفيديو.. سودانيون في فرنسا يحاصرون مريم الصادق المهدي ويهتفون في وجهها بعد خروجها من مؤتمر باريس والقيادية بحزب الأمة ترد عليهم: (والله ما بعتكم)    شاهد بالفيديو.. لاعبون سودانيون بقطر يغنون للفنانة هدى عربي داخل الملعب ونجم نجوم بحري يستعرض مهاراته الكروية على أنغام أغنيتها الشهيرة (الحب هدأ)    محمد وداعة يكتب: مصر .. لم تحتجز سفينة الاسلحة    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    الدردري: السودان بلدٌ مهمٌ جداً في المنطقة العربية وجزءٌ أساسيٌّ من الأمن الغذائي وسنبقى إلى جانبه    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    سوداني أضرم النار بمسلمين في بريطانيا يحتجز لأجل غير مسمى بمستشفى    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    مدير المستشفيات بسنار يقف على ترتيبات فتح مركز غسيل الكلى بالدندر    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    مناوي ووالي البحر الأحمر .. تقديم الخدمات لأهل دارفور الموجودين بالولاية    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    العليقي وماادراك ماالعليقي!!؟؟    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    تنسيقية كيانات شرق السودان تضع طلبا في بريد الحكومة    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تقرير: روسيا بدأت تصدير وقود الديزل للسودان    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاطعات الكبرى بين مشروع قرار مجلس الأمن لإنشاء بعثة سياسية ومشروع قانون الكونغرس الأمريكي لدعم الحكم المدني الانتقالي في السودان
نشر في النيلين يوم 19 - 05 - 2020

تفترض هذه المقاربة نظريا – على مستوى القراءة السياسية- أن مشروع قانون الكونغرس الامريكي 6 مارس 2020 لدعم الحكومة المدنية، ومشروع قرار مجلس الأمن 24 أبريل لإنشاءبعثة سياسية، هما في الأصل مشروع واحد. يمثل مشروع قرار مجلس الأمن ( الوجه الاوروبي) قدمت مسودة مشروع القرار بريطانيا وألمانيا ، تحت مظلة الشرعية الدولية، وقانون الكونغرس ( الوجه الامريكي) ، رغم اختلاف آليات اتخاذ القرار والتشريع بين المستوى الوطني الأمريكي الكونغرس ومجلس الأمن في المنظمة الدولية. إذ يتوحد المشروعان في أهدافهما الإستراتيجية والسياسية، وتتكامل أدوارهما وتأثيرهما المشترك في رسم خارطة جديدة لمستقبل السياسة والحكم في السودان.
كما أن الموارد المرصودة كما ونوعا لتنفيذ هذا المشروع ( الاوروبي) عن طريق مجلس الأمن، و( الأمريكي) قانون الكونغرس، قادرة على انجاز التسوية المرادة على جميع الأطراف السودانية بما يتوفر لهما من موارد مادية هائلة و شرعية اممية ونفوذ دولي، ووسائل تحفيز وإكراه stick and carrots وترسانة تفكير من مراكز البحوث والدراسات والاستشارات القانونية والدولية لصياغة مشروعات التحول والانتقال.
السمة الأساسية لمشروع قرار مجلس الأمن وقانون الكونغرس هو سمة إصلاحية، محاسبية وتحكمية، وإن لبس لبوس الدعم المكمل للجهود الوطنية حسب المزاعم السائدة. إذ يستهدف إعادة1بناء وتشكيل مؤسسات الحكم والسياسة وصنع السلام واحتكار التنسيق مع مؤسسات التمويل الدولية ويتمتع بولاية كاملة على العملية السياسية برمتها.
الهدف المركزي لهذا المشروع بوجهيه (الاوروبي والأمريكي) هو زيادة النفوذ الدولي الأجنبي على السودان، leverage من خلال الإجراءات والتدابير والسياسات ورهن إرادته الوطنية بما يعجزه عن التحرك المستقل وفق مصالحه القومية في الفضاء الدولي، وربط السودان بالمصالح والمواقف الغربية ( الأمريكية الاوروبية) في المجالين الدولي والإقليمي. وسيكون السودان بفعل ذلك تابعا دوليا لا فاعلا مستقلا بذاته.
الهدف المركزي الثاني تقديم الدعم والحماية والاستثمار في القوى الليبرالية المدنية التي تمثل مشروع الثورة في الحكم الراهن. وتمكينها عبر الإجراءات والتدابير والدعم الدولي ومحاسبة خصومها ( قانون الكونغرس) حتى تنفرد بحكم وتشكيل مستقبل الحكم في السودان لعقود قادمة بالشراكة مع حركات الكفاح المسلح. ويفترض هذا التحليل أن مشروعي القرار والقانون يستبعدان التفاعل السياسي مع المكون العسكري بل هما يضعان حدا لدور العسكر في السياسة السودانية عن طريق مشروع إصلاح أجهزة القطاع الأمني وهو هدف مشترك بين البعثةالسياسية وقانون الكونغرس الامريكي، وكتابة دستور جديد يبعد كليا الجيش عن السياسة ويستنكف ان يعطيه حتى دور حمايا لدستور كما يتطلع بعض كبار الضباط.. هذا إضافة للقضاء على المعارضة السياسية وخصوم الكتلة الليبرالية الحاكمة الآن تحت فصل العقوبات في قانون الكونغرس لكل من يعرقل عملية الانتقال السياسي.
هذه القراءة لا تنكر التعاون الإيجابي للدول مع بعثات الأمم المتحدة لتحقيق الأهداف الوطنية خاصة للدول الخارجة من النزاعات، ويحق للسودان كدولة عضو في الأمم المتحدة ان يطلب دعم المنظمة لإنفاذ مشروع الانتقال السياسي وتحقيق السلام وحشد الدعم الدولي والاقتصادي. لكن في المقابل فإن التوسع في التفويض الممنوح للبعثة السياسية أثار غبارا كثيفا، وقد استوفت الدراسة السياسية والفنية التي قدمها السفير ومندوب السودان الدائم السابق عمر دهب ( البعثة المقترحة على ضوء تقرير الامين عن البعثات الخاصة ) ( السوداني 13 مايو2020) أنه على ضوء تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بشأن بعثات السلام الدولية فإن أنماط البعثات ( المساعي الحميدة والوساطة ،لجان الجزاءات، والبعثات السياسية الميدانية) ، و ان ما يتحكم في اختيار نمط البعثة خاصة السياسية الميدانية : ( يعتمد على المطلوبات واحتياجات السلطات الوطنية). وقال يجب متابعة تعاطي الأطراف المعنية داخل مجلس الامن والأمانة العامة مع وثيقتي الحكومة السودانية لمجلس الامن، لأن اختيار طبيعة البعثة وتغيير
مهامها تتحكم فيها تقديرات المنشئ للولاية، و ( اذا لم تخرج مواقف الأمم المتحدة واستجابتها عما ورد في الوثيقتين). ولو استبقت الحكومة تقديم هذا الطلب بحوار سياسي مجتمعي عريض وشفاف ربما خففت من غلواء الرفض. لأنه يصعب أن تحقق البعثة أهدافها في ظل استقطاب سياسي حاد، وتنازع وطني عميق وتصدعات كبيرة خلخلت وأضعفت تماسك الجبهةالداخلية.
وزبدة القول هنا انه لا يمكن النظر لمشروع انشاء بعثة سياسية وفقا لقرار مجلس الأمن المرتقب استجابة لطلب رئيس الوزراء ، بمعزل عن قانون الكونغرس الامريكي، وما صحب ذلك من ردود فعل وطنية، وما أفرزه من حوار ومراجعات ومناظرات قلمية بين فسطاطين. فسطاط جبهة الرفض والمقاومة وفساط جبهة الدعم والمساندة.
وبالتالي يستكمل مشروعي القرار والقانون تمظهرات الموقف الدولي الكلاسيكي وهو ضرورة توافق الكتلة الاوروبية وتوجهات الادارة والكونغرس الامريكي لتشكيل مستقبل المشهد السياسي في السودان.
يهدف المشروعان ( الاوروبي) انشاء بعثة سياسية بقرار من مجلس الامن و ( الأمريكي) قانون الكونغرس لدعم الحكم المدني خلال الفترة الانتقالية لإعادة بناء الدولة السودانية وتشكيل تفاعلات القوى السياسية، وحشد الإرادة الوطنية والموقف الدولي تجاه إنفاذ مشروع الانتقال السياسي تحت قيادة حكم مدني تتحكم في مقاليده القوى الليبرالية الحاكمة، من خلال تطبيق الوثيقةالدستورية وتجفيف النزاعات وتحقيق السلام .
يهدف المشروعان اضافة الى ذكر اعلاه، إلى تقوية طرف واحد في العملية السياسية بما أسمته ( الحكومة المدنية التي تقود الفترة الانتقالية).وإهمال بقية أطراف المعادلة السياسية في السودان.
وحتى نجري مقارنة موضوعية حول التقاطعات والمشتركات بين مشروع قرار مجلس الأمن ومشروع قرار الكونغرس الامريكي نستعرض أهم ملامح المشروعين ثم نجري المقارنة بينهما.
أولا: مشروع قانون الكونغرس الأمريكي:
أعلن النائب إليوت أيجل رئيس لجنة الشئون الخارجية في مجلس النواب يوم 6 مارس الماضي تقديم مشروع قرار امام الكونغرس باسم ( قانون التحول الديمقراطي والمحاسبة والشفافية المالية) بالرقم HR6094 للعام 2020. وهو مشروع قانون تم بالتوافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي ويعكس وجهة نظر الكونجرس في مجمل التطورات السياسية في السودان عقب سقوط نظام الإنقاذ.
ويهدف القرار من خلال الإجراءات والتدابير القانونية والتنفيذية الواردة فيه إلى تقديم الدعم للحكومة المدنية والسياسات الإصلاحية خلال الفترة الانتقالية. مع انتهاء تدابير وإجراءات تحدد أولويات المساعدات المقترحة من خلال أولويات دعم النمو الاقتصادي، ومنع و تقليل حدة النزاعات. ويتضمن مشروع القرار حزمة إجراءات لفرض عقوبات موجهة ضد الأفراد كما سيأتي ذكرها لاحقا.
اشتمل مشروع القرار على التدابير والإجراءات التالية:
أولا: تقديم الدعم للحكم الديمقراطي،و إنفاذ حكم القانون وحماية وتعزيز حقوق الإنسان وإقامة انتخابات حرة ونزيهة.
ثانيا: دعم برامج التنمية، بما في ذلك خلق فرص اقتصادية للشباب وكذلك للمواطنين في المناطق المهمشة.
ثالثا: دعم السلام والاستقرار وتقليل حدة النزاعات، بما في ذلك تقوية جهود مراقبة وإصلاح أجهزة الأمن والمخابرات.
رابعا: دعم جهود إعفاء الديون من قبل المؤسسات المالية الدولية شريطة وفاء السودان بالشروط والمطلوبات المتعلقة بشفافية الإجراءات وسلامة السياسات المالية.
خامسا: دعم جهود الحكومة في استعادة الأموال المنهوبة.
سادسا: فرض عقوبات على الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان واستغلال الموارد الطبيعية للبلاد أو المتورطين في تعويق الانتقال السياسي في السودان.
سابعا: يطلب الكونجرس من الإدارة الأمريكية تقديم استراتيجية تنفيذية لدعم الحكومة المدنية خلال الفترة الانتقالية في السودان.
ثانيا: الأهداف الاستراتيجية للبعثة السياسية في السودان:
ورد في مسودة قرار مجلس الأمن ( المسودة الاولى) التي قدمتها كل من بريطانيا وألمانيا، في الفقرة الأولى العاملة أن الأهداف الاستراتيجية للبعثة السياسية في إطار دعم الانتقال السياسي و الحكم الديمقراطي والسلام المستدام ما يلي:
1- دعم جهود الحكومة السودانية لتطبيق الوثيقة الدستورية بما في ذلك المراقبة والتقرير بشأن التقدم المحرز لمجلس الأمن.
2- تقديم العون الفني لعملية كتابة الدستور ، التحضير للانتخابات، دعم الإصلاح القانوني والقضائي وإصلاح القطاع الأمني.
3- دعم عملية السلام.
4- دعم عملية السلام المرتقبة بموافقة الأطراف، بما في ذلك المحاسبة،العدالة الانتقالية،ومراقبة وقف إطلاق النار، وإعادة التسريح والدمج بالتركيز على مناطق النزاعات في دارفور والمنطقتين.
5- بناء السلام بما في ذلك حماية المدنيين ، تقوية آليات حقوق الإنسان وحكم القانون.
6. دعم إجراءات بناء السلام بما في ذلك منع النزاعات القبلية والمصالحات، وجمع السلاح تقوية حكم القانون، وتقديم حلول مستدامة بما في ذلك قضية النازحين واللاجئين.
7- حماية المدنيين بما لا يتعارض مع جهود الحكومة، ويتضمن ذلك نشر المكون الشرطي، في مناطق النزاعات ومراقبة أوضاع حقوق الإنسان، والتقرير بشأنها بما في ذلك العنف الجنسي والجرائم المرتكبة ضد الأطفال.
8- حشد الدعم الاقتصادي والتنموي وتنسيق المساعدات الإنسانية.
9- دعم وتنسيق التعاون مع المؤسسات المالية والتنسيق الفاعل والمتكامل مع وكالات الأمم المتحدة .
10- اتخاذ الإجراءات اللازمة تحت الفصل السابع لحماية موظفي الأمم المتحدة ودورها وأجهزتها ومهماتها وتسهيل وتأمين حركة البعثة وتأمين الموظفين والأفراد.
11- نشر قوات شرطية لا تتجاوز 2500 شرطي وكتيبة من قوات التدخل السريع خاصة في مناطق النزاعات لحماية المدنيين.
التقاطعات بين مشروعي قرار مجلس الأمن وقانون الكونغرس الأمريكي:
درج الكونغرس و الإدارة الأمريكية على إصدار قوانين أو أوامر تنفيذية لدعم اهداف وسياسات وتوجهات الولايات المتحدة في مناطق مختلفة من العالم بما يتسق مع قرارات مجلس الأمن.
مثال لذلك القانون الذي أصدره الكونغرس الامريكي HR4644 في دورته رقم 116 الصادر في 11 أكتوبر 2019 بشأن دعم الاستقرار في ليبيا وتعزيز الحلول السياسية والدبلوماسية.
والمتفحص لفحوى هذا القانون يجده اضافة لتحقيق أهداف واولويات الولايات المتحدة خاصة محاربة الإرهاب ومنع الحركات المتطرفة استغلال الأوضاع في ليبيا لشن هجمات إرهابية ضد المصالح الأمريكية في المنطقة، يهدف الى دعم اهداف البعثة (يونسيل) السياسية الأمنية في ليبيا التي تشارك الولايات المتحدة القناعة وفقا لقرار مجلس الأمن بضرورة الحلول السياسية بين الفرقاء الليبيين. شكل القانون دعما سياسيا كبيرا لمهمة البعثة السياسية الميدانية ( يونسيل) بقيادة غسان سلامة في حينها.
إضافة الى ذلك سبق وان أصدر الرئيس الأمريكي في 19 أبريل 2016 أمرا تنفيذيا بالرقم 13726 بشأن ليبيا تتضمن تجميد أصول وفرض عقوبات موجهة ضد بعض المسئولين الليبيين.
والأمر التنفيذي الأمريكي صدر أيضا لتعزيز الجهود الدولية . وتقرر الولايات المتحدة في هذا القانون ان الحل السياسي السلمي عبر التفاوض هو ما يخدم مصالح الولايات المتحدة وليس الحل العسكري.
ذكرت فقط النموذج الليبي لأعيد التأكيد ان الولايات المتحدة لا تصدر من الكونغرس ( قوانين) ومن الإدارة ( أوامر تنفيذية) تتعارض مع قرارات مجلس الأمن في البلدان ذات الاهتمام المشترك. بل تصدر هذه القوانين والقرارات لدعم أهداف البعثات السياسية الأممية الخاصة بما في بعثات حفظ او بناء السلام تحت الفصلين السادس والسابع.
في ذات السياق قالت نائبة المندوب الدائم للولايات المتحدة في نيويورك شيريث نورمان شاليه في مداولات مجلس الأمن يوم 24 ابريل 2020 لإنشاء البعثة السياسية . وذكرت في تصريحات أن البعثة الجديدة التي تصل الخرطوم في مايو مهمتها دعم رئيس الوزراء وحكومته المدنية، مضيفة أن الدعم سيشمل السلام، الإصلاح الدستوري، الانتخابات وإجراء التعداد السكاني.
إذن يقودنا الجدل النظري لفرضية اساسية وهي أن مشروع قرار مجلس الأمن بعد موافقة المجلس على طلب حكومة السودان في 24 أبريل الماضي لإنشاء البعثة السياسية، ومشروع قانون
الكونغرس الامريكي في 6 مارس الماضي يعتبران في الأصل مشروعا واحدا وان اختلفت جهات إصداره. فمشروع قرار مجلس الأمن يمثل ( الوجه الأوروبي) تحت مظلة الشرعية الدولية، وقانون الكونغرس ( الوجه الأمريكي ) للمشروع تحت ثقل واشنطون الدولي وخصوصية تأثيرها على القضية السودانية. هذا المشروع الموحد يستهدف إعادة تأسيس وهيكلة الدولة السودانية، وتقديم الدعم والمساندة للقوى السياسية الليبرالية التي تمثل مشروع الثورة السودانية.
ومشروع قرار مجلس الأمن ومشروع قانون الكونغرس يشتركان في الدوافع والأهداف، ويختلفان قليلا في الوسائل والأدوات.
كما ذكرت من قبل فإن اهم سمة في طبيعة مشروع قرار مجلس الأمن وقانون الكونغرس هو سمة إصلاحية محاسبية وتحكمية. اي ان مخرجاته محددة سلفا بغض النظر عن تعدد وجهات النظر الوطنية.
reformation, accountability, managed and controlled transformation
يشترك المشروعان في تحقيق خمسة أهداف استراتيجية، وتختلف مهمة البعثة السياسية بحكم طبيعة مهمتها الفنية في ثلاثة محاور. ويتميز قانون الكونغرس لتحقيق ثلاثة أهداف ليست من
صميم ولاية البعثة السياسية.
وينتظر الكونغرس أن ترفع له الإدارة الأمريكية خطة وبرنامج عمل لتنفيذ الأهداف الواردة في القانون. بما يعني ان الآليات والموارد والوسائل والأدوات التنفيذية سيرد وصفها تباعا في خطة
العمل التي سترفعها الإدارة للكونغرس الأمريكي لاحقا.
في الوقت الذي تؤكد فيه مسودة مشروع قرار مجلس الأمن أن الهدف الاستراتيجي الأول هو تقديم الدعم وإنقاذ الوثيقة الدستورية. وهي وثيقة سياسية وطنية بين شريكي الحكم ( الحرية والتغيير والمجلس العسكري). في مقابل ذلك يركز قانون الكونغرس على تقديم الدعم للحكم الديمقراطي وحكم القانون وحماية وتعزيز حقوق الإنسان.
سكت القانون الأمريكي صراحة عن تقديم عون قانوني لعملية كتابة الدستور بالصورة التي نص عليها مشروع قرار مجلس الأمن ضمن هدفه الأسمى في الإصلاح القانوني والقضائي. في
المقابل نص قانون الكونغرس على دعم حكم القانون وحماية وتعزيز حقوق الإنسان والحكم الديمقراطي. لكن حسب تجارب العون الفني السابقة في مجال كتابة الدستور فإن المؤسسات
القانونية الأوروبية هي الأكثر تفاعلا وارتباطا بعملية الإصلاح القانوني خاصة معهد ماكس بلانك الألماني الذي قدم برامج متنوعة للتدريب والعون الفني في مجال الإصلاح القانوني وكتابة
الدستور، وكذلك معهد كلينغندال الهولندي. ولعل المعنى الخفي للإصلاح القانوني هو مواءمة التشريعات الوطنية مع الصكوك الدولية لحقوق الإنسان بما في ذلك إزالة القوانين الإسلامية خاصة
إسقاط مادة الردة في القانون الجنائي وإسقاط حكم الإعدام بما يتوافق مع البرتوكول الإضافي للحقوق السياسية والمدنية. ورحب المجتمع الدولي في هذا الصدد بالتعديلات القانونية بما يسمى
العقوبات المهينة للمرأة الواردة في القانون الجنائي وقانون النظام العام. وتجريم ختان الإناث.
خصص قرار مجلس الأمن إنفاذ مطلوبات الإصلاح القضائي وهو ما سكت عنه قانون الكونغرس. وتعتبر القضائية سلطة مستقلة عن الجهاز التنفيذي، ولا شك أن إصلاح القضاء هو مهمة وطنية وسيادة بامتياز ، ستترك التدخل في شأنها وإصلاحها بواسطة بعثة سياسية أممية ندوبا في جسدها المنهك للاستقطاب الحاد ومحاولة إخضاعها القسري لنفوذ وسلطات الجهاز التنفيذي أو الدائرة القانونية للحاضنة السياسية للحرية والتغيير.
يشترك المشروعات في هدف إصلاح القطاع الأمني والمخابراتي. وقد سبق وأن عبرت مدير وكالة المخابرات المركزية في مقابلته لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك أثناء زيارته إلى واشنطون رغبة أمريكا في التعاطي المباشر في عملية إصلاح المنظومة الأمنية. وترغب واشنطون في هذا الصدد أن تجد تعاونا أكثر في مجال مكافحة الإرهاب وهي احد محاور شروط التطبيع بين البلدين. وهناك تسريبات قوية ان قوات التدخل السريع المقترحة ضمن مهام البعثة السياسية ستشتمل على مكونات ووحدات قوية لمكافحة الإرهاب. سيما وأن قيادة ( الافريكوم) الأمريكية التي تنشط في ستة محاور في افريقيا جددت اهتمامها بمنطقة التقاطعات بين ليبيا والقرن الأفريقي لمنع انتشار الحركات الإرهابية، ومنع أي تحالف بين الشباب في الصومال وداعش في ليبيا
وبوكو حرام في نيجيريا والمحيط الأفريقي. ويمثل السودان أحد أضلاع المثلث لمكافحة الإرهاب في هذه المنطقة.
في الوقت الذي تختص فيه البعثة السياسية بعملية إدارة التعاون والتنسيق مع المؤسسات المالية الدولية وحشد الدعم التنموي والاقتصادي الدولي، أشار قانون الكونغرس الى أن الولايات المتحدة ستساعد على تطبيع العلاقات مع المؤسسات المالية الدولية واشترطت لعملية إعفاء الديون وفاء السودان بمطلوبات شفافية السياسات والإجراءات المالية. وتعني واشنطون مصادقة السودان على بعض الاتفاقيات الدولية منها منع غسيل الأموال ومكافحة الفساد وتمويل الأعمال الإرهابية وغيرها. أخر من الإجراء وجود ضعف فني واضح في البنك المركزي يستلزم الدعم
والمعالجة.
ويتفق المشروعان مرة اخرى على دعم عملية السلام، لكن تتحمل البعثة السياسية أعباء تنفيذ الترتيبات الأمنية في فصل القوات، وتحديد أماكن التجمعات والتسريح والدمج وجمع السلاح وغيرها. وكذلك إيجاد معالجات جذرية ومستدامة للنازحين واللاجئين.
ولا شك أن تحقيق السلام يحتاج إلى التأثير والنفوذ الأمريكي لإقناع أطراف التفاوض بإجراء التنازلات اللازمة من أجل السلام وان تكون واشنطون ضامنا دوليا لاتفاقيات السلام المرتقبة.
لم يذكر قانون الكونغرس أي دور لواشنطون لحماية المدنيين أو نشر قوات شرطية أو عسكرية، وهي مهمة خالصة للبعثة السياسية.
يتميز قانون الكونغرس بأهداف ومهام ليست من اختصاص البعثة السياسية وهي:
أ. استرداد الأموال المنهوبة.
ب. فرض عقوبات موجهة ضد الأفراد المتورطين في انتهاكات حقوق الإنسان أو استغلال الموارد الطبيعية أو تعويق عملية الانتقال السياسي.
ج. ربط برامج التنمية بتوفير فرص اقتصادية للشباب ومواطني الهامش.
يقول الدكتور الدرديري محمد أحمد وزير الخارجية السابق في مقاله المنشور تحت عنوان ( قراءة في مشروع البعثة الأممية في السودان) المنشور في ( السوداني الدولية 15 مايو 2020 )
) :سبق ان نبهنا ان إصلاح القطاع الأمني هو بيت القصيد. بل قلنا ان الدافع الرئيس وراء استقدام البعثة هو الاستجابة لانشغالات الفصائل المسلحة المتعلقة بالدعم السريع، كما اوضح لاكروا مساعد الأمين العام للأمم المتحدة نقلا عن حمدوك في اكتوبر 2019، هذا من جهة. ومن جهة اخرى تهيئة القوات المسلحة للانتقال من مرحلة الشراكة إلى مرحلة الاقصاء الكامل عند انتقال
رئاسة المجلس السيادي للمدنيين).
انتهي تعليق د. الدرديري.
إضافة إلى ما ذكره د. الدرديري أن المقصود بالإصلاحات الأمنية إقصاء المكون العسكري خاصة الدعم السريع حسب انشغالات وشكاوى حركات الكفاح المسلح، فإن قانون الكونغرس قرر فرض عقوبات على ما أسماه منتهكي حقوق الإنسان ومن عمل على استغلال الموارد الطبيعية في السودان لمنفعته وتحقيق الثراء الشخصي. يأتي هذا التحديد لتصويب النظر والاتهام لقوات الدعم السريع التي شاع عنها استثمارها في قطاع الذهب قبل تقنين الأمر بواسطة وزارة المالية مؤخرا.
ويصبح الأمر الأكثر ازعاجا للقوى السياسية خارج منظومة الكتلة الليبرالية الحاكمة هو فرض عقوبات على ما أسماه القانون بالمعوقين للانتقال السياسي الديمقراطي، وهو يشمل قوى سياسية وحركات مسلحة. وهو هدف فضفاض لا يمكن ضبطه وإلا بتعريفات دقيقة ومعيارية شاملة. لكنها في كل الأحوال تبقى سيفا مسلطا على رقبة القوى السياسية المعارضة لمشروع الحرية والتغيير في الحكم.
خلاصة القول في هذا المضمار ، أن مشروع قرار مجلس الأمن لإنشاء بعثة سياسية و قانون الكونغرس الامريكي لتقديم الدعم للحكم المدني والانتقال السياسي يعتبر مشروع مارشال سياسي (اوروبي، أمريكي) في قلب افريقيا. إضافة لتقديم الدعم للحكم المدني الذي شرحناه سابقا . فإنه يهدف الى إحداث تغييرات جذرية في بنية السياسة السودانية، من خلال تمكين الكتلة الليبرالية الحاكمة من مقاليد السلطة لعقود قادمات، وإنهاء دور العسكر في السياسة السودانية، وإخضاع المنظومة الأمنية لعملية إصلاحية جذرية تشمل ضمن أشياء اخرى إعادة صياغتها وتغيير عقيدتها القتالية، وخضوعها للقيادة السياسية المدنية، وإشراك الحركات المسلحة في دورة الحكم رغم ان المشروعين سكتا عن مهام دعم الحركات لإكمال التحول من مليشيات مقاتلة إلى حركات سياسية مدنية تؤمن بالتبادل السلمي للسلطة عن طريق التنافس الديمقراطي.
أهم أهداف إصلاح المنظومة الأمنية، هو نزع التوجهات العدائية ضد دولة إسرائيل والتي فرضتها طبيعة التدريب وتراث المواجهات القديمة باعتبار ان إسرائيل عدو مركزي للسودان. وتوجهات العقيدة القتالية والتربية الوجدانية والصياغة المعنوية للجندي السوداني. وهو ما يكمل مشروع التعاون والتطبيع السياسي الذي بدأ بمقابلة البرهان نتنياهو في عنتبي
بيوغندا. وإدخال السودان التدريجي في تسويات صفقة القرن.
ويبقى السؤال: هل القوى الليبرالية الحاكمة الآن لديها القدرة والأفق السياسي والتماسك الداخلي لإنفاذ مشروع التحول الديمقراطي والتحكم في مقاليد الحكم والسلطة لعقود قادمات؟
لعل التحدي الأول لهذه الكتلة هو تحدي بنيوي، بمعنى هل هي كتلة ليبرالية حقيقية تقوم على منظومة قيمية وثقافة سياسية راسخة على مبادئ الديمقراطية الليبرالية، ام أنها مسوح وقشور
ليبرالية على مستوى الشعارات والريطرويقيا ولا تعبر عن قناعات وثقافة متجذرة؟ سيكون ذلك على المحك عندما تبدأ إجراءات التحول الديمقراطي الحقيقي وإنشاء وبناء المؤسسات وترسيخ جذور الثقافة الديمقراطية، وكذلك قدرة هذه القوى على التماسك الداخلي والعبور بالفترة الانتقالية إلى التطلعات المنشودة.
هذا ما ستجيب عليه الأيام، فقد اكتملت أركان الدعم الخارجي من خلال مشروع قرار مجلس الأمن بإنشاء البعثة السياسية وقانون الكونغرس لدعم الحكم المدني والانتقال السياسي، لكن هل
القوى السياسية قادرة على إدارة تحديات الفترة الانتقالية والبناء الديمقراطي حتى لا تتكرر الدورة الخبيثة في تاريخ السودان الحديث مرة أخرى؟
وهل ستساعد على إنشاء معارضة سياسية ناضجة ومسئولة تتقيد بالدستور ، ام تحاصرها بالإجراءات التعسفية وتسييس العدالة وتتركها نهبا لعقوبات قانون الكونغرس تحت ظلال اتهامات
تعويق الانتقال تعويق الانتقال السياسي؟.
هناك بصيص أمل اذا ارتقت النخبة السودانية لمهام المسئولية الوطنية والحس التاريخي. لكن تهزمها شواهد التاريخ التي تضعف مصداقية النخب في التصدي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.