تيم هندسي من مصنع السكر يتفقد أرضية ملعب أستاد حلفا الجديدة    وزير الشباب والرياضة شمال كردفان يهنئ بانتصارات فرق الولاية    خالد بخيت يصل عطبرة    مِين فينا المريض نحنُ أم شريف الفحيل؟    برشلونة يستفز ريال مدريد بقميص مخصص للكلاسيكو القادم    إسحق أحمد فضل الله يكتب: (كلام للغد)    الفاشر- كيف يهادن من يدافع ؟!    إحساس الأمم المتحدة بالذنب تجاه قضية دارفور عامة ومدينة الفاشر خاصة هو المحرك الرئيس لتقديم المساعدات    حادثة هزت مصر.. تفاصيل حزينة لمأساة "فتيات العنب"    إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!    تواصل الحملة الكبري لتأهيل ونظافة ملعب استاد شندي    وفد السودان يشارك في إجتماعات المنظمة الأفريقية للتقييس بزنجبار    مصري يطلق الرصاص على زوجته السودانية    تعثّر المفاوضات بين السودان وجنوب السودان بشأن ملف مهم    جار التحقيق في الواقعة.. مصرع 19 شخصًا في مصر    معمر إبراهيم ظل صامداً وصابراً ومرابطاً داخل مدينة الفاشر يتابع تفاصيل مايجري هناك    هدنة إنسانية لمدة أسبوع في محلية الفاشر دعما لجهود الأمم المتحدة وتسهيل وصول الاغاثة    تأهل الهلال السعودي.. مواجهات نارية في ثمن نهائي مونديال الأندية    لاحظت غياب عربات الكارو .. آمل أن يتواصل الإهتمام بتشميع هذه الظاهرة    كيف نحمي البيئة .. كيف نرفق بالحيوان ..كيف نكسب القلوب ..كيف يتسع أفقنا الفكري للتعامل مع الآخر    تفاصيل موافقة تشاد على إجراء امتحانات شهادة الثانوية للاجئين السودانيين بأراضيها    د. ياسر يوسف إبراهيم يكتب: فرص نجاح حكومة السودان الجديدة    السودان..قرار جديد لكامل إدريس    بموجب اتفاق التجديد.. صديق رونالدو يتولى صفقات النصر!    القبض على حكم أثناء مباراة كرة قدم    شاهد بالفيديو.. الفنانة فهيمة عبد الله تغازل عازفها الجديد في إحدى حفلاتها الأخيرة وجمهورها يرد: (مؤدبة ومهذبة ومحتشمة)    شاهد بالصورة.. الإعلامية السودانية الحسناء شيماء سعد تثير الجدل على مواقع التواصل بالبنطلون "النمري"    شاهد بالفيديو.. الفنانة اليمنية الحسناء سهى المصري تخطف الأضواء على مواقع التواصل السودانية بعد تألقها في أداء أشهر أغنيات ثنائي العاصمة    فوبيا الطيران تجتاح العالم.. الصواريخ والطائرات المسيّرة تثير فزع المسافرين    ميسي يتصدر قائمة أعلى الرواتب في الدوري الأمريكي لعام 2025    قوات إسرائيلية في إيران.. زامير يكشف "مفاجأة ما بعد الحرب"    تراثنا في البازارات… رقص وهلس باسم السودان    يعني خلاص نرجع لسوار الدهب وحنين محمود عبدالعزيز..!!    الخرطوم.. "طوق أمنيّ" في"الجقب" والحصيلة مرعبة    مكافحة المخدرات بولاية بالنيل الابيض تحبط محاولة تهريب حبوب مخدرة وتوقف متهمين    استدعاء مالك عقار .. لهذا السبب ..!    إدَارَة المَوهِبَة بَينَ نميرِي والترَابي ومِيسي ورونالدو    إيران فقدت الكثير من أوراق اللعبة التي كانت بيدها .. ووقعت ضحية لموجة تضليل أمريكي إسرائيلي    "سيستمر إلى الأبد".. ترمب يعلن بدء وقف إطلاق نار شامل بين إسرائيل وإيران    هل كان أمير قطر علي علم مسبق بنية إيران إرسال صواريخها الباليستية إلي قاعدة العديد ؟!    مزارعو القضارف يحذرون من فشل الموسم الزراعي بسبب تأخير تصاديق استيراد الوقود    إيران ترد على القصف الأمريكي بعملية عسكرية    قوات الجمارك مكافحة التهريب بكريمة تضبط كميات كبيرة من المخدرات    أسهم الخليج تتجاهل الضربة الأمريكية    التلاعب الجيني.. متى يحق للعلماء إبادة كائن ضار؟    هل ستتأثر مصر في حال ضرب المفاعلات النووية؟    السودان.. كامل إدريس يعلن عن 22 وزارة    نص خطاب رئيس مجلس الوزراء "كامل ادريس" للأمة السودانية    30أم 45 دقيقة.. ما المدة المثالية للمشي يومياً؟    لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد المواجهة بين إيران وإسرائيل؟    وزارة الصحة تتسلّم (3) ملايين جرعة من لقاح الكوليرا    "أنت ما تتناوله"، ما الأشياء التي يجب تناولها أو تجنبها لصحة الأمعاء؟    ماذا يفعل كبت الدموع بالرجال؟    المباحث الجنائية المركزية ولاية الجزيرة تنفذ حملة أمنية كبري بالسوق العمومي وتضبط معتادي إجرام    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    ما هي محظورات الحج للنساء؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إبراهيم شقلاوي يكتب: خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير!
نشر في النيلين يوم 28 - 06 - 2025

حين يعلو صوت البندقية على كل الأصوات، وتُمحى الملامح الثقافية أمام زحف الحرب فإن التاريخ يصنعه الجند إلى جانب المبدعون الأذكياء، بين ذاك وتلك يطل سؤالنا: أين المبدعون السودانيون؟ أولئك الذين لطالما شكّلوا وجدان الأمة السودانية، ومهّدوا بالكلمة واللحن والمسرح دروب الوطنية وبناء الوعي.
فمنذ اندلاع الحرب المخزية في 15 أبريل 2023، تشهد البلاد واحدة من أقسى مراحلها، أزمة وجودية تهدد الهوية وتعيد صياغة المجتمع السوداني وفق معادلات جديدة . في هذا المشهد المكتنف بالتحدي، تبدو الساحة الثقافية خالية من تلك الأصوات التي اعتدناها في لحظات الانعطاف الوطني، وكأنّ التعب قد نال منهم وفقدوا الانتباهة والوعي باللحظة التاريخية.
غياب المبدع السوداني عن مشهد الحرب والمحنة مثل فراغ في لحظة تستدعي الحضور أكثر من أي وقت مضى. فقد علّمنا تاريخ السودان أن الكلمة كانت دومًا جزءً من النضال الوطني ، وأن الأغنية كتبت ما عجزت عنه الصحف، والمسرح قال ما لا تجرؤ عليه المنابر. في زمن الثورة، لم يكن الشارع ليشتعل دون صوت محمد الأمين، ولا كانت الذاكرة لتحتفظ بالحلم دون قصائد محمد المكي إبراهيم .
وفي لحظات التراجع، كتب حسين أونسة "عزيزٌ أنت يا وطني برغم قساوة المحن"، لتصبح كلماته وقود لأجل استعادة الثقة. لم يكن الشعر ترفاً ولا الأغنية تسلية، بل كانت سلاحًا في معركة الكرامة التي أعزت السودانين اصحاب الفكرة والتدبير ، كما كانت طريقًا لرأب الصدع حين توارت القيم التي توحد شتات الناس.
غير أن هذا الغياب لا يُفهم إلا بمقارنة تجارب شعوب أخرى مرت بالمأساة ذاتها، ونجحت، إلى جانب البندقية في حفظ الأوطان ، بمداد المبدعين. تجربة رواندا تظل شاخصة نستلهم منها الدروس والعبر ،و التي شهدت في عام 1994 واحدة من أبشع الإبادات الجماعية في العصر الحديث، تُظهر كيف يمكن للكلمة أن تصبح جسراً للعبور للمستقبل.
في مجتمع تمزقه الانتماءات الإثنية، تحوّل الفن إلى أداة للمكاشفة والاعتراف، استخدم المسرح ليحكي ما لا يُقال، وليروي قصص الناجين والجلادين في لحظة واحدة، فكانت الخشبة أكثر صدقاً من منصات العدالة الدولية، وأكثر فاعلية في بناء الذاكرة المشتركة. هذه التجربة، التي جعلت من الإبداع مكوناً في عملية المصالحة، تصلح كنموذج قريب من الحالة السودانية، إذ لا يختلف المشهد كثيرًا من حيث طبيعة الانقسامات أو عمق الجراح.
في رواندا لم تُصنع الهوية الوطنية في غرف السياسة وحدها، بل في الفضاء الثقافي الذي أعاد بناء الإنسان. وكذلك الحال في لبنان، البلد الذي عرف حربًا أهلية امتدت لخمسة عشر عامًا. هناك كان المسرح السياسي والموسيقى والسينما منصات لطرح الأسئلة المؤجلة: من نحن؟ ولماذا احترق هذا البلد؟ لقد لعب فنانون وطنيون امثال فيروز و زياد الرحباني دورًا فريدًا في زعزعة السرديات الطائفية، بلغة تسخر من العبث وتعري تناقضات الواقع. وبينما فشل السياسيون في علاج الانقسام، ظل الفن ملتقي اللبنانيون دون أن يسألوا عن طائفة أو دين.. فقد اجتمعوا علي حب الوطن.
لبنان ورواندا، كلٌ بطريقته، أثبتا أن المبدع لا يأتي بعد انتهاء المعركة، بل قبلها وأثناءها وبعدها. وأن الإبداع ضرورة وجودية في لحظات التصدع. وهذا هو الدرس الأهم الذي ينبغي أن يستوعبه المبدعون السودانيون اليوم. فالشعب لا ينتظر منهم تهويمات شاعرية أو عزفًا خارج السياق، بل خطابًا فنياً يُعيد توحيد الذاكرة الممزقة، ويكتب ما تهابه النشرات الإخبارية.
إن السودان بما يحمله من تنوع ثقافي، ليس في حاجة إلى نخب سياسية متصارعة بقدر ما يحتاج إلى مخيلة جديدة، وإلى سردية تعيد تشكيل ما تمزق من نسيجه الاجتماعي، بلغة الوطن الذي يسع الجميع. يحتاج إلى أغنية تواسي مدني وهي تصمد، وقصيدة تنقذ الخرطوم من الغرق في التناقضات، ومسرحية تلمّ شتات كردفان ودارفور التي اوشكت ان تمضي لغير رجعة.
هذا وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة وفي ضوء ما يمر به السودان من تحولات، فإن إعادة تأسيس الدولة السودانية لا يمكن اختزالها في المسارات السياسية أو الأمنية وحدها، بل تتطلب استنهاض القوى المنتبهة المبدعون جزء منها ، كتاب ومسرحيين وشعراء وفنانين. فهؤلاء ليسو ناقلي مشاعر أو مؤرخي أحداث، بل فاعلون في تشكيل الوعي الجمعي، و الذاكرة الثقافية، ومهندسو للخيال الوطني.
إن المسرح الذي يعرّي بنية العنف، والشعر الذي يستبطن الألم ويحوّله إلى أمل، والفن الذي يوحّد الشارع عندما تعجز السياسة، هي أدوات لا تقل أهمية عن أدوات التفاوض والمصالحة والعدالة الانتقالية. ومن هذا المنطلق، فإن ضمان بقاء السودان كفكرة جامعة ومشروع وطني ناهض قابل للاستمرار، مرهون بمدى قدرة نخبه الإبداعية على إعادة إنتاج السرد الوطني، وصياغة خطاب منتج يعبر عن التنوع، ويجسر الهوة الاجتماعية.. ذلك خميس الفكرة والنغم وتقرير المصير.
دمتم بخير وعافية.
إبراهيم شقلاوي
الخميس 26 يونيو 2025 م [email protected]
script type="text/javascript"="async" src="https://static.jubnaadserve.com/api/widget.js" defer data-deferred="1"
إنضم لقناة النيلين على واتساب
مواضيع مهمة
ركوب الخيل لا يناسب الجميع؟ أيهما أصعب تربية الأولاد أم البنات؟ جسر الأسنان
هل تعقيم اليدين مفيد؟ الكركم والالتهابات أفضل زيوت ترطيب البشرة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.