الأسرة السودانية كغيرها من دول العالم نجد هناك ما يميزها من عادات وتقاليد... عن العالم حولها بالانتماء الاسري الممتد والحوش الكبير والجد والحبوبة والام والاب، والذي كان يميزنا صينية الغداء وهي ذلك المؤتمر الصغير الذي ترفع به تقارير كل افراد الاسرة طلبة وامهات وحتى الاطفال يجدون فرصهم في الحوار، إذ ينتظر افراد الاسرة الوالد على الغداء ويكون قريب جداً من ابنائه ويعايش مشاكلهم واحتياجاتهم البسيطة التي يوفرها الوالد الذي يتحمل اعباء اسره افراد اسرتها على اقل تقدير ثمانية اطفال وامهم ووالدهم في اطار الاسرة الصغيرة، إلا انه الآن منذ سنوات اختفت هذه الجلسة.. غير الدستورية لاسباب عمل الوالد المستمر من الثامنة صباحاً وحتى الخامسة مساء يرجع ويكون عنده اجتماع أو عمل اضافي اذا كان عامل ليوفر اللقمة الحلال، يأتي الابناء من الجامعات بعد صلاة المغرب بالتالي تجاوزت الاسرة وجبة الغداء لأن رب الاسرة ليس موجود في مواعيد الوجبة بالتالي يكون هنالك شيء من عدم الاهتمام بتناول وجبة الغداء حتى الاطفال عندما يعودون من مدارسهم يكتفون بوجبات خفيفة وبعدها يتسابقون مع الزمن لمشاهدة التلفزيون أو الذهاب ثانية إلى درس العصر بالمدرسة، وهكذا اختفت وجبة الغداء.. في هذا الصدد التقت (الأسطورة) بعدد من الابناء والاباء وسألناهم عن مردود هذا التغيير على الاسره فإلى مضابط الاستطلاع: التقينا اولاً بالاستاذ محمدين: والله أنا كنت في السابق احرص على وجبة الغداء مع افراد اسرتي الصغيرة حتى اكون قريباً من اولادي واعرف اخبارهم واحوالهم إلا انني الآن وبهذا الزخم الاقتصادي اسعى لتوفير مصاريفهم الدراسية والمعيشية وايجار المنزل لذلك اضحي بوجودي معهم في صينية الغداء.. والدتهم ما مقصرة... وجودي معهم حتى اكون قريب منهم يعرفوا ظروفي من خلال الحوار الذي يدور بيننا بصينية الغداء كل من يترف على احتياجات الاخر واحيانا عندما كنت اتغيب عن الغداء بيقولوا لي ابوي تعال بدري كنت اتألم كثيراً ولكن ما في طريقة. ايضاً التقينا بحمدان - اعمال حرة: والله انا كنت قبل عشرة سنين احضر الغداء بالبيت مع اولادي وذلك مرتبط بأن اذهب للبيت واحضر معي الرغيف وانا راجع واجد الصينية على التربيزة ينقصها فقط الرغيف، واولادي نهائياً لا يتناولون وجبتهم اذا أنا ما حضرت معهم الغداء، لكن الآن المشاغل كثيرة ومطالبهم اكثر واحتياجاتهم بقت تتزايد وانا ما عندي عمل ثابت وليس لدي اي ضمان احتماعي فأنا اعمل في مجال التشييد (البناء) اذا حصل لي اي شيء لا سمح الله منو يشوف لي اولادي لذلك لازم اضحي على الاقل اقدر اخطيهم عتبة الاساس والثانوي بعد ذلك ممكن هم يخففوا علي شوية. كما التقينا عبد العظيم ويعمل ميكانيكي فقال: احنا صينية الغداء دي ذاتتها نسيناها، اولاً الواحد فينا بيطلع الساعة 8 صباحاً ويرجع الثامنة مساءً على اقل تقدير مرات ثلاثة ايام انا ما بلاقي اطفالي اذهب للورشة اتركهم نايمين وارجع واجدهم نايمين وهذا يبعد الابناء عن الاباء وتحدث فجوة عاطفية غير مقصودة، وقد يغير كذلك في سلوك الابناء تجاه ابائهم نحن نعمل شنو؟. التقينا عوض الله يعمل في توزيع الحليب فقال: انا بخرج من المنزل الساعه 4 صباحاً واولادي نيام وحتى والدتهم نايمة برجع بعد توزيع الحليب الساعه 9 صباحاً يكون اولادي وهم تسعة اطفال في مراحل دراسية خمسة بالاساس واثنين بالثانوي واثنين بالروضة اجدهم ذهبوا جميعهم بعد ذلك... ارجع المنرل اوصل ليهم قفة الخضار واطلع امشي السوق لحدي الساعة 4 مساءً بعد ذلك في تمام الخامسة اذهب المزرعة وابدأ في توزيع الحليب لحدي الساعة تسعة مساء. بأي طريقة اتغدى معاهم (بس ربنا يقوينا). في هذه السانحة فتحنا مجال الابناء: تحدث لي حمادة وعمره ست سنوات قال: والله يا خالتو احنا بابا ده مشتاقين ليهو بقى ما في في البيت لما نسأل ماما تقول بابا في الشغل كل مرة بابا في الشغل طيب هو بابا ما يغير شغلو، زمان بابا بيجي يتغدى معانا ويلا بعد الغداء ارقد جنبو انا وسوسو اختي وننوم معاه يلا يصلي المغرب وبعدين ياخدنا معاهو ناس عمتو هالة ونشرب معاهم شاي المغرب وبعدين يودينا يجيب لينا ايسكريم ونرجع البيت، ولما يجي الصباح بيقول لينا بسرعة يوصلنا المدرسة لكن هسى بابا ما في والله انا مشتاق لبابا كثير يا خالتو _ هو ما مسافر لكن ... شغل. تحدثت الينا تبيان وهي طالبة ثانوي فقالت: قبل اربع سنوات كده ابوي كان بيجي يتغدى معانا واحنا بنكون مطمئنين لما ابوي يحضر معانا الغداء ويسألنا عن الحاصل شنو في المدرسة وحاجاتنا وكده لكن لأن ابوي احنا ما لاقينو ربنا يساعدو ويعينو، ابوي على طول مشغول بالمؤتمرات والاجتماعات، هذا بعد نهاية الدوام اليومي المعروف. مره كده اتفقنا انا واخواني وقررنا انو لا احد مننا ينام حتى يعود ابوي ونسلم عليه لاحظي ده لآن احنا اسبوع ما شفناهو انتظرناهو لحدي ما رجع الواحدة صباحاً وعندما وجدنا كلنا موجودون بداخل المنزل قال لينا في شنوا في حاجة فقلنا ليهو يا ابوي احنا مشتاقين والله يلا ابوي قام سلم علينا وبكى وواصلنا السهره لحدي الصباح ومنذ ذاك اليوم ابوي لازم يشرب معانا شاي المغرب إلا ان وجبة الغداء تجاوزناها كلنا واكتفينا بشاي المغرب مع ابوي. التقينا الطيب (استاذ جامعي) تحدث إلينا بعبرة يعتصرها الاسى قال: انا والله اتأسف للظروف التي بتمنع اولادي من تناول وجبة معي وحقيقة كان قبل عشر سنوات لازم اتجاوز اي شيء يمنعني من الذهاب لتناول وجبة الغداء مع الاولاد ليس لشيء ولكن لانها الوجبة التي من خلالها اتعرف على اولادي ماذا فعلوا خلال غيابي عنهم، ولكن الآن لا استطيع الزامهم بالحضور للغداء بالمنزل لظروفهم التعليمية وظروف عملي بالجامعة تتطلب ذلك ولو انني احاول احياناً اعوض من ذلك ايام الجمعة ولكنها ليست كافية. تحدثت الينا تريزا وتعمل بديوان حكومي: قصة وجود الاب ساعة الغداء .... مستحيلة لأنها تعني انه سيكون غدا مافي حق حليب ولاحق فطور مدارس وبعدين هذا يؤثر على ميزانية الاسرة لاننا نضع خطة نتاجها عدم تناول الاب وجبة الغداء مع اولاده. كذلك تحدث إلينا خالد: والله الموضوع الي انتو طارحنو ده موضوع (ظابط شديد) وانا داير اقول ليك حاجة مسألة صينية الغداء دي اصلاً في اسر كثيرة تجاوزتها لظروفها الاقتصادية ممكن يكون بنسبة 80% ما في زول بخت صينية الغداء ذي زمان سلطة خضراء اساس ورز اساس برضوا يلا يكون في طبيخ واحد وممكن سلطة اسود (بازنجان) الغداء بقى حاجة واحد ده لو ما كان سندوتشات من باقي الفطور ولا كده مثلاً زبادي بالطحنية وماتت سلطة طماطم بالدكوة ومرات كسرة بملاح الاساس ما هو الغداء بشنو لكن الصينية دي كانت بتجمعنا يعني لما يكون برنامج الرياضة شغال الحاجة بتكون بتقطع في السلطة بعد شوية تخت الملاح في النار عشان يخش ابوي يكون في الباب شايل العيش(الخبز) ومعاهو مرات برتقال ومرات موز يلا نتغدا.. الآن اقول ليك صراحة احنا لينا كم شهر كده ابوي ما لاقينو مرة صحينا من النوم الساعة 3 صباحاً وصحينا ابوي عشان نسلم عليهو. من المحررة ابوي أو بابا كما قالها البعض من الابناء هو عمود الاسرة الذي تستظل به وحمايتها من مصدات المجتمع وصمام الامان لنا جميعاً إلا انني لاحظت ان معظم الاباء شغلتهم المعيشة عن تناول وجبة الغداء مع ابنائهم، والتي يجد الابناء فيها حالة الحب والحنان الابوي المميز.. اتمنى ان ترجع صينية الغداء وتجمع كل رب اسرة مع ابنائه ولو كل واحد من الاباء خصص ساعة من زمنه لاسرته الصغيرة سوف يرجع البيت الكبير وترجع الاسرة الممتدة ونضمن الانضباط الاسري بالشارع العام والاسرة الصغيرة وربنا يجمع شمل الآباء والابناء. تحقيق/ حنان حرزاوي