قضية الشماليين بالجامعات الجنوبية واحدة من القضايا التي لم تجد مكاناً في طاولة الملفات العالقة بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وان كانت تستحق ان تنشئ لها مفوضية مثلها مثل الحدود.. لأن أهميتها لا تقل باي حال من الأحوال عن القضايا الأخرى.. ولا ندري لماذا تتجاهل الحكومة المركزية هذه القضية.. التي ظهرت افرازاتها عقب أحداث ملكال الأخيرة والمستمرة. وبالرغم من صدور قرار اللجنة العليا لمتابعة أوضاع الشماليين بالجامعات الجنوبية يوصي بعدم العودة الى الجنوب ألاّ أن ادارة جامعة أعالي النيل مارست عدة ضغوط على الأساتذة والموظفين والطلاب لاعادتهم بعدة طرق منها التهديد بفصلهم من الخدمة وأجبرت المنسوبين إليها العودة للالتحاق بامتحانات الفصل الثاني لبعض الطلاب لكن ما أن وطأت اقدامهم مدينة ملكال تفجرت الأوضاع الأمنية وهي واحد من الأسباب التي دفعت اللجنة العليا لاتخاذ قرار بعدم العودة إلى الجنوب. ------ رصاص كثيف تفجرت الأوضاع الأمنية بمدينة ملكال عاصمة أعالي النيل السبت الماضي بشكل غير مفاجيء عكس ما يرى البعض لأن السلطات هناك حسب بعض العائدين من المدينة قبل التفلت الأمني كانت قد اتخذت اجراءات أمنية بغرض حظر التجول من الثامنة مساءً حتى السادسة صباحاً قبل أسبوع من توتر الأحوال غير ان الأساتذة كما قالوا لم يكترثوا لهذه الإجراءات واعتبروها اجراءات عادية في ظل الظروف التي يمر بها الجنوب. غير أنهم تفاجأوا في الثانية من صبيحة السبت بصوت أعيرة نارية مكثف. وتقول الأستاذة إقبال سليمان - المحاضرة بجامعة أعالي النيل - انهم استيقظوا على صوت رصاص كثيف في الثانية صباحاً في استراحة الداخلية بالجامعة.. كاد الخوف يقتلنا فتجمعنا في مكان واحد وطلبنا من الزميلات البقاء تحت الأسرة خشية ان تقتحم عليهم رصاصة طائشة. مكثنا على حالنا تحت الأسرة من الثانية والنصف صباحاً تقريباً حتى الساعة الحادية عشرة قبل الظهر في وقت كان صوت الرصاص يصل آذاننا وبعد الحادية عشرة هدأت الأمور قليلاً وانخفض صوت الرصاص الى حد ما وبعده خرجنا من تحت الأسرة الى الممر وانضمت إلينا كل القاطنات بالاستراحة. وطلب منا المكوث في الممر إلى حين انجلاء الموقف وقبعنا فيه حتى الخامسة مساء بعده جاء إلينا شخص وطلب منا اخلاء الاستراحة والتوجه الى الاستراحة الخارجية بمنزل المدير. لحظات عصيبة وتقول الأستاذة نجلاء عبد الله - أستاذة التاريخ بجامعة أعالي النيل - بأنهم عاشوا أصعب لحظات حياتهم وهم يقبعون تحت الأسرة ل (20) ساعة وكنا نتوقع في أي لحظة أقتحام المسلحين للداخلية واطلاق الرصاص علينا. قلت لها: هل توقعت النجاة؟ قالت: لم نحسب انه يمكننا النجاة من تلك الأحداث لان الرصاص كان ينهمر فوق رؤوسنا وتمضي اخرى بقولها كان كل شيء يهتز حتى الأرض كانت تهتز من تحتنا - مكثنا على هذه الحال إلى الساعة (11) صباحاً لم اشعر يقدمي عندما هممت بالخروج من تحت السرير من الخوف والمكوث بوضع غير مريح وبعد البقاء في الاستراحة الداخلية من الساعة الثانية صباحاً حتى الخامسة خرجنا الى الشارع الذي كان مكتظاً بقوات الحركة باسلحتها تجوب الشوارع وبينما نحن في طريقنا الى الاستراحة الخارجية وجدنا مجموعات تتبادل اطلاق الرصاص جوار مدرسة قريبة من الجامعة ولكن الحمد للّه وصلنا الى الاستراحة بسلام. وفي اليوم التالي ذهب بعض منا الى الاستراحة لتفقد ممتلكاتهم فوجدوا بعضها نهبت من اشخاص مجهولين.. لا ندري من هم. ذكرت اقبال بأنهم ذهبوا الى الاستراحة بمنزل مدير الجامعة. فكانت السيدات يقمن بجهة والرجال بجهة اخرى بقينا هناك حتى موعد اخطارنا بالتحرك من الاستراحة الى المطار. ? هل تركتم أموالاً هناك؟ - لا.. لم نترك شيئاً كنا قد حملنا أموالنا من الاستراحة الداخلية قبل الذهاب الى الأخرى لأننا عزمنا باننا لن نعود إليها مرة اخرى. وتضيف اقبال بأن الأوضاع الأمنية بشكل عام سيئة جداً واطلاق الرصاص كان مستمراً حتى لحظة خروجنا ولا اعتقد بأنها قد تهدأ قريباً. وتقول ناهد حسين - بكلية الصحة - بأنها عادت من ملكال الى الخرطوم قبل اندلاع اعمال العنف بأسبوع تقريباً ولكنني شعرت بأن هنالك خطراً ما قد يقع للاجراءات الأمنية التي اتخذتها حكومة الولاية بحظر التجوال قاطعتها احدى زميلاتها أحمدى اللّه على أنك لم تعيشي ما عايشناه من رعب وخوف تحت الرصاص، وتستطرد هل تصدقون بأنني ل (20) ساعة لم اشعر بالجوع ولا بالعطش حتى انني لم اكن أشعر بنفسي كان تفكيري الى متى سيستمر الوضوع على هذا الحال.. تذكرت أهلي بالخرطوم وكنت أبكي وقالت ضاحكة: لن اعود الى هناك مرة اخرى ولو فصلوني ألف مرَّة. بقاء عمداء الكليات الأمر الذي جعل العاملين بالجامعة ينتقدون المدير طلبه من عمداء الكليات بالبقاء داخل الكلية ويقول الأستاذ أبوبكر أحمد بأنهم استغربوا لطلب المدير ببقاء العمداء داخل الكليات في ظل الظروف الأمنية الراهنة - واستطرد بدلاً من مساعدتهم باجلائهم وتدبير طريقة لضمان حياتهم يقول لهم ابقوا في الكليات؟!.. ويمضي ابوبكر قائلاً: لم تمد لنا ادارة الجامعة يدها في هذه الظروف القاسية ولم تحاول اخراجنا من ذلك الجحيم. وأكد د. طارق عبد العظيم عبد الحليم بسلامة اوضاع الطلاب الشماليين في الجنوب وقال بإن نحو (60) في طريقهم الى الخرطوم عبر البصات. وقال طارق بإن (31) أستاذاً شمالياً تم اجلاؤهم من ملكال عن طريق الطيران بالتنسيق بين وزارة الخارجية واليونميس. ونفى وجود اي رابط بين التصعيد السياسي وعودتهم من الجنوب واستطرد: نحن ليست لدينا علاقة بالأمور السياسية مشيراً الى انهم لن يفكروا في العودة الى الجنوب إلاّ في حال ضمان وضع أمني جيد. وقال طارق ل (الرأي العام) بأن حكومة الولاية وفرت لهم حراسة برتل من السيارات من الاستراحة حتى مطار ملكال. جثث بالشوارع وتقول وفاء خليل - أستاذ مساعد بكلية التربية - بأنهم عاشوا لحظات عصيبة اثناء وجودهم في الاستراحة الداخلية، ووصفت الاوضاع في ملكال بالمخيفة الى حد كبير وتمضي بأنهم امضوا يومين بلا ماء صالح ولاطعام جيد وان الكهرباء كانت مقطوعة طوال تلك الفترة وكانوا قابعين تحت (الأسرة) وصوت الرصاص والدانات تحرق أعصابهم. أما الأستاذة عفاف حسين محاضرة في التربية وصفت الحال التي عايشوها بالأسوأ على الاطلاق وتقول بإن المدينة تعيش في رعب شديد منذ اندلاع الأحداث. وقالت عفاف بإن الخوف بلغ أشده عندما شاهدت الجثث المتناثرة في الشوارع، أما الأستاذة بتول قالت بإن أمورهم ساءت عندما فقدوا الماء الصالح والطعام الجيد وذلك بسبب انسحاب الصندوق القومي لرعاية الطلاب واشارت أن اتحاد الطلاب الجنوبيين أخلى (الطلاب الجنوبيين) تاركاً الشماليين يواجهون مصيرهم. أوضاع الطلاب ويقول العائدون من ملكال ان الطلاب الشماليين يواجهون ظروفاً قاسية بسبب الظروف النفسية واشاروا الى ان بعض الطلاب يريدون البقاء لمتابعة الامتحانان خاصة ان الامتحانات تبقت لها (5) أيام فقط وفريق آخر يرفض الجلوس للامتحانات بسبب الفوضى والظروف الأمنية. وأكدوا ترحيل (100) طالب الى مدينة (الرنك). كما ان البعض في طريقهم الى الخرطوم. وواجهت الطالبات ظروفاً سيئاً بعد انقطاع التيار الكهربائي من الداخليات لمدة (24) ساعة وبقين بدون ماء أو طعام - ونجد ان أمن الجامعة حاول تأمين الغذاء والأمن للطالبات بمساعدة جيش الحركة بالداخليات. لن نعود د. حسن الطيب - الرئيس المناوب للجنة متابعة أوضاع الشماليين بالجامعة - الجنوبية قال بأن اللجنة كانت قررت عدم العودة الى الجنوب في اي حال من الأحوال واضاف ان التهديد الذي مارسته ادارة جامعة اعالى النيل على منسوبيها من الشمال دفعت بهم الى الذهاب او العودة الى الجنوب وما لاقوه في الجنوب خلال الفترة الماضية من تهديد لسلامتهم وحياتهم تجربة ولن تتكرر ولسنا على استعداد للتضحية بحياتنا - وأكد عضو اللجنة العليا بالتمسك بقرارهم وإذا اجبروا على العودة سيقدمون استقالات جماعية وطالبوا الحكومة الايفاء بوعدها بانشاء جامعة جديدة. ويمضي بأنهم لن يرتضوا الادماج في جامعة اخرى أو توزيعهم على الجامعات وان خيارهم انشاء جامعة جديدة. فيما قال د. طارق بأنهم وان تم فصلهم لن يعودوا إلى الجنوب في الوقت الراهن. الخرطوم: نبيل صالح - طلال - آلاء