الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفع ضرر الأغذية والفاكهة ، وعلاج الرمد والخدران وإصلاح الطعام الذي يقع فيه الذباب
نشر في النيلين يوم 05 - 04 - 2011

في هديه صلى الله عليه وسلم في دفع ضرر الأغذية والفاكهة وإصلاحها بما يدفع ضررها ، ويقوي نفعها ..
ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن جعفر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الرطب بالقثاء .
والرطب : حار رطب في الثانية ، يقوي المعدة الباردة ، ويوافقها ، ويزيد في الباه ، ولكنه سريع التعفن ، معطش معكر للدم ، مصدع مولد للسدد ، ووجع المثانة ، ومضر بالأسنان ، والقثاء بارد رطب في الثانية ، مسكن للعطش ، منعش للقوى بشمه لما فيه من العطرية ، مطفئ لحرارة المعدة الملتهبة ، وإذا جفف بزره ، ودق واستحلب بالماء ، وشرب ، سكن العطش ، وأدر البول ، ونفع من وجع المثانة . وإذا دق ونخل ، ودلك به الأسنان ، جلاها ، وإذا دق ورقه وعمل منه ضماد مع الميبختج ، نفع من عضة الكلب الكلب .
وبالجملة : فهذا حار ، وهذا بارد ، وفي كل منهما صلاح للآخر ، وإزالة لأكثر ضرره ، ومقاومة كل كيفية بضدها ، ودفع سورتها بالأخرى ، وهذا أصل العلاج كله ، وهو أصل في حفظ الصحة ، بل علم الطب كله يستفاد من هذا . وفي استعمال ذلك وأمثاله في الأغذية والأدوية إصلاح لها وتعديل ، ودفع لما فيها من الكيفيات المضرة لما يقابلها ، وفي ذلك عون على صحة البدن ، وقوته وخصبه ، قالت عائشة رضي الله عنها : سمنوني بكل شئ ، فلم أسمن ، فسمنوني بالقثاء والرطب ، فسمنت .
وبالجملة : فدفع ضرر البارد بالحار ، والحار بالبارد ، والرطب باليابس ، واليابس بالرطب ، وتعديل أحدهما بالآخر من أبلغ أنواع العلاجات ، وحفظ الصحة ، ونظير هذا ما تقدم من أمره بالسنا والسنوت ، وهو العسل الذي فيه شئ من السمن يصلح به السنا ، ويعدله ، فصلوات الله وسلامه على من بعث بعمارة القلوب والأبدان ، وبمصالح الدنيا والآخرة .
في هديه صلى الله عليه وسلم في الحمية
الدواء كله شيئان : حمية وحفظ صحة . فإذا وقع التخليط ، احتيج إلى الإستفراغ الموافق ، وكذلك مدار الطب كله على هذه القواعد الثلاثة . والحمية : حميتان : حمية عما يجلب المرض ، وحمية عما يزيده ، فيقف على حاله ، فالأول : حمية الأصحاء . والثانية : حمية المرضى ، فإن المريض إذا احتمى ، وقف مرضه عن التزايد ، وأخذت القوى في دفعه . والأصل في الحمية قوله تعالى : " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا " [ النساء : 43 ، المائدة : 6 ] ، فحمى المريض من استعمال الماء ، لأنه يضره.
وفي سنن ابن ماجه وغيره عن أم المنذر بنت قيس الأنصارية ، قالت : " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه علي ، وعلي ناقه من مرض ، ولنا دوالي معلقة ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها ، وقام علي يأكل منها ، فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : إنك ناقة حتى كف . قالت : وصنعت شعيراً وسلقاً ، فجئت به ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي : من هذا أصب ، فإنه أنفع لك " وفي لفظ فقال : " من هذا فأصب ، فإنه أوفق لك " .
وفي سنن ابن ماجه أيضاً عن صهيب قال : " قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه خبز وتمر ، فقال : ادن فكل ، فأخذت تمراً فأكلت ، فقال : أتأكل تمراً وبك رمد ؟ فقلت : يا رسول الله ! أمضع من الناحية الأخرى ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم" .
وفي حديث محفوظ عنه صلى الله عليه وسلم : " إن الله إذا أحب عبداً ، حماه من الدنيا ، كما يحمي أحدكم مريضه عن الطعام والشراب " . وفي لفظ : " إن الله يحمي عبده المؤمن من الدنيا " .
وأما الحديث الدائر على ألسنة كثير من الناس : الحمية رأس الدواء ، والمعدة بيت الداء ، وعودوا كل جسم ما اعتاد فهذا الحديث إنما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب ، ولا يصح رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قاله غير واحد من أئمة الحديث . ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن المعدة حوض البدن ، والعروق إليها واردة ، فإذا صحت المعدة صدرت العروق بالصحة ، وإذا سقمت المعدة ، صدرت العروق بالسقم " .
وقال الحارث : رأس الطب الحمية ، والحمية عندهم للصحيح في المضرة بمنزلة التخليط للمريض والناقه ، وأنفع ما تكون الحمية للناقه من المرض ، فإن طبيعته لم ترجع بعد إلى قوتها ، والقوة الهاضمة ضعيفة ، والطبيعة قابلة ، والأعضاء مستعدة ، فتخليطه يوجب انتكاسها ، وهو أصعب من ابتداء مرضه .
واعلم أن في رفع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي ، وهو ناقه أحسن التدبير ، فان الدوالي أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة عناقيد العنب ، والفاكهة تضر بالناقه من المرض لسرعة استحالتها ، وضعف الطبيعة عن دفعها ، فإنها لم تتمكن بعد من قوتها ، وهي مشغولة بدفع آثار العلة ، وإزالتها من البدن .
وفي الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة ، فتشتغل بمعالجته وإصلاحه عما هي بصدده من إزالة المرض وآثاره ، فإما أن تقف تلك البقية ، وإما أن تتزايد ، فلما وضح بين يديه السلق والشعير ، أمره أن يصيب منه ، فإنه من أنفع الأغذية للناقه ، فإن في ماء الشعير من التبريد والتغذية ، والتلطيف والتليين ، وتقوية الطبيعة ما هو أصلح للناقه ، ولا سيما إذا طبخ بأصول السلق ، فهذا من أوفق الغذاء لمن في معدته ضعف ، ولا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه .
وقال زيد بن أسلم : حمى عمر رضي الله عنه مريضاً له ، حتى إنه من شدة ما حماه كان يمص النوى .
وبالجملة : فالحمية من أنفع الأدوية قبل الداء ، فتمنع حصوله ، وإذا حصل ، فتمنع تزايده وانتشاره .
ومما ينبغي أن يعلم أن كثيراً مما يحمى عنه العليل والناقه والصحيح ، إذا اشتدت الشهوة إليه ، ومالت إليه الطبيعة ، فتناول منه الشئ اليسير الذي لا تعجز الطبيعة عن هضمه ، لم يضره تناوله ، بل ربما انتفع به ، فإن الطبيعة والمعدة تتلقيانه بالقبول والمحبة، فيصلحان ما يخشى من ضرره ، وقد يكون أنفع من تناول ما تكرهه الطبيعة ، وتدفعه من الدواء ، ولهذا أقر النبي صلى الله عليه وسلم صهيباً وهو أرمد على تناول التمرات اليسيرة ، وعلم أنها لا تضره ، ومن هذا ما يروى عن علي أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أرمد ، وبين يدي النبي صلى الله عليه وسلم تمر يأكله ، فقال : " يا علي ! تشتهيه ؟ ورمى إليه بتمرة ، ثم بأخرى حتى رمى إليه سبعاً ، ثم قال : حسبك يا علي " .
ومن هذا ما رواه ابن ماجه في سننه من حديث عكرمة ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد رجلاً فقال له : " ما تشتهي ؟ فقال : أشتهي خبز بر . وفي لفظ : أشتهي كعكاً ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان عنده خبز بر فيبعث إلى أخيه ثم قال : إذا اشتهى مريض أحدكم شيئاً ، فليطعمه " .
ففي هذا الحديث سر طبي لطيف ، فإن المريض إذا تناول ما يشتهيه عن جوع صادق طبيعي ، وكان فيه ضرر ما ، كان أنفع وأقل ضرراً مما لا يشتهيه ، وإن كان نافعاً في نفسه ، فإن صدق شهوته ، ومحبة الطبيعة يدفع ضرره ، وبغض الطبيعة وكراهتها للنافع ، قد يجلب لها منه ضرراً . وبالجملة : فاللذيذ المشتهى تقبل الطبيعة عليه بعناية ، فتهضمه على أحمد الوجوه ، سيما عند انبعاث النفس إليه بصدق الشهوة ، وصحة القوة ، والله أعلم .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الرمد بالسكون ، والدعة ، وترك الحركة ، والحمية مما يهيج الرمد
وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم حمى صهيباً من التمر ، وأنكر عليه أكله ، وهو أرمد ، وحمى علياً من الرطب لما أصابه الرمد .
وذكر أبو نعيم في كتاب الطب النبوي : أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا رمدت عين امرأة من نسائه لم يأتها حتى تبرأ عينها .
الرمد : ورم حار يعرض في الطبقة الملتحمة من العين ، وهو بياضها الظاهر ، وسببه انصباب أحد الأخلاط الأربعة ، أو ريح حارة تكثر كميتها في الرأس والبدن ، فينبعث منها قسط إلى جوهر العين ، أو ضربة تصيب العين ، فترسل الطبيعة إليها من الدم والروح مقداراً كثيراً تروم بذلك شفاءها مما عرض لها ، ولأجل ذلك يرم العضو المضروب ، والقياس يوجب ضده .
واعلم أنه كما يرتفع من الأرض إلى الجو بخاران ، أحدهما : حار يابس ، والآخر : حار رطب ، فينعقدان سحاباً متراكماً ، ويمنعان أبصارنا من إدراك السماء ، فكذلك يرتفع من قعر المعدة إلى منتهاها مثل ذلك ، فيمنعان النظر ، ويتولد عنهما علل شتى ، فإن قويت الطبيعة على ذلك ودفعته إلى الخياشيم ، أحدث الزكام ، وإن دفعته إلى اللهاة والمنخرين أحدث الخناق ، وإن دفعته إلى الجنب ، أحدث الشوصة ، وإن دفعته إلى الصدر ، أحدث النزلة ، وإن انحدر إلى القلب ، أحدث الخبطة ، وإن دفعته إلى العين أحدث رمداً ، وإن انحدر إلى الجوف ، أحدث السيلان ، وإن دفعته إلى منازل الدماغ أحدث النسيان ، وإن ترطبت أوعية الدماغ منه ، وامتلأت به عروقه أحدث النوم الشديد ، ولذلك كان النوم رطباً ، والسهر يابساً . وإن طلب البخار النفوذ من الرأس ، فلم يقدر عليه ، أعقبه الصداع والسهر ، وإن مال البخار إلى أحد شقي الرأس ، أعقبه الشقيقة ، وإن ملك قمة الرأس ووسط الهامة . أعقبه داء البيضة ، وإن برد منه حجاب الدماغ ، أو سخن ، أو ترطب وهاجت منه أرياح ، أحدث العطاس ، وإن أهاج الرطوبة البلغمية فيه حتى غلب الحار الغريزي ، أحدث الإغماء والسكات ، وإن أهاج المرة السوداء حتى أظلم هواء الدماغ ، أحدث الوسواس ، وإن فاض ذلك إلى مجاري العصب ، أحدث الصرع الطبيعي ، وإن ترطبت مجامع عصب الرأس وفاض ذلك في مجاريه ، أعقبه الفالج ، وإن كان البخار من مرة صفراء ملتهبة محمية للدماغ ، أحدث البرسام ، فإن شركه الصدر في ذلك ، كان سرساماً ، فافهم هذا الفصل .
والمقصود : أن أخلاط البدن والرأس تكون متحركة هائجة في حال الرمد ، والجماع مما يزيد حركتها وثورانها ، فإنه حركة كلية للبدن والروح والطبيعة . فأما البدن ، فيسخن بالحركة لا محالة ، والنفس تشتد حركتها طلباً للذة واستكمالها ، والروح تتحرك تبعاً لحركة النفس والبدن ، فإن أول تعلق الروح من البدن بالقلب ، ومنه ينشأ الروح ، وتنبث في الأعضاء . وأما حركة الطبيعة ، فلأجل أن ترسل ما يجب إرساله من المني على المقدار الذي يجب إرساله .
وبالجملة : فالجماع حركة كلية عامة يتحرك فيها البدن وقواه ، وطبيعته وأخلاطه ، والروح والنفس ، فكل حركة فهى مثيرة للأخلاط مرققة لها توجب دفعها وسيلانها إلى الأعضاء الضعيفة ، والعين في حال رمدها أضعف ما تكون ، فأضر ما عليها حركة الجماع .
قال بقراط في كتاب الفصول : وقد يدل ركوب السفن أن الحركة تثور الأبدان . هذا مع أن في الرمد منافع كثيرة ، منها ما يستدعيه من الحمية والإستفراغ ، وتنقية الرأس والبدن من فضلاتهما وعفوناتهما ، والكف عما يؤذي النفس والبدن من الغضب ، والهم والحزن ، والحركات العنيفة ، والأعمال الشاقة . وفي أثر سلفي : لا تكرهوا الرمد ، فإنه يقطع عروق العمى .
ومن أسباب علاجه ملازمة السكون والراحة ، وترك مس العين والإشتغال بها ، فإن أضداد ذلك يوجب انصباب المواد إليها . وقد قال بعض السلف : مثل أصحاب محمد مثل العين ، ودواء العين ترك مسها . وقد روي في حديث مرفوع ، الله أعلم به : " علاج الرمد تقطير الماء البارد في العين " وهو من أنفع الأدوية للرمد الحار ، فإن الماء دواء بارد يستعان به على إطفاء حرارة الرمد إذا كان حاراً ، ولهذا قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لامرأته زينب وقد اشتكت عينها : لو فعلت كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان خيراً لك وأجدر أن تشفي ، تنضحين في عينك الماء ، ثم تقولين : " أذهب البأس رب الناس ، واشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً " . وهذا مما تقدم مراراً أنه خاص ببعض البلاد ، وبعض أوجاع العين ، فلا يجعل كلام النبوة الجزئي الخاص كلياً عاماً ، ولا الكلي العام جزئياً خاصاً ، فيقع من الخطأ ، وخلاف الصواب ما يقع ، والله أعلم .
في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج الخدران الكلي الذي يجمد معه البدن
ذكر أبو عبيد في غريب الحديث من حديث أبي عثمان النهدي : أن قوماً مروا بشجرة فأكلوا منها ، فكأنما مرت بهم ريح ، فأجمدتهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قرسوا الماء في الشنان ، وصبوا عليهم فيما بين الأذانين " ، ثم قال أبوعبيد : قرسوا : يعني بردوا . وقول الناس : قد قرس البرد ، إنما هو من هذا بالسين ليس بالصاد . والشنان : الأسقية والقرب الخلقان ، يقال للسقاء : شن ، وللقربة : شنة . وإنما ذكر الشنان دون الجدد لأنها أشد تبريداً للماء . وقوله : بين الأذانين ، يعني أذان الفجر والإقامة ، فسمى الإقامة أذاناً ، انتهى كلامه .
قال بعض الأطباء : وهذا العلاج من النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل علاج هذا الداء إذا كان وقوعه بالحجاز ، وهي بلاد حارة يابسة ، والحار الغريزي ضعيف في بواطن سكانها ، وصب الماء البارد عليهم في الوقت المذكور ، - وهو أبرد أوقات اليوم - يوجب جمع الحار الغريزي المنتشر في البدن الحامل لجميع قواه ، فيقوي القوة الدافعة ، ويجتمع من أقطار البدن إلى باطنه الذي هو محل ذاك الداء ، ويستظهر بباقي القوى على دفع المرض المذكور ، فيدفعه بإذن الله عز وجل ، ولو أن بقراط ، أو جالينوس ، أو غيرهما ، وصف هذا الدواء لهذا الداء ، لخضعت له الأطباء ، وعجبوا من كمال معرفته .
في هديه صلى الله عليه وسلم في إصلاح الطعام الذي يقع فيه الذباب ، وإرشاده إلى دفع مضرات السموم بأضدادها
في الصحيحين من حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إذا وقع الذباب في إناء أحدكم ، فامقلوه ، فإن في أحد جناحيه داء ، وفي الآخر شفاء " .
وفي سنن ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أحد جناحي الذباب سم ، والآخر شفاء ، فإذا وقع في الطعام ، فامقلوه ، فإنه يقدم السم ، ويؤخر الشفاء " .
هذا الحديث فيه أمران : أمر فقهي ، وأمر طبي ، فأما الفقهي ، فهو دليل ظاهر الدلالة جداً على أن الذباب إذا مات في ماء أو مائع ، فإنه لا ينجسه ، وهذا قول جمهور العلماء ، ولا يعرف في السلف مخالف في ذلك . ووجه الإستدلال به أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمقله ، وهو غمسه في الطعام ، ومعلوم أنه يموت من ذلك ، ولا سيما إذا كان الطعام حاراً . فلو كان ينجسه لكان أمراً بإفساد الطعام ، وهو صلى الله عليه وسلم إنما أمر بإصلاحه ، ثم عدي هذا الحكم إلى كل ما لا نفس له سائلة ، كالنحلة والزنبور ، والعنكبوت وأشباه ذلك ، إذ الحكم يعم بعموم علته ، وينتفي لانتفاء سببه ، فلما كان سجب التنجيس هو الدم المحتقن في الحيوان بموته ، وكان ذلك مفقوداً فيما لا دم له سائل انتفى الحكم بالتنجيس لانتفاء علته .
ثم قال من لم يحكم بنجاسة عظم الميتة : إذا كان هذا ثابتاً في الحيوان الكامل مع ما فيه من الرطوبات ، والفضلات ، وعدم الصلابة ، فثبوته في العظم الذي هو أبعد عن الرطوبات والفضلات ، واحتقان الدم أولى ، وهذا في غاية القوة ، فالمصير إليه أولى .
وأول من حفظ عنه في الإسلام أنه تكلم بهذه اللفظة ، فقال : ما لا نفس له سائلة ، إبراهيم النخعي ، وعنه تلقاها الفقهاء - والنفس في اللغة : يعبر بها عن الدم ، ومنه نفست المرأة - بفتح النون - إذا حاضت ، ونفست - بضمها - إذا ولدت .
وأما المعنى الطبي ، فقال أبو عبيد : معنى امقلوه : اغمسوه ليخرج الشفاء منه ، كما خرج الداء ، يقال للرجلين : هما يتماقلان ، إذا تغاطا في الماء .
واعلم أن في الذباب عندهم قوة سمية يدل عليها الورم ، والحكة العارضة عن لسعه ، وهي بمنزلة السلاح ، فإذا سقط فيما يؤذيه، اتقاه بسلاحه ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقابل تلك السمية بما أودعه الله سبحانه في جناحه الآخر من الشفاء ، فيغمس كله في الماء والطعام ، فيقابل المادة السمية المادة النافعة ، فيزول ضررها ، وهذا طب لا يهتدي إليه كبار الأطباء وأئمتهم ، بل هو خارج من مشكاة النبوة ، ومع هذا فالطبيب العالم العارف الموفق يخضع لهذا العلاج ، ويقر لمن جاء به بأنه أكمل الخلق على الإطلاق ، وأنه مؤيد بوحي إلهي خارج عن القوى البشرية .
وقد ذكر غير واحد من الأطباء أن لسع الزنبور والعقرب إذا دلك موضعه بالذباب نفع منه نفعاً بيناً ، وسكنه ، وما ذاك إلا للمادة التي فيه من الشفاء ، وإذا دلك به الورم الذي يخرج في شعر العين المسمى شعرة بعد قطع رؤوس الذباب ، أبرأه .
* الطب النبوي من كتاب زاد المعاد للإمام العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.