قالت الاممالمتحدة أمس ان أكثر من 1800 شخص لاقوا حتفهم هذا العام في أعمال عنف في أنحاء جنوب السودان وذلك قبل استقلال المنطقة الاسبوع المقبل. وتشير بيانات الاممالمتحدة الى أن نحو 1836 شخصا قتلوا في اشتباكات قبلية أو أعمال عنف شنها متمردون بينهم 273 شخصا في أول أسبوعين من يونيو في أكثر من 300 حادثة عنف في أنحاء تسع من عشر ولايات في الجنوب. وأظهرت بيانات الاممالمتحدة أن هناك أكثر من 260 ألف نازح الآن في الجنوب بينهم نحو 100 ألف فروا من منطقة أبيي التي يتنازعها شمال السودان وجنوبه. ويقول محللون انه حتى لو استمر اتفاق السلام الهش مع الشمال يجازف الجنوب بان يكون دولة فاشلة اذا لم يتمكن من السيطرة على الاوضاع الانسانية وغياب الامن. وتفاقم العنف في الجنوب منذ أن صوت الجنوبيون بأغلبية ساحقة في يناير لصالح الانفصال عن الشمال واقامة دولتهم المستقلة في التاسع من يوليو الحالي. ويجد جنوب السودان الذي سيعلن كاحدث دولة في غضون اسبوع نفسه غارقا في محاربة ما لا يقل عن 6 مجموعات متمردة. وأظهر شريط فيديو حصلت عليه بي بي سي مئات من المقاتلين الجنوبيين وهم يهرولون بشكل منظم في حلقة واسعة ويرددون أغان ويتباهون بأسلحتهم. وأشهر المقاتلون قذائف الهاون والأسلحة الرشاشة وقذائف صاروخية. ولم يوضح أي من المقاتلين كيف حصلوا على هذه الأسلحة. وهناك مؤشرات على أنهم سيستخدمون هذه الأسلحة بعد إعلان الجنوب استقلاله. صور الفرح التي وردت في شريط الفيديو تتعارض مع الحقيقة الدموية التي مفادها أن جماعات متمردة قاتلت في عدة مناسبات الجيش الشعبي لجنوب السودان، ما يمثل تهديدا جسيما بالنسبة إلى استقرار الدولة المرتقبة. تختلف دوافع المتمردين لكن معظم قادتهم كانوا ضباطا كبارا في جيش جنوب السودان أو قادة ميليشيات حاربوا إلى جانب القوات الحكومية خلال الحرب الأهلية التي امتدت لمدة 21 عاما. يقول بيتر قاديت وهو أحد قادة المتمردين من «جيش تحرير جنوب السودان» إنه يحارب الفساد وتعثر جهود التنمية وسيطرة قبيلة الدينكا على مقاليد السلطة في جنوب السودان. وتتهم قبيلة الدينكا وهي أكبر إثنية في جنوب السودان بأنها تحتكر المناصب الرئيسة في جيش جنوب السودان وفي حكومته. ويستولي الجيش الشعبي على أكثر من ربع الميزانية المخصصة لجنوب السودان وهي أكبر بثلاث مرات من الموارد المالية المخصصة لقطاعي الصحة والتعليم معا. وتمثل هذه الحقيقة اعترافا جزئيا بالتهديد الذي تشكله المجموعات المتمردة، إضافة إلى الأعداء القدامى في الخرطوم. وتخصص معظم الموارد المالية لدفع رواتب أعضاء جيش جنوب السودان، وقال كبير مسؤولي الأممالمتحدة في جنوب السودان ديفيد جريسلي في تصريح سابق إن الجيش يجب أن يخفض إلى النصف بعد الاستقلال. ودخل جيش تحرير جنوب السودان في سلسلة معارك مع الجيش الشعبي بالقرب من قواعده في ولاية الوحدة. ويقول الجيش الشعبي: إن «المجموعات المتمردة لها قاسم مشترك وهو أنها تحصل على التمويل والمعدات من قبل العدو القديم في الخرطوم». ويقول المسؤولون في عاصمة الجنوبجوبا سواء كانوا محقين أو مخطئين إن الخرطوم لها دور في كل التمردات التي تحصل في الجنوب ما سيكون له عواقب وخيمة على العلاقات بين الطرفين. وينفي حزب المؤتمر الوطني دعمه للجيل الجديد من المتمردين. وفي هذا الإطار، يقول أحد كبار المسؤولين في الحزب وهو إبراهيم غندور «هذه مشكلات بين الجنوبيين، والشمال وحزب المؤتمر الوطني غير متورطين في هذا». وتتحدث مختلف المجموعات المتمردة وهي أكثر من ست مجموعات عن تنسيق مواقفها لكن قد يكون ذلك صعبا في ظل بنية تحتية ضعيفة بجنوب السودان واتساع رقعته الجغرافية، إضافة إلى صعوبة الاتفاق على من سيتولى القيادة. وهناك اتهامات موجهة إلى الجيش الشعبي مفادها أنه مسؤول عن بعض الوفيات علما بأنه كان فيما مضى حركة متمردة قبل توقيع اتفاق السلام عام 2005 بين الجنوب والشمال. وأعلن جيش تحرير جنوب السودان نيته الإطاحة بحكومة جنوب السودان لكن بعض المراقبين يشكون في قدرته على تحقيق ذلك. وفي هذا السياق، تقول مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسل مقرا لها «المجموعات المتمردة لا تشكل تهديدا بالنسبة إلى حكومة جوبا لكنها تمثل مصدر عدم استقرار في الإقليم. قد تتسبب في أزمات إنسانية في تلك المناطق وتقويض جهود التنمية». وفي حال تعطل جهود التنمية في جنوب السودان ستأتي الدولة الوليدة عند إعلان استقلالها في ذيل قائمة الدول النامية حسب تصنيفات الأممالمتحدة والمنظمات الدولية المعنية. وتذهب دراسة بشأن توافر الأسلحة الصغيرة في جنوب السودان إلى أن تجدد أعمال العنف في ولاية الوحدة مسؤول عن زرع الألغام في الطرقات من جديد بعدما أزيلت منها من قبل الأممالمتحدة والفرق الدولية المتخصصة في إزالة الألغام منذ عام 2005. وألمح ناطق باسم جيش تحرير جنوب السودان بول جاتكوث إلى أن مقاتلي حركته قد يسيطرون على حقول النفط في ولاية الوحدة. وستكون لتهديد حقول النفط تداعيات كبيرة نظرا لأنها توفر 98% من مداخيل الجنوب. والاحتمال الآخر هو أن كبار القادة المتمردين قد يستغلون الانتصارات العسكرية التي تحققها مجموعاتهم في تأمين عودتهم إلى صفوف الجيش الشعبي لكن بمزايا أفضل من السابق. ومع ذلك، يقول بعض المتمردين إن لهم مخاوف مشروعة ومن ضمنها سيطرة قبيلة الدينكا على أهم المناصب العسكرية والمدنية في الجنوب. ويرى محللون أن تردد الحركة الشعبية في الدفع قدما بالعملية السياسية لاستيعاب المجموعات المتمردة جزء من المخاوف التي يعبر عنها المتمردون. وتقول مجموعة الأزمات الدولية «الكثير من هذه المخاوف قمعت بذريعة تحقيق مصالح جنوب السودان في الاستقلال لكنها بدأت تطفو على السطح من جديد مع اقتراب موعد 9 يوليو». وتضيف المجموعة «ما لم تنفتح الحركة الشعبية على المجموعات الأخرى وتشركها في إدارة شؤون الجنوب، فإن هذه الشكاوى ستنمو وتقود إلى مزيد من التمرد».