قبل أن تُعلن دولة جنوب السودان استقلالها في التاسع من يوليو المُقبل، تجد الدولة الوليدة نفسها غارقة في مُحاربة ما لا يقل عن (6) مجموعات متمردة، وأزمات سياسية واقتصادية أخرى. فقد أظهر شريط فيديو حصلت عليه (بي بي سي) مئات المقاتلين الجنوبيين وهم يهرولون بشكل منظم في حلقة واسعة ويرددون أغاني ويتباهون بأسلحتهم، وأشهر المقاتلون قذائف الهاون والأسلحة الرشاشة وقذائف صاروخية، ولم يوضح أي من المقاتلين كيفية حصولهم على هذه الأسلحة، وهناك مؤشرات على أنهم سيستخدمون هذه الأسلحة بعد إعلان الجنوب استقلاله، وهذا – في ما يبدو - المشهد الذي يؤرق المراقبين ويثير مخاوفهم الأمنية قبل حلول الموعد المقرر لإعلان الدولة الجديدة. وقد بدأت حكومة الجنوب - بالفعل - التعامل مع هذه المخاوف الأمنية، فقد قررت فرض حظر للتجول في العاصمة جوبا من الساعة السابعة صباحاً وحتى الواحدة، ونفّذت حملات تفتيش واسعة بحثاً عن الأسلحة استعداداً للاحتفال المقرر في التاسع من يوليو المُقبل من أجل إعلان أحدث دولة في أفريقيا.. وشملت الحملة تفتيش المنازل والمحال التجارية والسيارات، تحسباً لمخاوف أمنية وتحركات لمناوئين للحركة الشعبية - الحزب الحاكم - قبل الاحتفالات المرتقبة. وحول مدى تأثير المجموعات المتمردة على احتفالات استقلال جنوب السودان في التاسع من يوليو المُقبل، استبعد المتحدث الرسمي باسم الجيش الشعبي، فيليب أقوير، ل(الأهرام اليوم) أن يشكل التمرد تهديداً لحكومة الجنوب، أو احتفالاتها في التاسع من يوليو المُقبل، لكنه أقر بأنه يمكن أن يشكل تهديداً محدوداً في المناطق التي يوجد بها المتمردون باعتبار أن الجنوب مساحته واسعة. بينما يؤكد الخبير الأمني العميد أمن (م) حسن بيومي ل(الأهرام اليوم) أن حكومة الجنوب رغم تحوطاتها الأمنية الكبيرة لن تكون بمنأى عن تهديدات المتمردين الأمنية. وتبدو صور الفرح التي وردت في شريط الفيديو الذي بثته (بي بي سي)، متعارضة مع الحقيقة الدموية التي مفادها أن جماعات متمردة قاتلت في عدة مناسبات الجيش الشعبي لجنوب السودان، ما يمثل تهديداً جسيماً لاستقرار الدولة المرتقبة. وتختلف دوافع المتمردين، لكن معظم قادتهم كانوا ضباطاً كباراً في جيش جنوب السودان، أو قادة ميليشيات حاربوا إلى جانب القوات الحكومية خلال الحرب الأهلية التي امتدت لمدة (21) عاماً التي انتهت بتوقيع اتفاق سلام عام 2005م ما مهد الطريق لاستقلال جنوب السودان. يقول بيتر قديت، وهو أحد قادة المتمردين من ما يُسمى بجيش تحرير جنوب السودان، إنه يحارب الفساد وتعثر جهود التنمية وسيطرة قبيلة الدينكا على مقاليد السلطة في جنوب السودان، وتُتهم قبيلة الدينكا - وهي أكبر إثنية في جنوب السودان - بأنها تحتكر المناصب الرئيسية في جيش جنوب السودان وفي حكومته. ورغم إصرار قديت على مواصلة التمرد، إلا أن أقوير أكد ل(الأهرام اليوم) أن الصراعات والاشتباكات المسحلة بينهم والمتمردين في انحسار مستمر، خاصة في ولايات جونقلي وأعالي النيل الكبرى رغم المناوشات في المنطقة الحدودية بين أعالي النيل وجنوب كردفان. وقال كبير مسؤولي الأممالمتحدة في جنوب السودان ديفيد قريسلي مؤخراً إن الجيش يجب أن يخفض إلى النصف بعد الاستقلال. ودخل جيش تحرير جنوب السودان في سلسلة معارك مع الجيش الشعبي بالقرب من قواعده في ولاية الوحدة. ويقول قديت طبقاً لما أوردت (بي بي سي) إنه يحارب الفساد وقلة فرص التنمية وسيطرة قبلية الدينكا على مقاليد الأمور. لكن ما حجم التهديدات التي تشكلها المجموعات المتمردة في جنوب السودان؟ تتحدث مختلف المجموعات المتمردة وهي أكثر من ست مجموعات عن تنسيق مواقفها لكن قد يكون ذلك صعباً في ظل بنية تحتية ضعيفة بجنوب السودان واتساع رقعته الجغرافية، إضافة إلى صعوبة الاتفاق على من سيتولى القيادة. ويؤكد فيليب أقوير ل(الأهرام اليوم) أن الجيش الشعبي وردت إليه معلومات تؤكد وصول أسلحة إلى المتمرد بيتر قديت لشن هجمات مسلحة على الجيش الشعبي، لكنه أكد أن الاشتباكات حال وقوعها لن تؤثر على احتفالات استقلال دولة جنوب السودان في التاسع من يوليو المُقبل. وتقدر الأممالمتحدة أن نحو (1400) شخص قتلوا في جنوب السودان هذا العام بسبب معارك بين الحكومة والجماعات المتمردة أو جراء نزاعات داخلية بين المتمردين، وهناك اتهامات موجهة إلى الجيش الشعبي لتحرير السودان مفادها أنه مسؤول عن بعض الوفيات علماً بأنه كان في ما مضى حركة متمردة قبل توقيع اتفاق السلام عام 2005م بين الجنوب والشمال. وأعلن جيش تحرير جنوب السودان نيته الإطاحة بحكومة جنوب السودان، لكن بعض المراقبين يشكون في قدرته على تحقيق ذلك. وتشير مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسل مقراً لها إلى أن «المجموعات المتمردة لا تشكل تهديداً بالنسبة إلى حكومة جوبا لكنها تمثل مصدر عدم استقرار في الإقليم قد تتسبب في أزمات إنسانية في تلك المناطق وتقويض جهود التنمية». بينما يقول الخبير العسكري الفريق حسين عبد الله جبريل ل(الأهرام اليوم) إن المجموعات المتمردة بجنوب السودان ستكون مصدر إزعاج دائم للدولة الجديدة، داعياً إلى مُعالجة الأوضاع الأمنية بالجلوس للتفاوض مع هذه المجموعات للوصول إلى تسوية شاملة في ما يتعلق بالمشكلة. وفي حال تعطل جهود التنمية في جنوب السودان ستأتي الدولة الوليدة عند إعلان استقلالها في ذيل قائمة الدول النامية حسب تصنيفات الأممالمتحدة والمنظمات الدولية المعنية، وتذهب دراسة بشأن توافر الأسلحة الصغيرة في جنوب السودان إلى أن تجدد أعمال العنف في ولاية الوحدة مسؤول عن زرع الألغام في الطرقات من جديد بعدما أزيلت منها من قبل الأممالمتحدة والفرق الدولية المُتخصصة في إزالة الألغام منذ عام 2005م. وألمح المتحدث الرسمي باسم جيش تحرير جنوب السودان بول جاتكوث طبقاً ل(بي بي سي) إلى أن مقاتلي حركته قد يسيطرون على حقول النفط في ولاية الوحدة. وستكون لتهديد حقول النفط تداعيات كبيرة نظراً لأنها توفر (98%) من مداخيل الجنوب. والاحتمال الآخر هو أن كبار القادة المتمردين قد يستغلون الانتصارات العسكرية التي تحققها مجموعاتهم في تأمين عودتهم إلى صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان لكن بمزايا أفضل من السابق. ويرى محللون أن تردد الحركة الشعبية في الدفع قدماً بالعملية السياسية لاستيعاب المجموعات المتمردة جزء من المخاوف التي يعبر عنها المتمردون. وتقول مجموعة الأزمات الدولية: «الكثير من هذه المخاوف قمعت بذريعة تحقيق مصالح جنوب السودان في الاستقلال لكنها بدأت تطفو على السطح من جديد مع اقتراب موعد التاسع من يوليو المُقبل». وتضيف المجموعة: «ما لم تنفتح الحركة الشعبية على المجموعات الأخرى وتشركها في إدارة شؤون الجنوب، فإن هذه الشكاوى ستنمو وتقود إلى مزيد من التمرد».