حادث طائرة »سودانير« في الا سبوع الماضي كان شبيها - بل يكاد يكون طبق الأصل- بذلك الذي وقع قبل أربعين عاما.. يعود الحادث إلى صيف العام 1970م عندما كنا مجموعة من الاعلاميين اتينا لتغطية فعاليات الانشطة السياسية في غرب البلاد بقيادة المرحوم الرائد هاشم العطا عضو مجلس قيادة الثورة. سافر الوفد بطائرة »فوكرز« من الخرطوم في سفرية عادية »تجارية« صوب مدينة الأبيض حيث خاطب هاشم العطا ورفقاؤه من الوزراء اللقاء الجماهيري الذي أقيم في مساء نفس اليوم في ميدان المولد. وحسب البرنامج كان على الوفد ان يواصل رحلته في صباح اليوم التالي إلى الفاشر حاضرة مديرية دارفور آنذاك.. بعد مراسم الوداع المعتادة للوفد في مطار الابيض توجهنا إلى الطائرة. وكان يجلس بجواري أحد تجار الفاشر وفي المقاعد الموازية تصادف جلوس هاشم العطا ومحمود حسيب وزير النقل في نظام مايو البائد. ولكن بعد دقائق من اقلاع الطائرة من مطار عروس الرمال أعلن الكابتن الانجليزي خلال مكبر الصوت أنه قرر التوجه إلى الخرطوم بدلاً عن الفاشر. يا ساتر! ماذا حدث؟ عندما رأيت الكابتن يتجه إلى محمود حسيب ويتحدث معه لشرح سبب هذا التغيير المفاجئ- إنتابني ككل الركاب شعور بالخوف فقررت الاستفسار من وزير النقل الذي قال لي ان قبطان الطائرة لاحظ عند إقلاعها من مطار الأبيض ان إطاراتها لم تدخل في باطن الطائرة كالمعتاد إلا بعد محاولات. فخشى الكابتن من تكرار الفعل في مطار الفاشر الذي لم يكن مهيأ بالمعدات والآليات اللازمة للطوارئ. ورغم قصر المسافة بين الابيض والخرطوم بالنسبة لغالبية المسافرين في تلك الطائرة بدت انها لن تنتهي أبداً.. فقد ساد الخوف والرهبة بين الركاب.. وسمعت جاري التاجر الفاشري وهو يتمتم »والله لو ركبت حمار للفاشر تاني ما بركب طيارة«. كتمنا انفاسنا طوال هذه المدة التي بدت لنا طويلة جداً «وجال بخاطري نظرية انشتاين النسبية».. حتى إقتربت الطائرة من اجواء الجزيرة وبدأ القائمون عليها التخلص من الوقود بالطيران تكراراً ومراراً حول المنطقة المحيطة بالخرطوم. وأخيراً تنفسنا الصعداء وعلت أصوات الركاب بالتهليل والتكبير.. الحمد لله.. الحمد لله.. كان في استقبالنا عندما وطأت أقدامنا أرض مطار الخرطوم جمع ضخم من المواطنين وكبار المسئولين في هيئة الطيران المدني يتقدمهم مديرهم المرحوم حسن أحمد إبراهيم وآمنة بنت وهب موظفة العلاقات العامة في الهيئة آنذاك وكلهم يحمدون الله على سلامة وصولنا. بعد الضيافة فوق العادة التي كانت تنتظرنا في قاعة كبار الزوار وبعد ان هدأت النفوس سمعنا من مبكرات الصوت ان طائرتنا الآن تستعد لمواصلة الرحلة في غضون ساعة واحدة.. ولكنني سمعت هاشم العطا وهو يعلن تأجيل سفر الوفد الرسمي لليوم التالي فاعصابنا كما أوصى المرحوم ما زالت متوترة. أما رفيق السفر التاجر الفاشري فلم اجد له أثراً في القاعة.. فلم يكن يصدق انه نجا من تلك الكارثة المحتملة.. فاختفى و كأنه «فص ملح وداب». الراي العام