لم يخطر على بالى ان أرى كل هذه البهرجة والزينة ووضع التراث البلدي من(عنقريب الجرتق وأدواته والبروش ومستلزمات الحنة) في إحدى صالات الأفراح بالخرطوم عندما تمت دعوتي لحضور (حنة التخريج) تلك الصيحة الضاربة في عالم التخريج هذه الأيام.. وهي الحنة التي تسبق يوم التخريج.. كما يحدث في الأعراس بالضبط.. (حنة العروس) و(حنة العريس).. الأجواء الخارجية ليس فيها مايشير الى أن الداخلين الى الصالة آتين الى جو علمى وشهادات وتميز وتكريم وذلك من خلال أزياء وأناقة وعطور وكأنها مناسبة زواج.. الخريجون والخريجات يجلسون جلوساً حراً لا فواصل ولاتمييز بين الجنسين خصصت لهم أماكن بعيدة لحد ما من مواقع جلوس أسرهم.. وأساتذة الجامعة يقفون على منصة مرتفعة تقابلها عشرات كاميرات التصوير التى نصبت لبعضها أجهزة مشاهدة يشاهدها كل حضور الصالة والأجهزة الصوتية الرقمية تصم الآذان بالموسيقى الغربية . فى الجانب الآخر وفى مواقع أسر الخريجين تحمل كل أسرة أطباق الحلويات والخبائز والمشروبات والفطائر .. دلوكة وفنانة (الدلوكة) تغني وتمتدح (الخريجين) بأسمائهم ذكورا وإناثا مع إطلاق (الصفافير والتصفيق) من كل اتجاه بعد ان تذكر الفنانة اسم أحدهم.. والخريجات يرتدين الثياب وكذلك الخريجون يرتدون (الجلاليب) مخضبين أيديهم بالحناء وبعض الخريجات لم ينسين أرجلهن الواحدة منهن كما العروس في (صبحيتها)، فهم -أي الخريجون- يغزون محلات (كوافير التجميل) و (صوالين الحلاقة) منذ الصباح إستعدادا لهذه المناسبة..وأسر الخريجين تشارك أبناءها الفرحة غير مستنكرين لهذه (التقليعة). (حنة التخريج) ظاهرة جديدة في زمن ليس فيه مجال (للبذخ والمباهاة) فهي ظاهرة بات يتبعها حتى أهالي الخريجين (البسطاء) ليس كما يعتقد الكثيرون انها خاصة بأبناء الأثرياء فقط، حسب حديث الطبيب العمومي (معتزابراهيم) ل(الرأي العام) وقال: الظروف الاقتصادية الصعبة طغت على كل شئ والغني والفقير أصبحت مستويات عيشهم شبه متقاربة، وقال: يفترض على الخريجين مراعاة هذه الظروف وإن كان أهلهم يمتلكون أموال قارون لأن الأموال التي تصرف في غير محلها ليست فيها بركة كما يقولون!! وتساءل لماذا يرهق الخريجون كاهل أسرهم بهذه الدرجة ألم يكفهم إرهاق ميزانيتهم خلال سنوات الدراسة؟؟ وقال: في اعتقادي أن الأسر لا تريد من أبنائها غير الشهادة المتميزة فلا داعي لهذه الضجة أما المواطن (عبد اللطيف) أحد المشاركين في (حنة التخريج) قال :التخريج في حد ذاته فرحتان، الفرحة الأولى للطالب والثانية للأسرة باعتبار أنها حصاد للسنين الماضية، ويمكن أن نفرح ونبتهج ولكن في حدود المعقول بعيدا عن هذه الضجة والصرف اللامعقول.. وأضاف: الخريجون يجبرون أسرهم على هذا الصرف الذي ربما يكون فوق طاقة (رب الأسرة) إلا أن هناك بعض (الآباء والأمهات) لا يحتملون حرمان أبنائهم من الفرحة ويسمحون لهم بالمشاركة في مثل هذه (التقليعات) المكلفة فيدخلون في ديون يسددونها على مدى سنوات كما حدث مع أحد معارفي.. أما (آمنة) (ربة منزل) ووالدة أحد الخريجين فهي تعتقد أن حنة التخريج ظاهرة إيجابية باعتبار أنها حصاد لسنين الدراسة التي بعدها يبدأ الخريج الحياة العملية الجديدة ، لكن أن يكون الاحتفال بها معقولا، بعيداً عن الترف والبذخ بجانب مراعاة شعور إخوته الزملاء الذين لا يستطيعون القيام بمثل ما قام به، وقالت: قمت بتكاليف تخريج ابني من مصروفاتي الخاصة لأن والده رفض المشاركة فيه بإعتبار أنه تبذير و(إن المبذرين إخوان الشياطين) ، وقالت صرفت قرابة ال(3) آلاف جنيه هو المبلغ المقرر من لجنة التخريج ويتضمن تأجير الصالة والفنان والضيافة والزي الجديد والترحيل الى ومن مكان الاحتفال.. مبررات الحنة بعض الخريجات بررن (حنة التخريج) بانه ربما لا تتاح لهن فرصة الزواج مع تغير وتطورات المجتمع لذلك فهذه (الحنة) قد تكون تعويضا لهن بدلا عن حنة الزواج، وقلن:نمني أنفسنا بالزواج بعد التخريج ولكن (كل شئ قسمة ونصيب) نعمل التخريج وننتظر القادم ربما يكون أجمل..وأخريات لايردنها من باب انها قد تكون تعويضا ل(حنة الزواج) بل هن يتبعن الموضة فقط في التخريج ولايرضيهن ان يغردن بعيدا عن سرب (الدفعة) بالامتناع عن المشاركة في (حنة التخريج). ربما نقل (الخريجين) هذه العادة من دول الخليج ولو لاحظنا ان الفتاة عندهم (تتحنن) فى المناسبات والأعياد حتى لو لم تكن متزوجة، بهذا الحديث ابتدرت د.دولت حسن الباحثة الاجتماعية حديثها، و وقالت:لكن الحنة عندنا إرتبطت بمفاهيم معينة عند الزواج فقط وهذه المفاهيم يجب ان تظل فلا يوجد شعب يغير عاداته لمجرد التقليد الأعمى لكل شعب..وأضافت: هذه المفاهيم حدثت نتيجة لتطور خاص بالبيئة التى يوجد فيها الشخص.. وقالتحنة التخريج) تظل تقليعة جديدة لبعض خريجي وخريجات بعض الجامعات السودانية وواحدة من الأشياء المدهشة التي يتحفنا بها شبابنا كل يوم حتى وان لم تعجبنا.. وقالت: الغريبة بدأت حكاية (حنة التخريج) في اتجاه الأطفال في تخريج (الرياض) الا أنها كانت غير مستنكرة من المجتمع باعتبار ان الخريجة (طفلة).. وقالت: تكلفة التخريج وصلت فى بعض الجامعات الى مايقارب الخمسة آلاف جنيه يدفعها ولاة الأمور فرحاً بتخرج ابنهم أو ابنتهم، فالجامعات التى تكلفها احتفالات التخريج موارد مالية كثيرة لم تعد تهتم بهذه الإحتفالات وقالت:من حق الخريج وأسرته الفرح بتتويج الجهد ومن حق الجامعات ووزارة التعليم العالى احترام الشهادات التى تمنحها بمنحها فى أجواء علمية ولكن في حدود محترمة ومنطقية. الخرطوم: خديجة عائد