في هدوء شديد رحل عن عالمنا مؤخرا الفيلسوف الفرنسي المسلم المفكر روجيه جارودى عن عمر ناهز 99 عاما بعد حياة حافلة بالإنجازات الفكرية والسياسية . وقد ولد في فرنسا، لأم كاثوليكية وأب ملحد واعتنق البروتستانتية وهو في سن الرابعة عشرة، ودرس في كل من جامعة مرسيليا وجامعة إيكس أون بروفانس وانضم إلى صفوف الحزب الشيوعي الفرنسي، وفي عام 1937 عين أستاذا للفلسفة في مدرسة الليسيه من ألبي. وفي الثانى من يوليو عام 1982 أشهر جارودي إسلامه، في المركز الإسلامي في جنيف، وكتب بهذه المناسبة كتابيه "وعود الإسلام" و"الإسلام يسكن مستقبلنا" ، ليكون ذلك بمثابة بداية نضاله الفكري والسياسي ضد الحركة الصهيونية العالمية ودولة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. وكانت أول محطات التصادم بينه وبين الصهيونية بعد مذبحة صابرا وشاتيلا في لبنان عام 1982 حيث نشر مقالة في صحيفة "لوموند" الفرنسية تحت عنوان "معنى العدوان الإسرائيلي بعد مجازر لبنان". وفي عام 1996، واصل جارودي نضاله الفكري ضد الاحتلال الصهيوني، بإصدار كتاب "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، الذي شكك خلاله في أسطورة الهولوكوست، مكذبا بالحجة والدليل المغالطات اليهودية حول عدد الضحايا اليهود في محرقة النازي، ليلاحقه الجانب الإسرائيلي قضائيا ويصدر ضده عام 1998 حكم بالسجن سنة مع إيقاف التنفيذ من إحدى المحاكم الفرنسية. وأثرى جارودي المكتبة العالمية والعربية والإسلامية بعشرات المؤلفات التي ترجمت للعديد من اللغات، ومن أشهر مؤلفاته بعد إسلامه "وعود الإسلام، المسجد مرآة الإسلام، الإسلام وأزمة الغرب، فلسطين مهد الرسالات، الولاياتالمتحدة طليعة التدهور، وعود الإسلام، الإسلام دين المستقبل، الإرهاب الغربي، جولتي وحيدا حول هذا القرن، حوار الحضارات، الإسلام وأزمة الغرب". ويقول جارودي عن اعتناقه الإسلام: "..وجدت أن الحضارة الغربية قد بنيت على فهم خاطئ للإنسان، وعبر حياتي كنت أبحث عن معنى معين لم أجده إلا في الإسلام" ، ونال جائزة الملك فيصل العالمية عام 1985 عن خدمة الإسلام وذلك عن كتابيه، "ما يعد به الإسلام"، و"الإسلام يسكن مستقبلنا". وشبكة الإعلام العربية " محيط" إذ تثمن كل ما قام به الراحل من جهود عظيمة لفضح الأساليب الصهيونية في قمع العرب والمسلمين ، ودوره الشجاع في هذا واستمرار النضال الفكري ضدها ، تؤكد أن جارودى مازال يحيا في قلوب وعقول أمتنا بل والإنسانية الخيرة جميعها بمواقفه المشرفة ودوره الفكري الفعال ، فكل التحية لمفكر رحل عن عالمنا في صمت تام .