أهلنا في المعارضة قالوا إنهم يريدون أن يسافروا الى بلاد برَّه... وبالطبع نحن نعلم أن في السفر خمس فوائد.. ولكن المعارضة قالت إنها تريد أن تعمل فائدة واحدة بس... وهي أنها سوف تلاقي ناس الجبهة الثورية حتى تستكمل معهم مشروع «تسخين الخرطوم في مائة يوم».. وعلى الرغم من قناعتنا الزائدة بأن المعارضة كسيحة وغير قادرة على أن تعمل «أي حاجة» فمازلنا نتساءل مع الآخرين إن كانت تستطيع ولو بنسبة واحد في المليون أن تحقق شيئاً لنفسها أو لغيرها. والمعارضة لن تتمكن من فعل شيء لأنها أصلاً معارضة تقوم على أحزاب قديمة مهترئة أسستها المصالح الشخصية والزعامات التاريخية هذا من ناحية ومن ناحية أخرى انبنت هذه الأحزاب على معتقدات تقليدية بعضها طائفي والآخر علماني و«كافر عديل كمان». وبعض الأحزاب أسستها الأسر الطائفية منذ بداية الاستقلال وبعضها أخذ من الفكر اليساري المتطرف. ولهذا فقد ظلت زعامات هذه الأحزاب هي المستفيدة من الهياكل الفارغة للأحزاب الموجودة اسماً والغائبة فعلاً... وبالطبع فقد كان من السهل جداً أن يتم تدجين هذه الأحزاب كلها وتلبية رغبة زعمائها. مما يجعلهم أصلاً غير راغبين في تطوير أحزابهم ويكفيهم فقط ما يجدوه من إتاوات وهبات و«مجعولات» سواء أكانت شهرية أو سنوية نقداً أو عيناً أو الاثنين معاً. مثلما اشار إلى ذلك البروفيسور مالك حسين في لقاء تلفزيوني. ولهذا فقد ظلت معظم هذه الأحزاب لا تعقد اجتماعاً عاماً لمدة أربعين عاماً.. وظل شيوخها وعرَّابوها مقيمين على أمرها حتى أكل الدهر عليهم وشرب. وبلغوا أرذل العمر.. وربما فكروا بعد عمر طويل في أن يترجلوا لأبنائهم أو بناتهم عن صهوة جواد القيادة في هذه الأحزاب.. ولما وجد المريدون أنهم «قاعدين في السهلة».. قام أبناؤهم بإنشاء تكوينات جديدة امتصت كل القدرات والكفاءات من الأحزاب التقليدية. فمثلاً الحركة الأسلامية معظمها من أبناء الشيوعيين سابقاً وأولاد منسوبي الختمية وحزب الأمة. والتشظي الذي يحدث للأحزاب التقليدية ما هو إلا تعبير عن الضيق بالقيادات الديناصورية مع محاولة الاستفادة من الاسم التجاري للحزب وشعاراته. وإذا كانت الأحزاب خلال ربع قرن من الزمان غير قادرة على تحريك مظاهرة واحدة ولم تكن قادرة على إقامة ندوة جامعة.. وكانت طيلة الخمسة وعشرين عاماً الماضية عبارة عن «لزقة» مرة مع التجمع الديمقراطي ومرة مع قرنق والجنوبيين ومرة مع حركات دارفور وأخيراً مع باقان وعرمان في الجبهة الثورية.. وقبلها مع القذافي وأخرى مع حسني مبارك.. ولا أدري كيف يمكن أن يجتمع أي زول «ود ناس» ينادي بالنهج الإسلامي أن ينقاد إلى عقار وعرمان أو يعمل تحت راية المد الثوري الشيوعي أو يتمرمط لصالح باقان الجنوبي. ويكون من الغريب جداً للمعارضة أن «تكورك وتبرطع» وتحتج على منعها من السفر للخارج أو تقول إنها كانت مسافرة إلى كمبالا أو جوبا أو سويسرا لملاقاة عرمان وعقار والحلو حتى تستكمل معهم برنامج إسقاط الخرطوم في مائة يوم... طيب يا جماعة ماذا فعلتم أصلاً في الجزء الخاص بكم من اتفاقية تدمير الخرطوم خلال الخمسين يوم الأولى.. وكان المفروض أنكم سوف «تسخنون الخرطوم بالمظاهرات والندوات والاعتصامات بالتزامن مع ما حدث في مصر وفقاً للجدول الذي رسمه لكم الأمريكان والإسرائيليون.. ولكنكم فشلتم في تحريك الشارع بل فشلتم حتى في إخراج أنفسكم وعشيرتكم الأقربين... وكيف يستطيع أن يحرك الشارع من هو «مرطب ومرتاح» مثل أهل الأحزاب. ثم نتساءل في براءة تامة... إذا كان ناس المعارضة لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئاً عندنا هنا بالداخل، فما هو ذلك الإنجاز الذي كانوا سيفعلونه وهم بالخارج في كمبالا أو سويسرا؟ ولعل الجهات الأمنية لم تستطع الصبر على فراق أهلنا في المعارضة وقررت أن تحتفظ بهم هنا لتشاهدهم يومياً. وعلى كل حال بقي فقط خمسون يوماً من برنامج المائة يوم الذي أعلنت عنه الجبهة الثورية وزعيمها ياسر عرمان بالتعاون مع زعامات الأحزاب «الما وطنية». وهذه الفترة يدخل فيها باقي رمضان ثلاثة أسابيع وإجازة العيد أسبوع.. والستوت ستة أيام.. ونكون قد خلصنا من المائة يوم.. وإن لم تفعلوا شيئاً في هذا الرمضان فلن تفعلوه في أي وقت آخر. د.عبدالماجد عبدالقادر