ربما كانت الأحداث الساخنة في السودان، والتي تغلي حالياً فاتحةً لأسئلةٍ كبيرة، ذلك أن الربيع العربي الذي أسدلت أبوابه أو تكاد لم يثمر عن أي تحرر أو تقدم. الذي يجري في السودان هو ضمن سياق الفشل الاجتماعي والفوضى العارمة. لاشك أن للأنظمة الشمولية الإخوانية الأصولية التي تناوبت على حكمه مساوئها الكبيرة والتي ربما كان من أبرزها التعاون مع إيران، والشلل الاقتصادي ومأساة دارفور، والكارثة التي تمثلت بانقسام السودان وتحوله إلى أجزاء متناثرة، هذه هي المشكلة أن الدولة تنهار من داخلها، والحراك الاجتماعي تعبير عن غضبٍ من فشل امتد منذ ثلاثين سنة. السودان دولة غنية بالموارد، خصبة بالتربة، من أغنى دول العالم طبيعياً ولديها نهر، لديها إمكانيات تحتاج إلى تحريك، ولديها نفط، هذا الإهمال السياسي أسس لهذا التحرك الخطير. الصراع بين قوى إسلامية من أقطابها بالتأكيد حسن الترابي، رئيس حزب المؤتمر الشعبي والذي حذّر الحكومة السودانية من التعامل بوحشية مع المتظاهرين. وهو تحدث ل"بي بي سي" قائلاً:"إن كل الاحتمالات واردة بشأن تحول هذه الاحتجاجات إلى ثورة كبيرة على غرار ما حدث في بعض الدول العربية أو تلاشيها مع مرور الوقت". وبحسب "سكاي نيوز" فإن حكومة السودان تقول إن التضخم السنوي تراجع في يوليو إلى 23.8 في المئة من 37.1 في المئة في مايو، لكن محللين مستقلين كما يقولون إن المعدل الفعلي للتضخم هو 50 في المئة أو أكثر، وتعاني أحزاب المعارضة في السودان التي يقودها زعماء كبار السن من الضعف والانقسامات ولا تجتذب الشبان الذين يطالبون بتغييرات جذرية. في التاريخ الحديث، عرف السودان عدة ثورات منذ استقلاله عام 1956. ففي عام 1964، نمت احتجاجات طلابية في الجامعات سرعان ما شملت النقابات العمالية والمهنية، وانتقلت من الخرطوم إلى مدن أخرى حتى دخلت السودان في إضراب عام اجتاح البلاد. قتل وقتها 34 متظاهرا وأرغم الحاكم العسكري للبلاد آنذاك الجنرال إبراهيم عبود على الاستقالة، وفي 6 ابريل 1985، أطاح الشعب السوداني بالرئيس جعفر النميري الذي حكم السودان 16 عاماً بعد استيلاء القوات المسلحة على الحكم يوم 25 مايو 1969. مشكلة السودان جدا خطيرة، ولابد للبشير أن يقوم بإصلاحات حقيقية حتى لا تدخل البلد بفوضى عارمة، في ظل الحرقة الشعبية التي ملت من النظام الشمولي الذي يقوده، وهو الآن يخطط لولاية ثانية، والبشير محاصر الآن عالمياً بسبب التهم التي نسبت إليه بمجازر ضد الإنسانية، وكذلك محاصر داخلياً بسبب هذه الهبة الشعبية. ربما تنتهي الاحتجاجات وتقف، لكن هل استفاد البشير من الدرس؟ وهل ستكون السودان من جديد في حالة تصحيحة تنقذ ما تبقى من جسد الدولة؟! بينة الملحم