اتسعت رقعة الاحتجاجات على قرار الحكومة السودانية زيادة أسعار المحروقات . وأصيبت العاصمة الخرطوم بالشلل، وتعذر الدخول إلى شبكة الإنترنت، وسط تأكيدات بأن السلطات أوقفت الخدمة لمنع النشطاء من تنسيق الاحتجاجات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، فيما تم إغلاق المدارس والجامعات مع تجدد المصادمات العنيفة بين المتظاهرين وعناصر الشرطة أسفرت عن سقوط عدد من القتلى وسط مشاهد لحرق مبان حكومية ومراكز وسيارات تابعة للأمن، وتوقعت المعارضة تصعيد الاحتجاجات حتى إسقاط النظام، وتحدث حسن الترابي زعيم حزب "المؤتمر الشعبي" المعارض عن ترتيبات لتحقيق هذا الهدف . واندلعت تظاهرات بصورة عفوية، صباح أمس في عدد كبير من أحياء الخرطوم، منها "جبل أولياء" و"الصحافات" و"مدينة الأزهري" و"الكلاكلات"، ونفس المشاهد تكررت في أحياء "إمبدة" و"الثورات" و"كرري" بأمدرمان، كما شهدت أحياء "حلفاية الملوك" و"الدروشاب" و"أم القرى" بالخرطوم بحري، حيث جرت مصادمات عنيفة بين المتظاهرين والسلط الأمنية . وردد المتظاهرون الذين شكل الطلاب القسم الأكبر منهم "حرية، حرية" و"الشعب يريد إسقاط النظام"، ورشقوا الشرطة بالحجارة فردت بإلقاء قنابل مسيلة للدموع . واعتبر مراقبون هذه التظاهرات هي الأكبر التي تواجه نظام الرئيس عمر البشير منذ وصوله إلى الحكم عام 1989 . وأقفلت المتاجر في الخرطوم والمدينة القريبة منها أمدرمان . وقطع عدد كبير من الطرق، إذ أضرم المتظاهرون النار في الإطارات المستعملة أو في أغصان الشجر، وانتشرت سحابة دخان كثيفة سوداء فوق عدد كبير من أحياء العاصمة . كما أضرم الغاضبون النار في عدد كبير من السيارات في مرآب فندق كبير يبعد 500 متر عن مطار الخرطوم وفي محطة وقود على الطريق نفسه . وتدخلت قوات الأمن لتفريق المتظاهرين في الخرطوم بإلقاء قنابل مسيلة للدموع وأوقفت العديد منهم وقتل متظاهران على الأقل إحداهما طالبة ثانوية عامة دهساً بإحدى سيارات الشرطة، كما قتل بنفس الطريقة طالب أساسي (13 عاماً) . وفي حي الخرطوم بحري، أكد أحد الشهود أنه شاهد ست سيارات أحرقها المتظاهرون . وأقفلت الشرطة عند الظهر قسماً من محور الطرق المؤدي الى المطار، وتوقفت وسائل النقل المشترك ظهراً . ولمواجهة اتساع الاضطرابات، أعلنت السلطات إقفال المدارس في الخرطوم حتى 30 سبتمبر/أيلول . وقطعت، من جهة أخرى، اتصالات الانترنت في العاصمة، بعدما انتشرت على شبكات التواصل الاجتماعي دعوات إلى تنظيم تظاهرات احتجاج على الحكومة . واتسعت الاحتجاجات في انحاء أخرى من البلاد، وسار مئات الأشخاص منهم طلاب الأربعاء في بورت سودان، المرفأ الوحيد في البلاد على بعد ألف كلم شمال شرق الخرطوم، كما أفاد شهود ذكروا ان الشرطة فرقت المتظاهرين بالقنابل المسيلة للدموع والهراوات . وتظاهر مئات الطلاب أيضاً في عطبرة التي تبعد 400 كلم شمال الخرطوم . وأعلنت الشرطة السودانية أنها قامت بضبط عدد ممن شاركوا في الاحتجاجات التي وصفتها بأنها "أحداث شغب متفرقة وتجمهرات غير مشروعة بغرض الإتلاف والسلب والنهب والتخريب" . واتهم حزب المؤتمر الوطني الحاكم "عناصر من الجبهة الثورية" بالتسلل إلى الولايات للقيام بعمليات تخريب، وأعرب مسؤول في الحزب عن أمله "أن ينظر الناس إلى قضية الإصلاحات التي أعلنت عنها الحكومة من زاوية اقتصادية"، وقال إن "أي خلط مع الزاوية السياسية سوف يفرغ الخطاب من مضمونه"، مشيراً إلى "ظهور الملمح والتحريك السياسي في التظاهرات" . وأعلنت الجبهة الثورية، التي تقاتل الحكومة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، دعمها وتأييدها الكامل ل"الثورة التي انطلقت في الخرطوم" . ودعت الجبهة أفراد الشرطة والقوات النظامية إلى "عصيان أوامر النظام وعدم إطلاق الرصاص الحي وقتل إخوانهم" . وحذرت الجبهة من أنها "لن تقف مكتوفة الأيدي تجاه دموية النظام حال تمادى في قتل المتظاهرين" . في الأثناء، صرح الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي بأن الترتيبات "تمضي على قدم وساق لمرحلة ما بعد إسقاط النظام الحاكم في السودان"، لكن مراقبين قللوا من هذا التصريح بسبب تباعد مواقف أحزاب المعارضة التي يقودها زعماء كبار في السن وتعاني من الضعف والانقسامات ولا تجتذب الشبان الذين يطالبون بتغييرات جذرية . وتتوقع أوساط سياسية أن الاحتجاجات الجارية لن تتوقف على الأرجح، كما أن الحكومة ليس بوسعها أن تتراجع عن قراراتها برفع أسعار المحروقات وبعض المواد الغذائية الأساسية كالقمح . وكانت الخرطوم تأمل في إبقاء الدعم على بعض منتجات الوقود من خلال زيادة صادراتها من الذهب حتى تعوض عائدات النفط لكن هذه الآمال أحبطت بانخفاض سعر الذهب عالمياً . وتقول حكومة السودان إن التضخم السنوي تراجع في يوليو/تموز إلى 8 .23 في المئة من 1 .37 في المئة في مايو/أيار لكن المحللين المستقلين يقولون إن المعدل الفعلي للتضخم هو 50 في المئة أو أكثر . (وكالات)