أثبت المؤتمر الوطني أن الحديث المستهلك الذي بات يتردد «لو أردت قتل أي عمل شكل له لجنة تحقيق» غير صحيح ولا يلامس الواقع بعد أن سارع الحزب الحاكم بتشكيل لجنة تحقيق الغرض منها محاسبة قيادات بالحزب تسمي نفسها تيار الحراك الإصلاحي أصدرت مذكرة باتت تعرف اصطلاحاً بمذكرة «الإصلاحيين» صوبت في سطورها انتقادات حادة للإجراءات الاقتصادية التي أقرتها الحكومة مؤخراً.. اللافت في الأمر أن الوطني لم ينتظر كثيراً منذ خروج المذكرة إلى العلن حيث سارع إلى رفع العصا في وجه أصحابها وبلغ اهتمام قيادة الحزب بالمذكرة مداه رغم تقليل الأمين السياسي للوطني حسبو محمد عبد الرحمن منها، بتشكيل الرئيس البشير شخصياً للجنة التحقيق والتي منحها صلاحيات واسعة، فبحسب نص القرار الذي تحصلت «آخر لحظة» على نسخة منه والصادر في اليوم الثاني من هذا الشهر.. فإن مهامها أولاً: تحقق مع الذين وردت أسماؤهم في المذكرة، ومع أي عضو ترى استجوابه من واقع ما يظهره التحقيق أو المعلومات المتوفرة، وتوصي بما تراه مناسباً لمحاسبة من تثبت إدانته.. ثانياً يحق للجنة طلب المعلومات ذات الصلة من أي من مؤسسات الحزب وتكوين لجان فرعية مساعدة.. ثالثاً: يحق للجنة تجميد النشاط التنظيمي لأي عضو ورد اسمه في المذكرة لحين اكتمال المحاسبة.. رابعاً تستعين اللجنة بما تراه مناسباً وأخيراً ترفع تقريرها في فترة لا تتجاوز أسبوعاً. لكن ثمة ملاحظات عامة على خطوة الوطني.. فالقرار يعني أن ترفع اللجنة تقريرها الخميس المقبل وضيق الفترة في حد ذاته يؤكد أن الوطني انزعج من خطوة أصحاب المذكرة ولذلك لم يتهاون معهم وأراد حسم الخطوة بأسرع فرصة ممكنة رغم أن عدد الموقعين ليس بالقليل وتحديداً ثلاثون شخصية بعد تنصل أحد الموقعين وهو سامي عبد الوهاب من قطاع الطلاب، كما أن اللجنة التي ستجري التحقيق تضم قيادات وهم رئيس لجنة المحاسبة بالحزب، رئيس البرلمان أحمد إبراهيم الطاهر رئيساً للجنة والوزير عوض الجاز نائباً له وعضوية الأمين السياسي بالحزب الوزير حسبو محمد عبد الرحمن وأمينا الشباب عبد المنعم السني والطلاب جمال محمود وعضو القطاع السياسي بلال عثمان بلال عضواً ومقرراً، وبالقطع سيكونون مشغولين بعض الشيء إلا أنهم باشروا مهامهم أمس الأول الجمعة بالمركز العام للمؤتمر الوطني بقاعة اجتماعات المكتب القيادي. من الراجح أن الحزب سارع لمحاصرة أصحاب المذكرة التي على رأسها د. غازي صلاح الدين بعد ابتهاج المعارضة بالمذكرة، بل وللمفارقة أن الوطني انزعج للمسألة بعد أن أبلغته قيادات في المعارضة والتي التقت بقيادات بالوطني أثناء حملة امتصاص صدمة الإجراءات الاقتصادية ونقلوا لهم رفض قيادات داخل الحزب الحاكم للإجراءات الاقتصادية ولسان حال المعارضة يقول هنا: « أقنعوا أهل بيتكم أولاً». الواضح أن الوطني لا يريد التهاون هذه المرة مع الأوضاع الراهنة مقارنة بموقفه من مذكرة الألف أخ والتي طالب البشير بمحاسبة أصحابها والذين تخفوا ولم يخرجوا للعلن أسوة بأصحاب «الإصلاحية» الذين تقدمهم د. غازي صلاح الدين والذي ظل لفترة طويلة على الأقل من مؤتمر الحركة الإسلامية في الربع الأخير من العام الماضي صاحب تصريحات لا تنسجم مع خط الحزب مثل حديثه عن قانونية ترشيح البشير، كما وأن ما يدفع الوطني لممارسة «اللعب الضاغط رجل لرجل»- كما تقول خطط كرة القدم.. مع غازي وإخوانه أن المذكرة ضمت عسكريين مرموقين لهم مساهماتهم في دحر أعداء الإنقاذ والمشروع الإسلامي في الجنوب ودارفور وآخرها في هجليج عقب احتلال الجيش الجنوبي لها على رأسهم العميد ود إبراهيم ومصطفى ممتاز، وهؤلاء أرهقوا الحكومة وكادوا يألبوا عليها المجاهدين الذين يطيعون ود إبراهيم ويكنون له تقديراً خاصاً، فعقب اعتقاله فيما عرف ب «الانقلابية» مباشرة قدم مدير جهاز الأمن والمخابرات المهندس محمد عطا والأمين العام للحركة الإسلامية لقاء مكاشفة بالمجاهدين تفهموا الأخيرون موقف الحكومة، ولذلك اجتماع أمثال غازي صلاح الدين ود. أسامة علي توفيق صاحب بصمة الوجود السوداني في الثورة الليبية التي اقتلعت القذافي وعضو مجلس قيادة الثورة صلاح كرار بعسكريين متمرسين وانضم إليهم لاحقاً مفكر مثل حسن مكي وزمرة من المقالين والغاضبين، يجعل الوطني محقاً في خطوته خاصة وأن قرار البشير الذي استند على لائحة المكتب القيادي ولائحة الرقابة والمحاسبة اعتبر الخطوة.. أي تداول المذكرة يدعم خط المعارضة لإسقاط النظام.. وكل تلك المسائل هي بكل حال محفوفة بالمخاطر حيث برزت ردة فعل أحد الموقعين على المذكرة وهي الوزيرة السابقة سامية هباني «حرم د. غازي».. فمجرد تسلمها خطاب المثول أمام اللجنة اعتبرت المسألة سانحة للمواجهة ومحاسبة الحزب في شخصهم.. ولذلك تعامل البشير بذكاء عندما أتى بشخصيات متمرسة على العمل السياسي ومن المتنفذين في الحزب والإنقاذ «الطاهر والجاز». كما أن الحزب في داخل غرفه المغلقة يستعد للانتخابات ويواصل حصار المعارضة بتهييجها للشارع بمبدأ «كل شيء بدربو».. فالاستعداد للانتخابات يعني إغلاق الباب باكراً من أي محاولات تفلت أو تمرد على المؤسسية.. ويعني أيضاً عدم الحاجة لبندول نافع لكل من «يتغبن».. ذلك الحديث الشهير لنائب رئيس الحزب في الانتخابات الماضية. ومهما يكن من أمر فإن الرأي العام ربما لم يتوقع أن يقوم الوطني بمحاسبة الكبار من أبنائه دون تخوف من حدوث انشقاقات واستقالات والتي هي في طريقها لأن تكون واقعاً.. فها هي المنضمة لاحقاً للمذكرة د. هويدا صلاح الدين العتباني تقول ل«آخر لحظة».. «دا طرفي من الوطني». تقرير: أسامة عبد الماجد: صحيفة آخر لحظة