اتسعت دائرة القتال في دولة الجنوب بشكل كبير وتجاوزت العاصمة جوبا إلى ولايات أخرى مثل الوحدة وجونقلي بفعل الصراع ذي الطابع السياسي بين رئيس الدولة الجنوبية وسلفاكير ميارديت ونائبه السابق د. رياك مشار، والذي سرعان ما أخذ طابعاً قبلياً بعد تكتل قبيلة النوير وانحيازها وبشكل مباشر إلى ابنها « مشار» ودعمها لها عسكرياً بخلاف توقعات جوبا من خلال اجتياح خصم الحكومة الجنوبية بيتر قديت لمدينة بور الإستراتيجية، وإقرار حكومة جوبا لاحقاً بذلك الهجوم. ومع تخوف المواطن الجنوبي الذي هجر المدن ولجوء كثيرين منهم إلى مقار البعثات الدبلوماسية والأممية والثكنات العسكرية لبعثة (اليونميس) في الجنوب، لاذ كثير من أبناء أبيي بالفرار من ناحية الجنوب باتجاه شمال البحر واحتموا بالمسيرية مما يفتح باب التساؤل في ظل توترات الأوضاع هناك حول مصير منطقة أبيي، ذلك الملف الذي ظل يناور به عدد من قيادات الحركة الشعبية أمثال دينق الور، لوكا بيونق وإدوارد لينو الذين ارتخت قبضتهم من مقاليد السلطة بالجنوب، حيث خرج الور من الحكومة ملاحقاً بلعنات الفساد التي دمغه بها سلفاكير، بل وغادر جوبا إلى أبيي وانزوى عن الأضواء ويعيش في حالة من الضنك بحسب تقرير نشرته الزميلة (السوداني) من جوبا هذا الشهر، بينما آثر لوكا الانسحاب ومغادرة الجنوب والانضمام إلى فريق أكاديمي بالولايات المتحدة وفضل لينو الإعتكاف بمنزله بجوبا. بالقطع في الوقت الراهن ليس في بال كل القيادات من أبناء أبيي المذكورين أعلاه وآخرين بعد أن ضيق عليهم سلفاكير الخناق وهم ممن يسمون ب (أولاد قرنق) الذين باتوا العدو الأول للنظام الجنوبي ومنهم قيادات من قبائل أخرى أمثال باقان أموم (ابن الشلك) حيث تم القبض على دينق الور بتهمة الضلوع في المحاولة الإنقلابية التي وقعت في جوبا الأحد الماضي، ليس في بالهم سوى الانتظار والترقب بينما ما يزال مصير إدوارد لينو مجهولاً رغم أن الزميلة (اليوم التالي) أجرت معه حواراً الاربعاء الفائتة قال إنه ما يزال مقيماً بمنزله بجوبا، وإن لم يستبعد الإعتقال الذي ربما يكون طاله الآن في ظل موجة الإعتقالات الواسعة التي شنتها حكومة جوبا. تضاؤل حظوظ أبناء أبيي في المشهد السياسي الجنوبي لاح في الأفق منذ زمن بعيد، بدأ بابعادهم من مركز القرار ومن قيادة الحركة رغم سبقهم وقوة نفوذهم في عهد جون قرنق، حيث كان الور من المقربين إليه، وكان مدير مكتبه قبل نحو ربع قرن بينما لوكا يكفيه استناده على أنه ابن السلطان دينق وإدوارد لينو كان مسؤولاً من المخابرات كما أن قيادات بارزة مثل رياك مشار لا تعير قضيتهم اهتماماً، ولذلك بعد تقليم سلفاكير لأظافرهم حاولوا رد الصفعة إليه بتحريك ملف أبيي .. ومضوا لأبعد من ذلك عندما لعبوا دوراً بارزاً في إقدام دينكا المنطقة على إجراء استفتاء أحادي بالمنطقة مؤخراً كان واضحاً الهدف منه توتر علاقات (الخرطومجوبا) والتي هي في أحسن حالاتها من خلال القمم الرئاسية الراتبة بين الرئيس البشير ونظيره الجنوبي سلفاكير الذي فوت الفرصة على آخر كرت كان يراهن به دينق الور ورفاقه.. حيث لم يعترف ميارديت بالإستفتاء الذي لم يرحب به دولياً وإقليمياً، وأكد أن ملف المنطقة بينه والرئيس البشير حيث اتفقا في آخر قمة رئاسية بينهما عقدت في جوبا على تقارب بشأن الملف . إتهامات متكررة ظلت توجه لدينق الور ومن معه مفادها استغلالهم لملف المنطقة لتحقيق مكاسب سياسية شخصية منها ماجاء على لسان ألور فيانق كوال أروب (حفيد أروب القيادي بدينكا نقوك وابن أخ السلطان دينق مجوك كوال) الذي قال بمؤتمر صحفي عقده بالخرطوم الإسبوع الماضي: أن رؤية الحركة لقضية أبيي فيها خداع لدينكا نقوك استغلها النافذون منهم لمصالحهم الخاصة.. وكشف فيانق ذلك الخداع بإشاعة تلك المجموعة وضع نتيجة الاستفتاء على منضدة برلمان الجنوب بغرض الإجازة لتسليمه للاتحاد الأفريقي، الذي سيسلمه بدوره لمجلس الأمن- والحديث لفيانق - والذي سيوافق عليه ويفرضه على السودان بموجب الفصل السابع.. وسخر الرجل من محاولات (أولاد قرنق) اليائسة بالقول «إنهم يفعلون ذلك وكأن أبيي هي عش طير يمكن نقله من الشجرة هذه إلى تلك» فيانق الذي انسلخ عن الحركة وانضم للمؤتمر الوطني وعاد لأخوانه بأبيي أشار وبشكل غير مباشر لتبرؤ الجنوبيين منهم، عندما أكد استقبال أبيي لجثامين دينكا نقوك الذين تأبى مقابر الجنوب احتضانهم. ويرى المحلل السياسي جمال رستم أن قيادات الحركة من أبناء أبيي كانوا يعلمون أن التنافس السياسي في الجنوب قائماً على الإعتماد على الثقل القبلي، ولذلك ظلوا يراهنون على ملف أبيي وهو الأمر الذي فطن إليه الرئيس سلفاكير فقام باقصائهم.. وتوقع رستم في حديثه ل (آخر لحظة) هدوء الأوضاع في أبيي بعد حصار من كانوا يحركون الملف، وضرب مثالاً بدينق الور ويبدو أن مطالبات فيانق كوال بضرورة العمل على تحقيق التعايش السلمي بين المسيرية والدينكا لضمان الإستقرار في المنطقة هو الذي سيسود مالم تحدث تقلبات على المشهد، وما أكثرها هذه الأيام. صحيفة آخر لحظة