تسبب برنامج "مع هيكل" الذي تذيعه فضائية الجزيرة القطرية ويقدمه الكاتب والصحفي المصري الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل، في تأزم العلاقات بين قطر والأردن على خلفية تناول البرنامج لحياة العائلة المالكة وهو ما أعتبرته عمّان إساءة لتاريخ الأردن ورموزه و"تحرشا غير مبرر في ضوء حالة الانفراج والمصالحة العربية الجارية". وذكرت مصادر رسمية أردنية ان الحكومة تنتظر نتائج جهود بعض الأطراف العربية لمعرفة أسباب ودوافع بث قناة الجزيرة القطرية لهذا البرنامج وفي هذا التوقيت بالذات خاصة مع اقتراب انعقاد القمة العربية الدورية والمقرر ان تستضيفها الدوحة نهاية الشهر الحالي. وألمحت المصادر إلى ان مشاركة الأردن في تلك القمة ستتقرر خلال الأيام القليلة المقبلة في ضوء الاتصالات التي جرت مع الحكومة القطرية خاصة الدور الذي قام به وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل الذي زار الدوحة يوم الأحد الماضي. وتحاول عدة أطراف أردنية معرفة الهدف من بث البرنامج وتوقيته، والجهة التي تقف وراءه. وتنتظرالاوساط المطلعة صدور قرار في الدوحة بوقف بث الحلقة الثانية من برنامج (مع هيكل) المقررة يوم الخميس المقبل والذي سيتناول الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية في حرب 1967 . وأشارت تلك المصادر في حديثها لصحيفة "العرب اليوم" الأردنية، إلى أن استمرار بث البرنامج وعدم أخذ الغضب الأردني الرسمي والشعبي في الحسبان، سيؤجج المشكلة وسينعكس ذلك على مشاركة الأردن وبعض الدول العربية في قمة الدوحة أو تخفيض مستوى التمثيل فيها. وتخشى الحكومة الأردنية من عودة التوتر في العلاقات الثنائية التي أنهتها زيارة العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للدوحة قبل أشهر، خصوصا أن هناك أكثر من 50 ألف أردني يعملون في قطر يمكن ان يتضرروا من التصعيد الإعلامي. وتعتقد المصادر الرسمية أن "الحكومة القطرية تحمل نظيرتها الأردنية مسؤولية عدم حضورها قمة الرياض الرباعية، وكذلك فشل نصاب قمة الدوحة وعدم حضور بعض الأطراف العربية"، وهي تهم تنفيها المصادر الرسمية الأردنية وتؤكد أن حضور العاهل الأردني لقمة الرياض لم يكن مطروحا " لأنها قمة مصالحة بين أطراف متخاصمة، والأردن لم يكن طرفا، واذا كانت هناك مقايضة بعدم حضور قطر للقمة، فإن الأردن لا علم له بالأمر". وأكدت المصادر أن القيادة الأردنية التي تسلمت الاسبوع الماضي دعوتين من وزير الدولة للشؤون الخارجية القطري، الأولى لحضور القمة العربية المقررة نهاية الشهر، والثانية لقمة عربية – أميركية لاتينية تعقب الأولى. ووعد الجانب الاردني بتلبة الدعوتين، لكن القيادة الاردنية تجري الان تقويما للوضع الجديد بانتظار التفسير القطري لما بثته "الجزيرة". "مع هيكل" وكان هيكل قد خصص حلقته الأخيرة من برنامج "مع هيكل" والذي أذيع على فضائية الجزيرة الخميس الماضي، وللحديث عن الأردن والملك الراحل الحسين بن طلال و "لقاءاته السرية مع الإسرائيليين قبل حرب عام 1967 وتقاضيه راتباً شهرياً من الاستخبارات المركزية الاميركية". وحاول هيكل في برنامجه تحليل شخصية كل من الملك عبد الله الأول (جد الملك حسين)، والملك طلال (والد الملك حسين). ووصف هيكل العلاقة بين الملك الأردنى الراحل حسين وبين إسرائيل وأمريكا بانها علاقة وثيقة جدا ..وان "تقلب" مواقف الملك من القضايا العربية خاصة فى أوقات الأزمات ترجع الى "العقد النفسية والفكرية التاريخية" التى ورثها، مستندا في ذلك إلى "وثائق" عبارة عن كتب ومذكرات عربية وأجنبية وشهادات أحياء منهم زوجته الملكة نور والرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر. وخلص هيكل في نهاية حلقته إلى ان الأحداث السياسية والعائلية التي عاصرها الملكان أثرت بشكل بالغ على تصرفاتهما وجعلتهما "معبأين بأحقاد وكراهية لا حدود لها" تجاه الدول العربية المحيطة، بل وجعلت الملك الحسين من بعدهما "أكثر جنوحا" إلى أعداء الأمة بدءا من الإنجليز مرورا بالأمريكان ووصولا إلى إسرائيل، على حد قوله. رد فعل الأردن أثار ما قاله هيكل في برنامجه استهجان الأوساط الأردنية التي تعتقد "ان التاريخ تجاوز تلك الاتهامات القديمة المكررة وأثبت صحة الطروح الأردنية مقارنة مع الوضع العربي الراهن"، اضافة الى تناقض محتوى الهجوم مع اجواء الانفراج والمصالحة العربية السائدة قبيل موعد قمة الدوحة نهاية الشهر الجاري. واستغربت تلك الأوساط في الوقت نفسه توقيت بث البرنامج خاصة أنه جاء في أجواء الانفراج والمصالحة العربية السائدة، وأكدت ان "اتصالات عبر قنوات شبه ديبلوماسية بدأت مع الجانب القطري فوراً للاستفهام عن هدف بث البرنامج وتوقيته وماهية الرسالة التي ترغب دولة قطر في ارسالها الى القيادة الاردنية قبيل قمة الدوحة، وهل هي رسالة تهدف الى دفعها الى عدم حضور قمة الدوحة ومقاطعتها؟". وشن العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية الأردنية هجوما شرسا ضد الكاتب المصري واتهمته بالعمل على "تزوير التاريخ وقلب الحقائق" من خلال تشويه صورة المملكة وملوكها عبر التاريخ، معتبرة ان هيكل قدم من خلال عرضه التاريخي رؤية غير موضوعية ولا تستند إلى أدلة علمية، بل تمثل رأيه وحده حول نظرة الأردن إلى الدول العربية عموما والخليجية خصوصا. في المقابل، حرصت الحكومة الأردنية على بقاء الحملة الإعلامية مركزة ضد الكاتب محمد حسنين هيكل دون غيره وعدم امتداد "السنتها" الى انتقاد او الإساءة إلى دولة قطر، رغم أن بعض وسائل الإعلام الأردنية بدأ يلمح إلى "الدور القطري الرسمي الخفي في بث البرنامج وعلاقة القناة الفضائية مع الحكومة القطرية".