يمكن التكهن أن ذاكرة والي الخرطوم الخضر كانت ممتلئة أمس الأول بحملة التوقيعات الشبابية الساعية للإطاحة به على خلفية قضية الفساد المتورط فيها نفر من معاونيه، وبهذا التكهن يمكن استيعاب لماذا قال الخضر بكثير من التحدي والثقة: (أي زول ما لاقي شغل يجيني أنا مباشرة)، لكن لا يمكن التكهن بما سيفعله الرجل صباح الأحد عندما يجد نفسه محاصرا بجحافل العاطلين الذين تواثقوا على تلبية الدعوة محملين بشهاداتهم ويدرسون الآن الخطط الكفيلة باختراق حصنه بمقترحات تعج بها صفحة صممت خصيصا لذلك في موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) بعنوان (عاطل/ة). بدأ تعاطي العاطلين مع دعوة الخضر بشكل ساخر من طبيعتها غير العملية، إذ لا يمكن توظيف هذه الآلاف بنظرة خاطفة إلى الخارطة الاقتصادية بالبلاد والتي ينكمش فيها سوق العمل يوما بعد آخر وهو يشرد مزيدا من عمالته دع عنك توظيف آخرين، بجانب أن دعوة الرجل تمثل إقرارا منه بخلل إداري يعتري حكومته التي لغى وزارتها ومؤسساتها المعنية واختزلها في شخصه. لكن الأمر مختلف بالنسبة إلى الشاب العاطل خالد بحر الذي سارع بأخذ دعوة الخضر على محمل الجد وأسس مع آخرين من زملائه الذين يقتسمون معه الوصف الوظيفي صفحة (عاطل/ة) التي انضم لها نحو 5 آلاف عند السابعة من مساء أمس. تهدف الصفحة إلى دعوة العطالة إلى التجمع عند مكتب الوالي صباح الأحد محملين بشهاداتهم ليبرهم بوعده ويتسابق أعضاؤها في الدعاية لحملتهم بنشر رسوم كاريكتورية غلفت بالسخرية، لكن جوهرها يجد في الجدية، وأشعار قرضت خصيصا للقضية نجتزئ منها ما دونه الشاب لطيف أحمد: هوي يا العاطل قوماك يلا نلاقي الوالي لقصرو العالي "جلبلب" نطلع وما نتدلا.. وعن حقنا ضمة ما بنتخلا وبالطبع لم يعدم الوالي من يذكره بأنه يدعوهم إلى حقهم عليه وليس فضله عليهم. حيث تصدرت الصفحة المادة 12 (1) بالباب الأول من دستور 2005 "تضع الدولة استراتيجيات وسياسات العدالة الاجتماعية بين أهل السودان كافة، وذلك عن طريق تأمين سبل كسب العيش وفرص العمل وتشجيع التكافل والعون الذاتي والتعاون والعمل الخيري" معطوفة إلى المادة 23 (1) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "لكل شخص الحق في العمل، وله حرية اختياره بشروط عادلة مرضية، كما أن له حق الحماية من البطالة". والحال كذلك يبعث السؤال بمنظمي الحملة، هل ستسمح السلطات لهم بالتجمهر أمام مكتب الوالي خصوصا أنهم من شريحة الشباب التي تدمن الاحتجاج ولا تعدم ما يدفعها إليه؟، لكن الإجابة، والسؤال أيضا، ليسا مهمان بالنسبة للشاب خالد بحر الذي يختزل الأمر قائلا: "نحن نلبي دعوة لوالي الخرطوم أعلى جهة اعتبارية في الولاية، وليس لدينا هدف غير البحث عن فرص العمل". ويضيف بحر الذي تخرج من قسم علم النفس بكلية الآداب جامعة النيلين في العام 2007 ويبلغ عمره الآن 34 سنة على حد علمي الولاية ليست لديها الإمكانيات لاستيعاب هذا الكم الهائل من العاطلين عن العمل، ليس لقلة الموارد وفرص العمل، ولكن لأن موضوع العطالة لا يقع في صدر أولوياتها. وبداهة، فإن الخضر سيحدد صباح الأحد بشكل عملي إن كان الأمر أولوية بالنسبة إليه أم أن دعوته مجرد "استهلاك سياسي" كما يصفها الخريج الجامعي العاطل عن العمل محمد عباس. لكن في الحالتين لن تطوى الصفحة التي من دواعي تأسيسها كما يقول بحر أن تكون "نواة لجسم يُعنى بقضايا البطالة في الخرطوم بشكل خاص وفي السودان بشكل عام". وبالتأكيد إذا كانت النواة مزعجة للخضر صبيحة الأحد فإنها ستكون أكثر إزعاجا صبيحة تمخضها عن جسم تمنع الخضر حياله لأنه سيكون "محتجا" وليس "مدعوا" كما تشي بذلك الأبيات التي استلهمها الشاب الصديق محمد: يا والينا جاينك جاينك بلا استهتار ولا خايفنك من كل الطرقات جاينك من الأحياء الفقيرة والحارات جاينك من أم درمان أم بدة أبوسعد والثورات الخرطوم دار دار زنقه زنقه وعمارات بحري ذاتو فيها عطالة ما لقو واسطات من كل أنحاء السودان جاينك. صحيفة اليوم التالي