هناك فرق ليس كل الآخرين ..! منى أبو زيد أطول علاقة خوف متكافئة/متبادلة بين ضعيف وقوي، على مر التاريخ، هي علاقة الفئران بالنساء .. المرأة والفأر هما أكثر مخلوقين يخافان بعضهما البعض بذات القدر ويفُكَّان الدرب لبعضهما بذات الطريقة .. الفأر يهرب مبتعداً .. والمرأة تهرول .. و– في رواية – تولول ..! في الرواق الطويل المؤدي إلى غرفة المكياج بمبنى التلفزيون بات من المعتاد أن يسمع المارة صيحات الفزع وصرخات الخوف المنطلقة من حناجر حسناوات دخلن الغرفة طمعاً في بعض من حسن الحضارة ال (مجلوب بتطرية) .. ليخرجن منها بوجوه شاحبة وعيون زائغة .. رغم إشراقة المكياج ..! قبل بضعة أيام جلستُ أمام مرآة غرفة المكياج إياها لأخذ نصيبي من حسن الحضارة، وحيل مكياجها الفنية الوافرة - التي تكاد تقف بالقبح العديل على تخوم الحسن العليل – عندما فوجئت بأصوات الجلبة إياها .. تعالى صوت الخبط وراء الدولاب الخشبي لتتمخض مرآة الزينة الضخمة فتلد فأراً كبيراً (جقر) عديل ..! قفز (الجقر) إلى حجري فانطفأت روحي للحظة .. وانعقد لساني من باب (التسخين) قبل أن تنطلق المعزوفة إياها .. سادت حالة من الهرج وشمَّرت الجالسات عن سيقانهن وتناوبن اللف والدوران على غير هدى ..! أخذ الفأر جولة لا بأس بها بين الأقدام المذعورة قبل أن يعاود الاختفاء .. لنعاود الجلوس لإكمال ما بدأناه من رسم وتلوين وشخبطة لدواعي الشاشة .. ليعاود الفأر الذي يبدو أن لوثة قد أصابته الركض والتنطيط بين المقاعد والطاولات والأقدام قبل أن يعود من حيث أتى .. مخلفاً حواراً صاخباً عن تجاهل المسئولين لعشرات الشكاوى المتظلمة من فئران غرفة المكياج بمبنى التلفزيون .. حيث حسن الحضارة المجلوب بمقاساة الخوف من هجمات الفئران ..! ربما سيتضاءل شعور حسناوات غرفة مكياج التلفزيون بالغبن إذا هنَّ تأملن ملياً في قصة فأر البيت الأبيض التي حدثت قبل أيام .. والذي تناقلت وكالات الأنباء خبر ظهوره تحت موطئ أقدام أكثر من سبعمائة شخص، تجمعوا في حديقة الورود بالبيت الأبيض لسماع أوباما وهو يلقي خطبة اقتصادية عصماء ..! وقد انتشرت مقاطع الفيديو التي تؤرخ لهجمة الفأر الأمريكي (الرزين) وهو يتجول بهدوء وعلى استحياء – ملتصقاً بالدعائم الأسمنتية - بعيداً عن أقدام الحاضرين .. كما أرَّخت الصور لديموقراطية الحضور التي تمثلت في الاكتفاء بالضحك والهمهمة .. ثم لردة فعل أوباما التي تلخصت في تجاهل جولة الفأر وإكمال إلقاء الخطاب ..! بعض الصحف الأمريكية نصَّبت الفأر المهذب أيقونة فشل .. وحوَّلته من رمز لأجواء القذارة والقلق/الخوف إلى دلالة على إخفاق البيت الأبيض في حماية جدرانه من هجمات الغرباء .. وشككت تلك الصحف في سماع جدوى خطاب رئيس لا يقوى على طرد فأر .. قبل أن تتمادى وتربط ساخرة بين استقالة رئيس الاستخبارات وعدم قدرته على مكافحة فأر ..! على كل حال .. يبدو أن الجحيم عند (بعض) القوارض ليس (كل) الآخرين .. والفئران – أيضاً مثل الناس - على دين ملوكها .. قل لي نوع فأرك .. أقل لك من أنت .. قل لي كيف تتناول صحافتك حكاية فأرك .. أقل لك من يحكمك ..! التيار