مراسلة سليم عثمان أحمد حينما البعض ابناء المغتربين بنصف عين مفتوحة؟ سليم عثمان أحمد /كاتب وصحافي سوداني مقيم في قطر : [email protected] سرني كثيرا الرد الذي كتبه زميلنا العزيز الاستاذ مصطفي محكر، ردا علي مقال زميلنا العزيز الاستاذ ضياء الدين بلال مدير تحرير جريدة الرأي العام الغراء بعنوان : أبناء المغتربين ومحاضر الشرطة في( العين الثالثة ) وزميلنا ضياء من الصحفيين الذين لهم عيون كثيرة، (اللهم لا حسد ) ولسوء حظنا أو لحسنه ، نحن معاشر المغتربين فقد رصدت أحدي عيونه ، تجمعا لأبناء المغتربين في أحد مطاعم الخرطوم ،فلم يعجبه طريقة لباسهم وحديثهم، وقصات شعرهم ،وزاد من استيائه تجاه أبناء المغتربين، أن جامعة من جامعاتنا ( لا تتجاوز مساحتها مساحة بيت مغترب عادي؟! ) معظم الدراسيين فيها من متعاطي المخدرات ؟ هكذا حدثه عليم بأمورهم، ولاشك عندي أن الاستاذ ضياء لم يقصد، تشويه سمعة فلذات أكبادنا، التي تهيم علي وجوهها في شوارع الخرطوم ومطاعمها ،وأروقة جامعاتها ،وتغرق في عالم المخدرات ، وربما الجنس ،وربما الرذائل كلها ،لكنه من حيث لا يقصد أصاب سمعة أبناء المغتربين في كبد ، وفي سياق ذلك المقال الذي خطه يراعه الرشيق، تساءل عما اذا كان قتلة الأمريكي غرانفيل موجودون في دنقلا أو علي مشارف الصومال؟ ومن حيث لا يقصد حاول الزميل ضياء مرة أخري تشويه سمعة المدينة التي أنحدر منها ،إذ أنه من المؤكد حاول الإيحاء بأن دنقلا أصبحت بؤرة لخلايا القاعدة النائمة ، حتي يحرض علينا الأمريكان وغيرهم ، والا لأختار حلفا القديمة بلد زميلنا الاخر ذكريا حامد ،لأنها أبعد من دنقلا المسكينة ، ونسي أن الانقاذ دفعت الي حاضرة الولاية الشمالية دنقلا، بواحد من أعتي رجالاتها في محاربة التطرف والمنظمات الدولية، التي تحاول زورا وبهتانا إلصاق صفة التطرف والغلو بدول ومنظمات وأناس كثر، هو فتحي خليل المحامي ، واليها الجديد ،الذي تمنينا أن يسند إلينا أي حقيبة في حكومته الموقرة ولو حتي وزارة المالية ،حتي نكون قريبين من أبنائنا ونتابع حركاتهم وسكناتهم، عن كثب وحتي لا تتصيدهم عين ضياء الثالثة ويبلغ عنهم الشرطة، ويعلم ضياء أن فتحي خليل لن يسمح للقتلة بالاختباء في مزارع ولايته وبساتينها ، والحمد لله أن واحدا من القتلة تم القبض عليه في مدينة الثورة ، ليبرئ الله ساحة دنقلا من التهمة كما سوف يبرئ ساحة الصومال الذي نرجو له أن يستقر ويكون مثل سائر دول العالم ، ولعل زميلنا ضياء ممن تأثروا قليلا بحجم الدعاية الغربية الضخمة والعاتية ، عن دول ومنظمات وجماعات وأفراد أنهم يدعمون ويرعون الإرهاب ، أو يمتهنوه حتي عاب علي أبناءنا أنهم ينهلون من نبع واحد هو نبع الإرهاب الجارف، الذي يتدفق من جزيرة العرب ومن أشرف بقاعها ، ونسي أن دعوة سيدنا إبراهيم (رب اجعل هذا البلد آمنا ) ما يزال الناس يحتمون بفيضها وبركتها وخيراتها وبترولها ليس في المملكة فحسب بل في كل دول الخليج ، الي يوم الناس هذا ،ونسي أن أمريكا والغرب بضغطهما المتواصل علي واضعي المناهج التعليمية، في معظم دول الخليج والدول العربية والإسلامية، لم يتركوا سوي بعض قشور ومظاهر الكتاب والسنة ،والتعليم في الخليج اليوم يمضي نحو محاكاة المناهج الغربية، ليس في الجامعات فحسب بل حتي في رياض الأطفال ، الأمر الذي يطمئن أن أبناء المغتربين ،لن يشكلوا باذن الله خطرا علي قيم مجتمعنا السوداني ،التي بدأت تتآكل شيئا فشيئا ،ليس بسبب غزو جحافل أبناء المغتربين للجامعات والمطاعم والشوارع كأسراب الجراد الصحراوي، بملامحهم وسحناتهم ، قصات شعرهم العجيبة ،وإنما لإهمال الدولة لعنصر الشباب ، الذين نصروا الرسول حينما خذله الشيوخ، في صدر الإسلام الأول ، فلو كانت جامعاتنا كما أشار الزميل محكر مكانا لائقا لتلقي العلوم التطبيقية والنظرية، لما شاهد الزميل ضياء أبناء المغتربين وكل الطلاب والطالبات أو معظمهم يتسكعون من (كافتريا) الي أخري ولما انتشرت سموم المخدرات، في مدارج الكليات ،دون أن يجلبها أبناء المغتربين ،صحيح أن المخدرات أصبحت آفة عالمية تقف الحكومات عاجزة عن تطويقها، وصحيح أن حدود السودان الواسعة والمفتوحة علي دول عديدة تسهل لتجار المخدرات إدخالها بسهولة ،الا أن تعاطيها والترويج لها في دور العلم، ووسط شباب غض، تتحمل مسئوليته جهات عديدة حكومية ومجتمعية ، إضافة الي وسائل الاعلام المقروء والمسموع والمرئي ، ودور العبادة من مساجد وكنائس ،فالذين يتعاطون المخدرات ليسوا أبناء المغتربين وحدهم إنما معظم شباب السودان، وهم ضحايا للانفلات الذي يضرب بعنف كافة أركان مجتمعنا ، في ظل دولة التوجه الحضاري التي تتهاوي تحت ضربات مافيا المخدرات ،وهي فيما يبدو ليست من أولويات الحكومة وأجهزتها ،وقد يحسب البعض أن أبناء المغتربين يتعاطون المخدرات ويروجون،ليلا ونهارا ، وأن حقائب ذويهم التي تتكدس بها المطارات والموانئ السودانية في الإجازات ليس فيها سوي الأفيون والهيروين وغيرها من السموم ، وأنهم يتعاطون تلك السموم بحكم أن أبائهم يجلسون علي تلال من أوراق البنكنوت الأخضر، بكل مسمياته ،لكن الصحيح هو أن الاغتراب اليوم لم يعد كاغتراب الأمس، الكل يعاني الإ من رحم ربك ،وبالتالي لن يخصص مغترب واحد دولارا أو ريالا واحدا من أجل انتحار أبنه الطالب الجامعي. معاناة المغتربين في تعليم أبنائهم في السودان مضاعفة ،فهم يدفعون أكثر من غيرهم وتنشأ باسمهم جامعة لا يعرف لها هوية ،أمعانا في جلب ما تبقي من دريهمات في جيوبهم، التي أصبحت خاوية ، حتي نسجت العناكب بيوتا علي خيوطها ، فلا الحكومة ممثلة فيما يسمي بجهاز المغتربين البائس، اهتمت بقضاياهم وهمومهم ،ولا وكالات الضرائب الرسمية رحمت ضعفهم، ولا الجامعات الحكومية والخاصة أشفقت عليهم وعاملتهم بإحسان ،ولا لجنة القبول للجامعات تعطي اعتبارا للشهادات التي يحصل عليها أبنائهم ، ويكفي في هذا المقام أن أشير الي أنهم أي أبناء المغتربين تخصم منهم نسبة معتبرة ،لا ندري لماذا وعلي أي أساس؟ حتي يتنافسوا مع زملائهم الذين حصلوا علي الشهادة السودانية ،وحتي أرباب العقارات ما يزالون يحسبون أن هؤلاء (المغتربون) أبقارا حلوبة! فكل مغترب لابد أن يدفع مبلغ وقدره حتي يسكن إبنه أو إبنته في داخلية ،مهما كان بؤسها تسمي سكنا فاخرا إمعانا في مزيد من حلب مدخرات المغتربين ، أما الرسوم الدراسية حدث ولا حرج، في بلد أصبح التعليم فيه للمقتدرين فقط ،وتعجز المحليات التي لا هم لها في توفير الكتاب المدرسي والإجلاس لطلاب الأساس ، وللأسف لم يعد معظم المغتربون مقتدرين علي تحمل أعباء الحياة ، فالواحد منهم يقاسي الويلات، لتعليم أبنائه ولا يفلح في توفير تعليم ذي مستوي رفيع لهم . سوف أسرد دليلا واحدا علي إهمال الأجهزة المختصة، بأمر تعليم أبناء المغتربين ففي العام الدراسي الحالي 2010 سيحمل أبناء المغتربون في قطر (نوعين من الشهادة ) الأولي : هي القديمة التي كانت وزارة التربية والتعليم تمنحها، وكانت معترفة لدي القائمين علي أمر القبول الجامعي ، والثانية:هي شهادة المدارس المستقلة التي لم تعترف بها الجهات المسئولة عن التعليم حتي الان في السودان ، كون الطالب يحصل علي نسبة 30/نتيجة لمشاركاته وأنشطته الصفية ونسبة ال 70% في الاختبارات التحريرية، بينما الذين يحصلون علي الشهادة الأولي يخضعون لامتحانات تحريرية في كافة المواد، ولا يحصلون علي النسبة المئوية التي يحصل عليها زملائهم في المدارس المستقلة ، تساوي الحكومة ووزارة التعليم العالي بين الشهادتين ، لماذا؟؟حتي لا تصدع رأسها فقد سمعنا أنها قررت أن حاملي الشهادتين سوف يتساوون في معايير وشروط القبول ،ورغم أننا سمعنا أن وفدا من المختصين سوف يزور الدوحة لبحث هذه الإشكالية،لكن يبدو أنهم غضوا الطرف عن الموضوع ،ربما بسبب انغماس أبناء المغتربين في بحور المخدرات (أرأيتم كيف أن مقال الزميل ضياء الدين شوه سمعتنا وقضي علي ما تبقي منها؟ ) الا يدل ذلك علي حجم الفوضى التي تضرب بأطنابها داخل مؤسساتنا التعليمية ؟. كنا ننتظر من الاستاذ ضياء الدين بلال، وهو مدير تحرير لصحيفة عريقة، أن يبعث بمحرر نابه أو محررة شاطرة ،الي حيث لجنة القبول والي حيث مكتب وزير التعليم العالي ،لأجراء تحقيق شامل حول معاناة أبناء المغتربين في الحصول علي فرص عادلة مع زملائهم في الداخل( يجيب علي كيف يتم قبولهم ؟ هل هناك عدالة ؟ومن المسئول علي انغماسهم في المخدرات؟ما هي مشاكلهم في السكن وفي الإعاشة ولماذا هم معزولون وينطوون علي أنفسهم ولا يعاشرون الناس ؟ هل يعانون من علل نفسية ، وينظرون للمارة بعيون الريبة والشك ، ولايريدون الاختلاط بأفراد المجتمع ، هل فشل المجتمع في احتوائهم ؟فاستعاضوا عنه بالمخدرات وغيرها ؟أسئلة كنت أتوقع أن يجيب عليها المختصون في التعليم والإعلام والداخلية وغيرها من جهات الاختصاص بالأرقام توطئة لدراستها ووضع المعالجات الناجعة لها ، كون هؤلاء الأبناء لم يهبطوا علي مطاعم الخرطوم وجامعاتها من كوكب المريخ ، بدلا من توجيه سهام النقد إليهم لمجرد أن مجموعة منهم لم تعجبنا بعض سلوكياتهم ،أو بعض ما نسمعه عنهم في جامعة من عشرات الجامعات ،التي يدرسون فيها ، وأن يعد تحقيقات صحفية حول مشاكل وهموم أبناء المغتربين في الجامعات وعما اذا كانوا يشكلون خطرا علي قيم المجتمع، بدلا من الاكتفاء بتسجيل ملاحظات وانطباعات في حدقة العين الثالثة ،و مهما اجتهدت زرقاء اليمامة ورأت شجرا يسير في شوارع الخرطوم ،فإننا نراهم بغير تلك العين، التي ربما تأثرت برمد أصاب عيون الآخرين ، و نري أن التوفيق قد جانب العين الثالثة ،ذلك اننا نعتقد بل نجزم أنها كانت نصف مفتوحة ،أو غشاها أمنة ونعاس ،كما يتغشى كل العيون ،نقول ما نقول دون أن ندس أنوفنا في التراب ونعلم أن أبنائنا يعانون مشاكل لا حصر لها ابتداء من ابتعادهم عنا ومرورا بنظرة المجتمع لهم وليس انتهاء بعدم استطاعتهم من التكيف مع هذا المجتمع وعيونه المتربصة بهم . فالمغتربون أكثر حساسية وشفافية تجاه تربية أبنائهم ويحرصون أيما حرص علي حمايتهم في الغربة ،فكيف يحسنون تنشئتهم في الغربة بكل ما فيها من مصاعب ولا يتمكنون من متابعتهم في وطنهم ؟ وعلي كل فسوف نعتبر حديث الزميل ضياء أنه صدر منه بحسن نية تجاه عيالنا ولابد أن نشكره عليه لكننا نعتب عليه ، أنه حاول إسقاط ما رأي بأم عينيه علي السواد الأعظم من أبنائنا ، الذين لا نزكيهم علي الله ،فهم غزلان في عيون إبائهم وأمهاتهم، ونراهن عليهم في التغيير المرتقب في بلادنا ، وفي الوقت عينه نتفق مع العين الثالثة ، علي خطورة المخدرات علي مجتمعنا وشبابنا ،لكن تعاطي المخدرات نتيجة طبيعية لمجتمع معظم شبابه عاطل، وتعليمه الجامعي فيه قصور كبير ومؤسسات المجتمع المدني فيه تعاني ما تعاني ،ونتفق مع ضياء أن بعض أبنائنا يحاولون تقليد ألسن شعوب عربية أخري وقد لا نلومهم كثيرا، ذلك أنهم ولدوا في بلدان الخليج ودرسوا في مدارسه وتأثير الاعلام بكل صنوفه عليهم وعلي غيرهم كبير، لكن مع ذلك نرجو أن لا ينسلخ الأبناء عن هوية بلدهم ولهجته وقبل كل ذلك قيمه الفاضلة وعادات أهله، وقد ساءني تقرير شاهدته أمس في قناة( بي بي سي ) بثته حول الحادثة الأخيرة التي جرت لبعض أفراد الجالية السودانية في بيروت ،من قبل قوي الأمن اللبنانية ، حيث تحدث بعضهم باللهجة اللبنانية ،حتي ليخال اليك انهم ليسوا من (عندينا ) وهؤلاء لم يكونوا صغارا ولا شبابا يفعا ،وكثيرا من يجد المغتربون أن أبنائهم يحاولون تقليد لهجات المصريين واللبنانيين والخليجين ، كما لو كانت لهجتنا السودانية عارا ،أما قصات الشعر التي شاهدها زميلنا ضياء لبعض أبناء المغتربين فهي لا تعدو أن تكون موضة وتقليد وقتي لكل الشباب في سنين الدراسة الجامعية سرعان ما يزول ولا نريد أن نصف الأخ ضياء بأنه (دقة قديمة ) فهو أيضا ما يزال في ريعان شبابه .ونأمل أن يعالج من خلال عينه الثالثة قضايانا وأن لا يضع عليها عدسات ملونة تجعله كمن يبدو انطباعيا في حكمه أو يسعي لشئ من الإثارة الضارة لم نعهدها فيه من قبل . ختاما شكري للزميلين ضياء ومحكر علي سماحهما لنا بالمشاركة في شأن يهم أبنائنا جميعا واختلاف وجهات النظر بينه وبيننا لن يفسد لودنا له قضية