** العم المغترب بالرياض منذ عشرين سنة كان قد أوصل منزله بالحاج يوسف إلى مرحلة التشطيب ، ثم توقف .. حيث كان الخيار أن يكمل رحلة بناء منزله أو يكمل رحلة تعليم أنجاله ، فاختار الرحلة الثانية .. لسوء حظه ، التحق أصغر الأبناء - أحمد - بمدرسة أساس حالها يغني عن السؤال .. ولي أمر أحمد بالبلد كان يهاتف العم المغترب بين الحين والآخر ..مدير مدرسة أحمد قال داير يبني سنة تانية وطالب مساهمة ، فيرسلها.. مدير مدرسة أحمد قال داير يبني سور للمدرسة وطالب مساهمة ، فيرسلها.. مدير مدرسة أحمد قال داير يشتري شوية أزيار وطالب مساهمة ، فيرسلها ..هكذا كانت حلقات المطالب تتواصل ، حتى اتصل به ذات يوم، وبعد السلام بدأ في تقديم الطلب : مدير مدرسة أحمد داير .. فقاطعه صائحا : ياخى حريقة فيك وفي مدير مدرسة أحمد .. ثم اقترح غاضبا : افتح ليهم بيتي بتاع الحاج يوسف ، خليهم يشطبوه ويقروا فيه الأساس والثانوي وكمان الجامعة لو ماعندهم ..!! ** وكثيرة هي الأسر السودانية التي بلغ بها الحال حد الضجر والفقر في سبيل تعليم أبنائها.. التعليم الذي كان مجانا - عندما كان ولاة أمر الناس حاليا تلاميذا وطلابا - لم يعد مجانا.. وما المجانية إلا محض شعار يتجمل به وزراء التربية في وسائل الإعلام ويحسنون به تقاريرهم التي ترفع لمن يهمهم الأمر في السلطة العليا .. فالكتاب المدرسي الذي كان يباع في العام الفائت بخمس جنيهات ، ارتفع سعره ، فصار يباع هذا العام بثمان جنيهات .. كتاب مدرسي يباع للتلاميذ في الأسواق ، كما الخضر والفاكهة.. وما لم يشترِ التلميذ هذا الكتاب ، بهذا السعر ، فإنه يشترك مع زميله في كتاب الحكومة.. نعم ، ببعض المدارس كل تلميذين في كتاب ، وبمدارس أخرى كل ثلاث تلاميذ ، وربما هناك مدارس بعيدة عن عيون الصحف وقلوب الوزراء بحيث يشترك فيها كل الفصل في كتاب أو كتابين .. هكذا الحال ، وإلا فاخصم من قوت أسرتك - أو استدن - أثمان الكتب المدرسية ، بحيث تشتري الكتاب بثمان جنيهات .. طوبى لأبناء الفقراء ، حيث لا بواك لهم ، أما أبناء الوزراء والأثرياء فإن المدارس الخاصة قد أعدت لهم ما لم تخطر على قلب أولئك .. يساقون إلى ماليزيا في رحلة الصيف ، وحين تنتقد الرحلة يسمون نقدك بالحقد الطبقي ، وكأن الذين سألوا الفاروق عمر - رضى الله عنه - عن طول جلبابه كانوا حاقدين .. وماكانوا كذلك ، ولكن الحال العام عهدئذ كان يستدعي السؤال ، فالنهج الحاكم كان شفيفا ..!! ** على كل ، هيئة التربية للطباعة والنشر هي التي ظلت تطبع كتب المدارس منذ منتصف السبعينات ، ولذلك كانت الكتب غزيرة في المدارس ، بحيث لكل طالب كتاب غير مدفوع القيمة ، وليس كما الحال اليوم لكل تاجر - وسمسار - محل لبيع الكتاب .. وفجأة - كما العهد بها دائما في التخلي عن مسؤولياتها تجاه رعيتها تحت غطاء الخصخصة والتحرير - شعرت الحكومة بأن طباعة كتب أبناء رعيتها ترهق كاهلها ، فرأت بأن ترهق كاهل رعيتها وتخلصت من مطابع الهيئة بالتصفية وتركت أمر الطباعة للولايات وعطاءات تجارها - وسماسرتها - لتقع الأسر فريسة في أنيابهم عند بداية كل عام دراسي .. تعجز الولايات عن تغطية حاجة تلاميذها ، لتصطلي الأسر بنار الشراء من الأسواق.. وبالتأكيد هناك جشع يستفيد حين تكوى نار الأسعار أجساد تلك الأسر.. نعم ، وراء كل إرهاق عجز حكومي وجشع أيضا .. بالله عليكم ، ماذا يضير لو وجهت الولايات بندا من بنود جباياتها وأتاواتها بأن يكون ثمنا لكتاب مدرسي في متناول يد التلميذ ..؟. أم يسعدكم توجس أولياء الأمور عند بداية كل عام دراسي .؟. أما آن الأوان بأن تتحمل الحكومة بعض مسؤولياتها تجاه تعليم أبناء البسطاء والضعفاء ولو بتوفير كتبهم ، أم قدر هؤلاء هو التسرب ورفع معدل الفاقد التعليمي ..؟..هكذا أسألك يا صديقي القارئ ، نعم يجب أن أسألك أنت فقط ، فالحكومة يشغلها ترتيب الوضع المستقر لل (77 وزير)..ليؤدوا واجبهم كما يجب ، فلا داع لإزعاج الحكومة بتلك..(الأسئلة الانصرافية)...!! صحيفة الحقيقة