واشنطن: محمد علي صالح (عن \"الشرق الاوسط\"): [email protected] توفى في الاسبوع الماضي في مستشفى جامعة فرجينيا مانوت بول، لاعب كرة السلة الاميركي السوداني، والذي كان من اطول اللاعبين. وايضا ساهم في تقديم مساعدات لمواطنية في جنوب السودان. ولفترة اشترك في العمل السياسي خلال الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب. وكان عاد قريبا من السودان، ثم دخل المستشفى بسبب مرض في الكلي، وكان عمره 47 سنة. ------------------------------------ مرة، ساله صحافي مع \"نيويورك تايمز\" عن سر طول قامته، وقال: \"يبلغ طولى ستة اقدام ونصف قدم. لكن، كان طول جدي اطول، كان سبعة اقدام وعشرة بوصات. وكان طول والدتي سبعة اقدام تقريبا. وكان طول والدي ايضا سبعة اقدام تقريبا.\" لم يدخل بول مدرسة في السودان. واستمر يرعي الابقار حتى بلغ عمره خمس عشرة سنة. في ذلك الوقت، وحسب تقاليد قبيلة الدينكا، نزعت طبيبة شعبية اسنانا اماميه من فمه، وبسكين رسمت علامات قبلية على جبهته. وهكذا، بعد ان بلغ سن الرشد، قرر ان يترك رعى الابقار، ويسافر الى الخرطوم. وهناك اقترح عليه اصدقاؤه واقرباؤه ان يلتحق، بسبب طول قامته، بنادي محلى لكرة السلة. ---------------------------------- في سنة 1978، سافر مدرب في كرة السلة من جامعة ديكنسون (في ولاية نيوجيرسي، ولها فروع في ولايات ودول اخرى) الى افريقيا بحثا عن لاعبين لكرة السلة. وفي الخرطوم، شاهد بول يلعب مع فريق كرة سلة محلي. واقنعه لياتي الى الولاياتالمتحدة، وينضم الى فريق الجامعة. وبعد سنتين في الجامعة، لفت انظار فرق كرة سلة للمحترفين. وبقدرما كان لعبه سهلا في الجامعة، واجه مشاكل عندما دخل اندية الاحتراف بداية من سنة 1983: ولم يقدر على الحصول على شهادة جامعية، وبدأ يلعب مع اندية محترفين، لعشر سنوات، لعب خلالها في ثلاث اندية: اولا: نادي \"بوليتز\" (واشنطن العاصمة) لثلاث سنوات. وبسبب طول قامته، حقق رقما قياسيا في منع الكرة من دخول شبكة فريقه (اربعمائة مرة خلال ثلاث سنوات). ثانيا: نادي \"ووريارز\" (ولاية كليفورنيا) لسنتين. ولاول مرة، بدا يسجل اهدافا كثيرة، ولا يكتفى بمنع تسجيل الاهداف. ثالثا: نادي \"سفتي سكسرز\" في فيلادلفيا، (ولاية بنسلفانيا) لثلاث سنوات. لكن هناك وحسب الاحصائيات الدقيقة التي تسجلها الفرق الرياضية الاميركية لكل لاعب، بدات ارقام اهدافه تهبط. رابعا: نادي \"هيت\" في ميامي (ولاية فلوريدا). خلال سنة واحدة لعبها هناك، صار واضحا ان مستواه انخفض. وحسب الاحصائيات، في مبارة واحدة سجل هدفين فقط، واوقف تسجيل ستة اهداف فقط. ------------------------------- قبل وفاته بسنوات قليلة، وبينما كان عاد الى الولاياتالمتحدة في زيارة قصيرة، زاره مراسل وكالة \"اسوشيتدبرس\"، وكتب عن التحول الكبير في حياته: من ثروة ملايين الدولارات الى الاعتماد على مساعدات حكومية، ومن الشهرة الى النسيان، ومن الجسم الرياضي المكتمل الى جسم لا يكاد يتحرك. وكتب المراسل: \"ذهب كل شئ، وبقى طول قامته. ذهب اثاث فاخر في فيلا كان يسكن فيها قبل عشر سنوات، ورايته الأن في شقة ليس فيها اثاث يذكر. عطفت عليه مؤسسة خيرية كاثوليكية، وتتولى دفع ايجار الشقة.\" وقال للصحافي في يقين واضح: \"الله اعطاني، والله اخذ منى.\" وعن مشاكل واجهها في الولاياتالمتحدة، اشتكى من صيحات \"نيغر\" (عبد) من مشجعي فرق كان يلعب ضدها. لكنه قال انه تعود على مثل هذه الاساءات، رغم انه، في اول سنة له في الولاياتالمتحدة، كاد ان يعود الى السودان بسبب اساءات ونكت تعرض لها بسبب طول قامته وبسبب لونه. وقال: \"مرة، حملت حقيبتي في طريقى الى المطار لاعود الى السودان، لكن اصدقاء ضغطوا على وغيرت رأيي.\" وقال انه قرا في صحف اميركية أراء زملائه في فريق كرة السلة فيه، وقولهم انهم معجبون بالنكات التي يقولها. لكنه لم يفهم هل كانوا يضحكون على نكاته لانها تستحق الضحك، او كانوا يضحكون لعدم فهمهم النكات ولطريقة كلامه ولتصرفاته الغريبة عليهم. وعن احسن سنواته، قال عندما كان يتقاضي مليون ونصف مليون دولار في السنة (مائة الف دولار شهريا تقريبا). وكانت عنده فيلا في واشنطن وشقة في القاهرة ومنزلا في السودان. وكان عنده مطعم للمأكولات السودانية (كلفه نصف مليون دولار، وافلس). وكان يظهر في التلفزيون في اعلانات لاحذية \"نايكي\" و كاميرات \"كوداك\" وسيارات \"تايوتا.\" وقال: \"لكن، رغم ذلك، احسست اننى غريب في اميركا.\" وقال: \"كان قلبي في السودان وجسمى في امريكا.\" ويبدو ان مشاكله العنصرية اثرت عليه. كان يشتكى للصحافيين من مشاكل عنصرية ليس فقط في الولاياتالمتحدة، ولكن، ايضا، في السودان. وفي مقابلة مع مجلة \"واشنطن بوست ماغازين\"، قال ان \"الشماليين العرب المسلمين\" ينادونه \"عبد\"، واشتكي من التفرقة ضده في السودان، ومن الحرب الاهلية في الجنوب والتي قال ان الشماليين يريدون بها \"استعمار الجنوب.\" ------------------------- بدات نشاطات بول السياسية قبل وبعد ان ترك اللعب المحترف في اندية امريكية. بدا بمساعدة قبيلة الدينكا التي ينتمي اليها، وقبائل جنوبية اخرى عندما كان الحرب الاهلية مستمرة في السودان بين الشمال والجنوب. حتى قبل ان يستفحل تمرد الحركة الشعبية في السودان، كان بول حريصا على ان يزور السودان كل سنة. وحتى بعد ان تطور نشاط الحركة الشعبية، مع مجئ البشير الى الحكم في سنة 1989، لم يكن بول يركز على الجانب السياسي والقتالي بقدرما كان يركز على الجانب الانساني. وصار، كل سنة يذهب فيها الى السودان، يقدم مساعدات للاجئين الجنوبيين، خاصة الذين تدفقوا، بسبب الحرب في الجنوب، الى الشمال، وعسكروا في مخيمات بالقرب من مدينة الخرطوم. وتدريجيا، بدا يشترك في النشاط السياسي للحركة الشعبية. وقال لصحافي \"اسوشيتدبرس\" ان اقارب واصدقاء له كانوا في قيادة الحركة. وسأل: \"كيف لا اساعد اخواني واصدقائي؟\" وحسب تقرير في صحيفة \"واشنطن بوست\" سنة 1997، صار بول من قادة الحركة الشعبية في الولاياتالمتحدة. ومن الذين يقابلون اعضاء الكونغرس دفاعا عن حقوق الجنوبيين، ومعارضة للحكومة العسكرية الاسلامية في السودان. وايضا، قاد مظاهرات ضد البشير في شوارع واشنطن، واشترك في مظاهرات امام السفارة السودانية في واشنطن. في ذلك الوقت، حسب تصريحاته الصحافية، عندما انشقت الحركة الشعبية، ووافق جناح منها على التعاون مع حكومة البشير، انضم بول الى هذه الجناح. واشترك في مفاوضات في نيروبي، في كينيا، مع ممثلين لحكومة البشير. لكنه اشتكى بان جنوبيين لم يتفقوا معه اتهموه بالخيانة. ورد: \"كنت مع السلام، وهم قالوا انا خائن.\" ويبدو انه، وهو الرياضي الذي قضى سنوات كثيرة في اميركا، لم يقدر عللاى فهم المناورات السياسية سواء وسط الشماليين او وسط الجنوبيين. وعن ذلك قال: \"شعرت بان السياسيين يريدون ان يستغلوا اسمي. وانا ما كنت اريد غير ان اساعد اللاجئين.\" وقال انه في ذلك الوقت (قبل سنوات من اتفاقية السلام سنة 2005) كان يتارجح بين الامل في السلام بين الشمال والجنوب وبين الياس. ثم توقع حرب اهلية لا نهاية لها. --------------------------------- وفي مقابلة \"اسوشيتدبرس\"، قال ان الامن السوداني اعتقلته بسبب مساعدته للحركة الشعبية. وايضا، في سنة 1998، عندما ضربت صواريخ اميركية مصنع ادوية في الخرطوم حسب اوامر من الرئيس كلنتون الذي كان قال ان المصنع له صلة بالارهاب والارهابيين. في ذلك الوقت، قال ان الامن السوداني اعتقله بتهمة التجسس لصالح وكالة الاستخبارات المركزية (سي آى ايه). وقال انه ارسل معلومات الى الاميركيين عن المصنع، وموقعه. لكن، قال بول انه لم يكن يعرف اي شئ عن المصنع، وفوجئ بقصف الصواريخ، وكان في الخرطوم في ذلك الوقت، وقال انه شاهد الصواريخ تهبط على المصنع وتدمره. ومثلما تضرر بول من السياسيين الشماليين والجنوبيين على السواء، تضرر من الحكومتين السودانية والامريكية. وخاصة بعد هجوم 11 سبتمبر سنة 2001. وقال، لانه يحمل جواز سفر سوداني، واجه مشاكل في الحصول على تاشيرة دخول الى الولاياتالمتحدة. في نفس الوقت، واجه مشاكل في الخصول على تاشيرة خروج من السودان. وقال انه، مرة، سار في مظاهرة الى مكتب الهجرة والجوازات في الخرطوم، طالبا تأشيرة خروج. وعندما حصل عليها، كانت امواله نفذت. (بالاضافة الى زوجتيه واولادهم وبناتهم، كان يعول عائلة فيها اكثر من عشرين شخصا). وقال ان اصدقاء في الولاياتالمتحدة تبرعوا له ولزوجته الثانية واولادهما بتذاكر من القاهرة الى نيويورك. وقال انه عندما ذهب الى القاهرة مع عائلته الكبيرة، وقدم جوازات سفر سودانية الى السفارة الامريكية هناك، رفضت منحهم تأشيرة دخول عادية (بسبب افلاسه)، ومنحتهم تاشيرات دخول كلاجئين. بعد سنوات قليلة في الولاياتالمتحدة، وحسب مقابلة مع مجلة \"سبورتز اليستريتيد\" (الرياضة المصورة)، قال ان علاقته مع حكومة الرئيس البشير تحسنت. وان البشير عرض عليه، كجزء من المصالحة مع الجنوبين، ان يكون وزيرا للرياضة. لكن، اشترط عليه ان يترك المسيحية ويعتنق الاسلام. وقال ان البشير انتقده لانه كان يؤيد الحركة الشعبية لتحرير السودان في الولاياتالمتحدة، وكان يتعاون \"مع اعداء السودان، ويقصد الكنائس المسيحية الاميركية.\" لكنه دافع عن تعاونه مع الكنائس المسيحية، وقال ان السبب هو اضطهاد حكومة البشير العسكرية الاسلامية للمسيحيين والوثنيين في جنوب السودان. -------------------------- [email protected]