[email protected] تلقيت على بريدي العديد من الدعوات تطالبني بتناول قضية شغلت أوساطنا الاجتماعية، ولم ينفض مجلس انس دون الخوض فيها هذه الايام .. واعني هنا قضية (عرض الازياء المختلط) والصور التي تسربت من وراء كواليس المنصة فسببت الصدمة وشيء من الخلعة و(الاشمئناط) للكثيرين، وان لم تعدم المدافعين عنها بفهم الحرية والحضارة وحكمة (كل شاة معلقة من عرقوبا) .. حقيقة، لم تكن لي رغبة في تناول الموضوع لحساسيته، وتشعب وتداخل مفاهيم الصح والغلط فيه، حتى جاتني حليفة ب (عليك النبي أكتبي لينا عن حال شباب اليوم وعرض الازياء)، وبما أن (النبي عزيز وبلدو بعيد) كما تقول حبوباتنا، تراني رضخت وسأتناول الموضوع من جانب التأصيل وشيء من الموعظة الحسنة، لان هذه قضية تمس قطاعاً حساساً منّا .. شبابنا .. استثمارنا للمستقبل، لذلك فلنناقش الحادثة بعيدا عن التجريح والسباب الذي تعرض له المشاركون في الحدث .. نبدأ بوصية أرسلها سيدنا (عمر بن الخطاب) لعامله في اذربيجان (عتبة بن فرقد)، يوصيه بمجمل وصايا وينبهه من بينها لخطر الانغماس في الرفاهية التي تعوّد أهل فارس على العيش فيها، وكانوا وقتها أهل دعة ولا يعانون من الفقر والشظف الذي يعانون الآن .. ومن ضمن وصاياه قال: (إياكم والتنعّم وزي أهل الشرك ولبوس الحرير) .. ولو شئنا أن ننزل وصية سيدنا عمر على واقعنا المعاصر لوجدنا أن (التنعّم) و(لباس الحرير) صار سمة لمظهر المراهقين وصغار الشباب حتى انه لم يعد يثير الحفيظة أو يلفت النظر .. أما (زي أهل الشرك)، فلا يكلفك البحث عنه سوى التلفت والنظر من حولك لما يلبسون .. غوايش .. سلاسل .. ختم .. بوبار وفك زرار .. (دق سستم) .. وده لغير المتابعين للموضة من قبيلة بني قريعتي راحت، عبارة عن البنطال ال (ناصل)!! بالعودة لوصية سيدنا عمر ففي نفس المعنى هناك رواية لحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول: (إخشوشنوا فإنَّ النعمة لا تدوم) ورغم أن علماء الحديث قد ضعّفوه بصيغته تلك، إلا أن له روايات مختلفة منها: (تَمَعْدَدوا، واخشوشنوا، وانتضلوا، وامشوا حفاة). ولتوضيح الرؤية أكثر لابنائنا الشباب نورد شرح المعاني .. ف (تمعددوا): أي تشبَّهوا ببني (معد بن عدنان) في تقشُّفهم وخشونة عيشهم، و(اخشوشنوا): أي أطلبوا الخشونة في العيش، أما و(انتضلوا): أي تعلَّموا رمي السهام. الكلام ده كويس ؟ طيب، من المتعارف عليه إن مهنة عارض الازياء لها أدواتها ومستلزماتها ومن بينها المكياج، وذلك لدواعي الطلّة وعلاقته بالاضاءة والتصوير، ومن ارتضى العمل ارتضى التعامل مع مستلزماته، ولكن يبقى السؤال الحايص لينا .. هل من همومنا وتحديات التحاقنا بركب الحضارة ان نؤهل شبابنا لممارسة مهنة عرض الازياء ؟ بالمناسبة، استوقفني قبل أيام برنامج (سيدتي) على القناة المصرية، وكان يستضيف سيدتين سودانيتين واحدة تعمل بنقش الحناء، والاخرى كانت تتحدث عن عادات الزواج السودانية وتستعين بشابة ثالثة قامت بعرض أزياء للبس العروسة ,, حقيقة، كان العرض بائساً ولم تبذل فيه المشاركات جهدا اكثر من (ختفة كراع للعتبة) واحضار بعض الثياب المفروشة على ارضية ازقتها الضيقة .. شعرت بالضيق لضياع سانحة كان من الممكن ان تعكس بعض من تراثنا، و(تنوّر) اخوتنا في شمال الوادي بان لنا عادات جميلة وأصيلة أكثر من أكل الشطة وكد الدوم الذي يعايروننا به .. معاي في الحتة دي !! ومن ناحية أخرى لا بد من النظر بعين التفهم لمعاناة الشباب من التبطل وكآبة منظر العطالة الجاثمة فوق الصدور، وتشجيع محاولات البعض منهم لكسر حاجز العجز وقلة الحيلة، وأهلنا قالوا (الفايق الهم يزموا) .. فحتى لا تدفع (الفياقة) شبابنا للسير خلف ثقافة الغرب، وتبني أفكار شبابه وموضاته ونهجه في الحياة، لابد من تشجيع تلك محاولات (الخلق والابداع) وتوجيهها بعيدا عن تكسير المقاديف وتثبيط الهمم .. هناك ضرورة حتمية لحفظ التوازن بين الحاجة لمجاراة العالم من حولنا حتى لا يفوتنا القطار، ولكن دون أن نفرط لحظة في هويتنا وعاداتنا السمحة، وقبل كل ذلك الالتزام بتعاليم ديننا الحنيف، حتى لا نقع فيما حذرنا منه المصطفى صلوات الله وسلامه عليه: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلو جحر ضب لدخلتموه .. قال الصحابة: يا رسول الله، اليهود والنصارى ؟! قال: فمن ؟ أي فمن غيرهم.) ان كان هناك ضرورة لايقاع عقوبة باحد في هذه القضية، اقترح معاقبة اولياء الامور، فهم من فرّطوا في سقي ابنائهم من نبع قيم ديننا السمحة .. هو الرباية والسباية دي قايلنها أكلوا واشربوا ؟!! الرأي العام