ذات مرة كتب الروائي السوداني الراحل الطيب صالح في احدى مقالاته بمجلة \"المجلة\": \"من نعم الله على الدنيا ان تجد في كل بلد تصله لبنانياً يستقبلك\". والطيب الصالح عُرف بمحبته للبنان وصداقته لشعرائه والمبدعين فيه واعتزازه ببيروت التي نشر فيها غالب كتبه وطارت له فيها شهرة. وتكاد لا تخلو رسالة من رسائله الى توفيق صايغ من السلام والتحية الى الاخوة في بيروت يوسف الخال وادونيس وانسي الحاج وليلى بعلبكي ونور سلمان وجوليانا ساروفيم وغيرهم (1). وكذلك عاش في بيروت زمناً الشاعر السوداني محمد الفيتوري وبانت عاطفته في قصائد كثيرة أهداها الى بيروت. وقد عرف اهل السودان في العالم العربي بالتعاضد الاجتماعي وبالطيبة والتواضع وحبهم للشعر والثقافة. واليوم، بعد ردح، يأتي في بيروت من يتهجم على السودانيين ويعنفهم كلاماً ولكماً خلال احتفال كانوا يقيمونه في محلة \"الاوزاعي\" لجمع تبرعات لاعالة مريض من الجالية السودانية، ومن عناصر تنتمي الى جهاز امني رسمي. غريبة هذه النزعات والتصرفات عن اللبنانيين والروح اللبنانية الاصيلة. لا بد من الاعتذار وتفهّم مسببات الحادث وابعاده القانونية واجراء تحقيق في ملابساته. ولكن لا بد ايضاً من البحث في مجتمعنا الى الميل نحو العنف واشكال التعصب ورفض الآخر المختلف. ولا بد من تخفيف غلواء الخطاب الطائفي السائد لانه يعبّر عن نفسه باشكال غير انسانية وغير اخلاقية وغير حضارية في العلاقة مع الذات والآخر. بيننا وبين السودان خبز وملح وشعر وقمر وورد. قبل شهرين وصلتني مخطوطة من السفير السوداني السابق الشاعر الصديق جمال محمد ابرهيم بعنوان \"رحيق بيروت\" وفيها كل ما اثارته بيروت في نفسه من شوق وشجن واثر. وهو ايضاً نشر اكثر كتبه في بيروت ووقعها فيها، ومع الكلمة كل الود والصداقة. وقبل سنتين استقبلنا في بيروت الشاعر السوداني عالم عباس نور ووقع كتابه \"في انتظار الكتابة\" في المعرض العربي الدولي للكتاب. وقدمه الشاعر اللبناني الكبير شوقي ابي شقرا الذي قال: \"هؤلاء شعراء الارض، اشجار الارض\". ولا ازال اذكر ما قاله عالم عباس نور: \"في بيروت احلم انني اسير مع الملائكة، اذاً انا في الجنة\". عزيزي عالم، بيروت جنة وفيها ناس، واذا كانت الجنة الما فيها ناس ما بتنداس، فبيروت جنة فيها ناس وبتنداس. اعتذر باسمي من كل السودانيين في لبنان عما حصل. والسلام عليك يا زول (وتعني بالسودانية يا رجل) اينما كنت واينما حللت في لبنان. سلام الصداقة والحب في العين والقلب والروح. (1) \"رسائل توفيق صايغ والطيب صالح\"، حققها محمود شريح، عن \"دار نلسن للنشر\". سليمان بختي النهار البيروتية