فوزية الضكرانة ..!! منى سلمان [email protected] أسرعت (فوزية) تتسلق كومة الطوب المتبقي من بناء سور منزلهم الجديد الواقع على أطراف الحي، اعتلت كومة الطوب ثم تشبثت على حافة السور وجلست عليه ثم استدارت بجسدها وأنزلت قدميها للجهة الخارجية وهمت بالقفز من أعلى السور إلى الشارع .. هنا رأها جارهم (عبد القادر) العائد لمنزله بعد انتهاء الوردية الليلية في المصنع القريب .. صاح فيها في استغراب: فوزية!! .. مالك بتنطي الحيطة نص الليل؟!! أجابته بسرعة بعد أن قفزت الى الأرض: ساكّا لي حرامي .. نطّا بي جاي هسي!!! أسرعت بالجري في الاتجاه الذي أشارت إليه وهي تعدّل من وضعية ثوبها كيفما اتفق، فأسرع (عبد القادر) خلفها .. حاول مجاراة خطواتها المسرعة وهو يلاحقها بالتساؤلات: سمح جعفر وينو؟ خاليك تسكي الحرامي براك..!!! أجابت من بين أنفاسها اللاهثة: جعفر نايم في الحوش القدامي .. قلتا على بال ما أصحيهو .. يكون الحرامي قطع ليهو بلد. اضطرت للتوقف عند نهاية الشارع المشرف على فضاءة المقابر، حيث اختفى أثر الحرامي وسط العتمة وشجيرات السنط المتفرقة، قال (عبد القادر) وهو يلهث: خلاص نرجع يا فوزية .. بعد ده الحرامي ما بنلِم فيهو .. بكون اندس نص القبور. توقفت وصفقت بيديها بحسرة ثم استدارت عائدة وهي تقول: كنتا دايرة الِم فيهو وأفهمو حاجة (ود اللذينا) ده .. عشان تاني ما يفكر ينط حيطة بيتنا. كانت نشأة (فوزية) كفتاة وحيدة بين مجموعة من الصبيان سببا لميلها للخشونة في طفولتها، فمع استعداء إخوتها الدائم لها، وانتهاكهم لخصوصية حاجياتها، وتعمدهم مضايقتها بمداعباتهم الخشنة، وخطف ألعابها والجري بها، كانت تضطر للدفاع عن نفسها ومبادلتهم المخاشنة، كما كان ميلها لمشاركتهم اللعب في الشارع سببا آخر لتنامي خشونتها حتى فاقت أندادها وحازت على لقب (محمد ولد) بجدارة. كانت في مفرداتها تتحدث عن نفسها بصيغة المذكّر فتقول: أنا جيعان .. أنا عايز مويه .. أو أنا ماشي الدكان. وفي المساء كانت تصطف مع إخوتها وتصر على أن تقضي حاجتها وقوفا على الحائط مثلهم قبل الخلود الى النوم، أما أكبر معاناة أمها فكانت عندما يجمع أبوها إخوتها ل (الزيانة) بموس الحلاقة وحلق رؤوسهم (دلجة) فكانت تبكي وتصر على أمها: أنا عاوز أحلق صلعة زيهم! فتقوم أمها بقص بضعة خصلات من شعرها وتقنعها بالقول (حلاقة البنات ياها كدي). عندما شبت عن الطوق تحولت من محمد ولد الى صبية جميلة و(عقلت حبة)، ولكنها احتفظت بشخصيتها القوية المستقلة، واعتمادها الصلب على نفسها في إدارة شئونها بعيدا عن دلع البنات، ولذلك بعد زواجها لم تتأثر كثيرا من الغياب الدائم لزوجها (جعفر)، فعمله كأستاذ ثانوي اجبره على الاقامة في الداخلية حيث يعمل بمدرسة في احدى القرى البعيدة، فكان لا يعود الا في فترات متباعدة وفي الاجازات السنوية. قامت في غيابه بتربية أبنائها في كفاءة تحسد عليها مما جعل من (جعفر) في حالة وجوده مجرد ضيف لا يحمل هما. قلقت أسرتها من سكنها وحيدة مع أبنائها في منزلها الجديد عندما اكتمل بناؤه وذلك لبعده عنهم، ولكن الأيام أثبتت لهم بأن فوزية (الضكرانة) اسم على مسمى ولا خوف عليها .. انفصلت عن جارها (عبد القادر) عندما وصلت الى بيتها وواصل هو الطريق نحو بيته، تأملت السور العالي وعدلت عن فكرة تسلقه لتعود الى الداخل، فاستدارت وتوجهت ناحية الباب الخارجي .. طرقته بشدة، فاستيقظ (جعفر) منزعجا وهو يقول: اللهم اجعلو خير .. منو الفي الباب؟ ثم في ذهول عندما فتحه ليجد فوزية أمامه: فوزية؟!!! ...كنتي وين يا مرة ؟!! أجابته وهي تتخطاه الى الداخل: سكّيت لي حرامي .. الا زاغ مني في المقابر .. (ود اللذينا). همست لنفسها وهي توليه ظهرها وتعبر للداخل: أنا مرة ؟! هي المرة دي ما عندها اسم ؟! تفاقم شعورها بالضيق فإلتفتت إليه ورفعت صوتها منذرة: أنا يا راجل ما قلتا ليك تاني ما تقول لي يا مرة؟!!! الرأي العام