عبر الأجيال يتغير شكل العلاقة ونمط التعامل بين الوالدين والأبناء، فبعد عهود السمع والطاعة مرت أوقات كانت الغلبة فيها للحكمة التي تقول ( إن كبر إبنك خاويه) وربما أدت المبالغة في (الخوة) لتفلت الزمام من الآباء، فأظلنا زمان نكتة الأم التي طلبت كوب ماء من جميع أبنائها فتعذروا رافضين وعندما التفتت لأصغرهم سارع بالقول قبل أن تسأله: أولادك ديل يمة قليلين أدب كلهم .. قومي أشربي وجيبي لي معاك موية !! ما بين القسوة الشديدة والأخذ بالقوة والذي قد لا يفيد كثيرا من بعض الآباء، وما بين التبسط ورفع الكلفة المخل نورد هذه الصورة الحية لمواقف الآباء مع الأبناء: 0 سار(عابدين) عائدا للبيت وهو يتلمس طريقه في عتمة الليل بمشقة، وعندما صار على بعد بضعة خطوات منه رأى عسكري السواري يتفقد الحي على صهوة حصانه ويحمل سوطه الطويل ويفرقع به في الهواء بين الفنية والأخرى وهو يصيح: مين هناك ؟ اقترب العسكري بعد أن رأى عابدين في أول الطريق.. دار حوله دورة كاملة قبل أن يتوقف بالقرب منه وهو يمسك لجام الحصان بشدة.. سأله بينما يحرك الحصان أقدامه للأمام والخلف في قلق : هوي يا زول.. إنت منو؟ وماشي وين ؟ أجاب (عابدين) وهو يحاول أن يخفي تلعثمه ويضبط مخارج ألفاظه: أنا عابدين ود حاج اللمين .. ياهو ده بيتنا. اقترب العسكري من الباب الذي أشار إليه (عابدين) وقام بطرقه بمقبض السوط، فُتح الباب وأخرج حاج (اللمين) رأسه في حذر ليرى من يطرق عليه بعد منتصف الليل، وعندما سقطت عينيه على إبنه عابدين في صحبة عسكري السواري، فكر بسرعة في أن يلقنه درسا، بعد أن يئس من توجيهه ومحاولة منعه من صحبة رفقاء السوء، سأل العسكري دون أن ينظر في اتجاه عابدين: خير يا جنابو؟ .. إن شاء الله مافي عوجة؟ حياه العسكري ثم سأل: السلام عليكم يا حاج .. الزول ده ولدك ؟ نظر إليه الحاج بتمعن وهو يدعي الاستغراب: أبدا يا حضرة الصول.. ده ما ولدي.. ولا شفتو قبال ده! هنا التفت العسكري ل(عابدين) وقال في توعد: كمان حرامي وكضاب؟؟ مد العسكري يده وجذب (عابدين) جذبة واحدة وجد نفسه بعدها على صهوة الحصان خلف العسكري .. ثم وجه إليه الحديث: أركب النوديك الظابطية عشان نعرف حكايتك شنو هناك ؟ تلفت (عابدين) في ذعر واستغراب من نكران أبيه له، ثم نظر عبر السور لداخل المنزل بعد أن صار على ظهر الحصان العالي.. وهناك رأى أمه (النايمة في الحوش) فصاح بها مستنجدا : يمة .. يمة.. أنا ما ولدك ؟ استيقظت الأم فزعة وأجابت بلهفة: كر علي يا ولدي .. ياني أمك !! لتكتب له لهفتها نجاة من السجن إلى حين. 0 إشتهرت حاجة (عدن) بتعاملها اللطيف مع أبنائها وتدليلها وتتحيزها لهم مهما صدر عنهم .. جاءتها ذات ظهيرة إحدى صبيات الحي المغناجات تشكو لها من معاكسات إبنها (فوزي) وترصده لها في الطريق .. قالت في دلال: شفتي ياخالتي عدن أنا جيت أشتكي ليك فوزي ده .. كل يوم قاعد بشاغلني وأنا ماشة المدرسة! أجابتها حاجة (عدن) مطيبة لخاطرها: الليلة يا فوزي أمانة ما إتلوما!! .. يخس عليهو الما فيهو فايدة .. كيفن يعني يشاغل بت الحلة.. إنتي هسي ما زي أختو.. إستني لي ليهو الليلة أنا بوريهو!! ثم طيبت خاطرها مرة أخرى وأوصلتها حتى الباب.. وعندما عاد (فوزي) من المدرسة سألته في تبسط: فوزيييي !! .. دحين انت قاعد تشاغل هند بت ثريا جارتنا؟؟ حاول التهرب والإنكار ولكنها طبطبت على ظهره ضاحكة: الله يعلم يا ولدي سمحة شديد .. ولا يهمك شاغلا يا ولد أصلك ما تخليها !!!! 0 حكى لنا أحد اساتذتنا في الثانوي والذي اشتهر بخفة الظل والتبسط الشديد مع أولاده .. فبينما كان يسير في الطريق رأى على البعد أحد ابناءه يسير خلف صبية من بنات الحي .. اقترب من وراء ظهره في هدوء وقال له: بتباري في البت دي مالك؟ عاجباك ولا شنو ؟ التفت إليه الإبن ضاحكا: تعجبني شنو يابا.. ما شايف عراقيبا زي سكاكين الجزار!!! لطائف - صحيفة حكايات [email protected]