حاطب ليل تهديف بعيد عن الشبكة عبد اللطيف البوني عندما تم التوقيع على اتفاقية السلام الشامل كان واضحًا أننا قدمنا السلام على الوحدة، وقد يُظن أن هذا ترتيب مؤقت بحيث إنه بعد إنجاز السلام سوف تتجه البلاد بكلياتها نحو الوحدة إذ أن السلام والوحدة كليهما من أولويات هذا البلد. ولكن للأسف (عرقلت) علاقة الشريكين كل هذه الترتيبات، فلما جاءت ساعة الجد بالنسبة للوحدة وجدت البلاد نفسها في موقف لاتحسد عليه. جميل أن يحاول الجميع تدارك الأمر وفرملة قطار الانفصال المندفع بقوة نحو الدولة المستقلة في جنوب السودان، وجميل أن تُحرك البلاد كل إمكاناتها نحو الوحدة ولكن بشرط أن يكون التهديف في المرمى الصحيح، فالذي يحدث اليوم يبدو أنه كله تهديف بعيد جدًا من الشبكة. الحملة الإعلامية الضخمة في التلفزيون وفي الإذاعة يستغرب الواحد لها، فالمعروف أن أجهزتنا الإعلامية الأمدرمانية لاتخاطب إلاّ مواطن الشمال، فمعظم أهل الجنوب إن لم نقل كلهم لايتعاطون هذه الأجهزة، ولا أظنن أن هناك دراسة تثبت أن الجنوبيين يعتبرون إذاعة أو تلفزيون أمدرمان مصدرًا من مصادرهم الإعلامية، وعليه فإن كل ما يبثه هذان الجهازان يعتبر تهديفًا بعيدًا عن الشباك المقصودة؛ فالمواطن الشمالي، ولو بصم بالعشرة وقال إنه مع الوحدة، ولو أقسم بأنه سوف يقاتل من أجلها فليس لديه صوت في استفتاء تقرير المصير، فإقناعه بالوحدة لا يُقدم ولا يؤخر فلماذا هذه الرسالة الإعلامية الخطأ الموجهة للمواطن الخطأ؟ الأمر ليس وقفًا على الإذاعة والتلفزيون فهناك مؤسسات كثيرة وصحف وجامعات وجاليات في الخارج أقامت ورش عمل و برامج من أجل الوحدة علمًا بأنها بعيدة كل البعد عن المواطن الجنوبي ولايشعر بها، لهذا يعتبر مثل هذا الجهد منلوج أي حوار مع النفس وليس الآخر، علمًا بأن الآخر هو الذي سوف يحدد مصير ومستقبل البلاد؛ فبالتالي يمكن اعتبار الأموال المرصودة لهذا الأمر- خاصة تلك الخارجة من خزينة الدولة - أموالاً ضائعة (في الفاضي) أو في بعض الجيوب الخاصة لأن مثل هذا النشاط بعيد عن موقع الحدث الذي هو جنوب السودان. فالسوال هنا لماذا لم تتجه هذه الأنشطة إلى الجنوب ومخاطبة الإنسان الجنوبي الذي يعتبر هو متخذ القرار في هذه الحالة ؟ هل الحركة الشعبية رافضة لأي نشاط من هذا النوع في الجنوب ؟ لقد قال السيد باقان معلقًا على فكرة إقامة السيد علي عثمان في الجنوب للدعوة للوحدة إن هذا عمل عدائي، كما وُصفت زيارة السيد علي عثمان على رأس المائة شخصية بأنها عمل استفزازي و(تييب)!! العبد لله من المتابعين لفضائية أبوني (ليس البوني)، وهي خاصة بحكومة الجنوب فلم أقف ولا للحظة واحدة عند فقرة تتكلم عن الوحدة وأهميتها أو حتى عدم أهميتها، فهذه الفضائية غير منشغلة أبدًا بقضية الوحدة، فالذي يتابع تلفزيون السودان وتلفزيون الجنوب لن يشعر بأنهما في وطن واحد أو أن هناك قضية مشتركة بينهما و(تيييب) تانيً!! إن جينا للحق المواطن الجنوبي العادي بعيد كل البعد عن أي مرمى إعلامي، فهو هانئ وسعيد بحياته التقليدية رعيًا كانت أم زراعة، وليس لديه كثير اهتمام بشكل الدولة القادم، فالقرار كله في يد النخبة الجنوبية بقيادة الحركة الشعبية فهي صاحبة القرار النهائي، فالذين يسيرون المظاهرات الشهرية في التاسع من كل شهر مطالبين بالانفصال هم الذين سوف يتخذون القرار (اختاروا يوم التاسع لأن الاستفتاء سيكون في التاسع من يناير) وهولاء ليسوا بعيدين عن الحركة، فالأفضل لحكومة الشمال -وإن شئت قل الحكومة الاتحادية- أن تتجه بخطابها لهؤلاء المتظاهرين الشهريين بدلاً من إضاعة الوقت والجهد في أجهزة إعلامية لايسمعها (أسياد الجلد والراس). التيار