لماذا تراجعت وانزوت أفكار جون قرنق؟ فيصل محمد صالح وما زلنا في سيرة جون قرنق والحسرة على غيابه المفاجئ الذي لخبط حسابات كل البلد. ورغم شخصيته القوية وحضوره الطاغي وأفكاره التي جذبت مؤيدين من كل أنحاء السودان، إلا أن من الواضح أن قرنق لم يستطع خلق مؤسسة قادرة على حمل أفكاره ومبادئه، بدليل التراجع الذي حدث فور غيابه. كما أن من الواضح أن العمل السياسي والفكري داخل الحركة الشعبية كان ضعيفاً بحيث لم يستطع أن يوحد الكوادر حول خطاب ورؤية السودان الجديد الموحد المبني على أسس ديمقراطية ومدنية تعلي شأن المواطنة على كل ما عداها. عندما جاءت قوات الحركة الشعبية التحرير السودان للجبهة الشرقية، وتلك صفحات من كتاب يجب أن يروى، لاحظ بعض قيادات التجمع الوطني، الحليف للحركة الشعبية، أن الخطاب التعبوي للحركة داخل المعسكرات كان بعيداً عن أفكار السودان الجديد التي ينادي بها قرنق. وأذكر نقاشات مطولة دارت في أسمرا بين ناشطي التجمع وبعض قيادات وكوادر الحركة الشعبية حول هذا الأمر، كنت شاهدا على بعضها. كان غريباً أن يكون خطاب التعبئة قائماً على مفردات المندكورو والجلابة الذي يقوم على تأليب الجنوبيين على الشماليين، في حين أن خطاب السودان الجديد يفترض أنه يقوم على فكرة ومفردات مختلفة. وكان رد كوادر الحركة أن الجنوبيين يأتون إلى صفوف الحركة الشعبية لأسباب مختلفة، ومعظمهم يأتي بالضغينة التقليدية للجنوب على الشمال، لذلك فإن خطاب الاستقطاب والتجنيد يقوم على كل عوامل الجذب المفترضة. لكنهم أضافوا أنه وبعد تجنيد الفرد داخل الجيش الشعبي فإنه يخضع لدراسات فكرية وسياسية وتعبوية لتلقين فكرة وخطاب السودان الجديد، ونقله من مقاتل جنوبي ضد الشمال، لمقاتل من أجل السودان الجديد الذي لا يخص منطقة جغرافية بعينها في السودان. ولكن من الواضح أن عمليات التعبئة السياسية وتدريس الخطاب السياسي الجديد للحركة لم تمضي بالشكل الصحيح، بدليل أنه وبعد 25سنة على تأسيس الحركة الشعبية وخمس سنوات من اتفاقية السلام، عاد الخطاب السياسي لقادة الحركة الشعبية لنفس المفردات القديمة. لقد أتيح لي أن أتابع عبر فضائية جنوب السودان الاحتفال الرسمي الذي أقيم في جوبا بمناسبة الذكرى الخامسة لرحيل جون قرنق، وتابعت كلمة الفريق الفريد لادو مستشار رئيس حكومة الجنوب للشؤون الدبلوماسية الذي عرف العلاقة بين الجنوب والشمال بأنها علاقة رق وعبودية Slavery، يجب أن تنتهي في يناير 2011. ومع كامل الاحترام والتقدير للفريق لادو، لكن هذا النوع من الخطابات هو نفسه الخطاب السياسي الجنوبي التقليدي الذي انقلب عليه الدكتور قرنق وقدم سنوات حياته ونضاله ثمناً لفكرة بديلة هي فكرة السودان الجديد. أنا شخصياً لا أملك إجابة على سؤال كبير مثل: لماذا ماتت نبتة الدكتور جون قرنق التي زرعها في الحركة الشعبية، ولماذا تراجعت أفكاره لصالح أفكار خصومه التقليديين، وأتمنى أن يحاول قادة الحركة الشعبية الإجابة على السؤال. الأخبار