قضى حيدر طه عبده أكثر من ثلاثين عاما في بلاط صاحبة الجلالة، تقلب فيها بين العمل في وزارة الثقافة والإعلام، ثم وكالة السودان للأنباء، وصحيفة \"البديل\" التي رأس تحريرها في الثمانينات، وصحيفة الخرطومبالقاهرة، وأخيرا صحيفة \"أخبار العرب\" الإماراتية التي يعمل فيها نائبا لمدير التحرير حتى الآن. ولأن حيدر طه أستاذي وصديقي وزميلي فانا أعرف ولعه الدائم بالكتب السياسية وبالذات مذكرات القادة والرؤساء والزعماء السياسيين، ثم الكتب التي تؤرخ وتحلل وتفسر الأحداث السياسية الكبيرة. ورغم أنه \"دودة كتب\" لا يسير في الشارع أو المترو أو البص دون كتاب، لكن ولعه بهذا النوع من الكتب والكتابات يفوق الوصف. ولهذا لم يكتف حيدر طه بكونه قارئ لهذا النوع من الكتب، لكن حلمه القديم، وخططه التي يعمل عليها منذ سنوات، هي إخراج أكثر من كتاب يبحث ويسجل ويوثق وقائع وأحداث في التاريخ السوداني الحديث. ومنذ عشرين عاما وهو يحمل مسجله وأوراقه ويحاور ويسجل وينقب في ذاكرة الكثيرين، ثم يودع كل ذلك في الخزانة. وعندما يسأله الأصدقاء كل مرة متى ستخرج هذه الكتب فإن إجابته الدائمة هي \"عما قريب\" في أثناء وجوده في القاهرة في بداية سنوات التسعينات أصدر حيدر طه كتابه الأول \"الأخوان والعسكر\"، ثم شغله العمل الصحفي اليومي في صحيفة \"الخرطوم\" عن تفريغ وتحرير ما لديه من معلومات، رغم وجود الكثير منها، حتى انتقل للأمارات منذ حوالي عشر سنوات، وهاهو يخرج من هناك بكتابه الثاني \"عندما يضحك التاريخ\". يحمل الكتاب أكثر من عنوان جانبي بعد ذلك منها \"الجيل الثاني وتراجيديا السياسة السودانية- الجزء الأول-سنوات الصعود\". الكتاب في حقيقته توثيق لسنوات نشأة وصبا الرئيس الأسبق جعفر نميري مرورا بانقلاب مايو والأحداث التي عاشها حتى المصالحة، وذلك على أن يكمل توثيق بقية فترة حكم نميري في الجزء الثاني من الكتاب. وربما يؤدي عدم ذكر اسم نميري في عناوين الكتاب على إرباك القارئ، رغما أن صورته تحتل معظم غلاف الكتاب، وأظن أنه كان من الأفضل أن يضع اسم نميري في العناوين الجانبية ليشرح أن الكتاب توثيق لسيرة حياته وسنوات حكمه. وقد جلس حيدر طه إلى الرئيس الأسبق نميري في القاهرة في بداية التسعينات جلسات طويلة ومتعددة سجل خلالها رواية نميري لأحداث حياته، لكن الكاتب لم يقف عند هذا الحد، بل سعى لأشخاص كنوا قريبين من التجربة ليسمع روايتهم للأحداث، ومنهم بابكر عوض الله وأبو القاسم هاشم وسعد بحر. هضم حيدر طه كل تلك المعلومات، وصبر عليها وقتا طويلا ليعيد سبكها وإخراجها في هذا الكتاب المهم الذي يسد فراغا في المكتبة السودانية، ولعله يفارق عادته القديمة في تأخير النشر ليخرج الجزء الثاني من الكتاب، ثم يواصل إصدار بقية ما لديه من كتب. ما يزال حيدر طه يقيم في الإمارات ويقضي وقته بين مكان عمله وغرفته المزدحمة بالكتب، وخير له أن يخرج كل ما لديه من معلومات قبل أن يعود سالما غانما لبلاده، فإني أبشره بأنه سيقضي سحابات يومه بين جري وطيران طوال اليوم ولن يستطيع أن يكتب شيئا. الاخبار