قاص وروائي سوداني ولد في مدينة الخرطوم، امتاز بالتجريب في أعماله الأدبية ابتكر لنفسه طريقة جديدة في كتابة النص السردي مزج بين الواقعية والأسطورة، كما في روايته «الخفاء ورائعة النهار»، والمجموعة القصصية «شجرة هيليج» وغيرها من أعماله المختلفة. أمضى الكاتب فيصل مصطفى حياته متنقلا بين الدول العربية، مما كان له أثر كبير في مسيرته الإبداعية حتى استقر به المقام أخيرا للإقامة في القاهرة، امتاز بزيه السوداني الذي كان يرتديه في كل الدول العربية التي أقام بها، كما أنه كان عضوا فعالا في المؤسسات الثقافية لهذه الدول. وكان ل «العرب» معه هذا الحوار التالي.. كيف كانت بدايتك الأدبية؟ - لعل النشأة والتكوين عند معظم المبدعين تكاد تكون متقاربة، ابتداءً انزلقت بشغف لا نظير له في معين عصير الكتب فنهلت منه حتى الثمالة فكان لا بد أن أتنفس ما أقرأ متناسلاً في أجناس أدبية تراوحت بين الأقصوصة والقصيدة والخاطرة، إلى أن امتلكت في مطلع السبعينيات أدوات الكتابة والرؤية الثاقبة فنسجت أشكالاً تقترب من نصوص سردية خرجت متعافية ومستوفية للشروط الفنية للقصة القصيرة وكنموذج لذلك قصتي «الشمس في كبد السماء» و «سور آيل للسقوط» والأخيرة حصلت على الجائزة الأولى للمشاركة في أسبوع الصداقة السوداني المصري في عام 1977م حيث قدمنا فعاليتنا في الإسكندرية بمسرح محمد عبدالوهاب. ما أول عمل سردي صدر لك؟ - رواية الخفاء (ورائعة النهار) صدرت عن دار الحسام ببيروت عام 1988م. لماذا اعتمدت على الشكل الكتابي المختلف الذي اتخذ سطراً رأسياً في كتابة نصوصك النثرية؟ - ربما بهدف المحاولة الرائدة في تحطيم السطر الأفقي للنثر الفني الذي ران طويلاً فسلب المتلقي المتعة البصرية المتمثلة في الفضاءات المحيطة بالجملة القصيرة المتلاحقة وقدرتها الفائقة على كسر حدة الملل المنبعث من الأسطر الأفقية الممددة بلا انتهاء بجملها الطويلة المتخشبة، ولعل هذا الشكل الكتابي المغاير الذي يبتدع ما يمكن أن نطلق عليه الجملة المفردة يفيض بالإيحاءات، ويحتشد بالدلالات مسترشداً في ذلك بمقولة الصوفي الأعظم «النفري»: «كلما ضاقت العبارة اتسعت الرؤية». في روايتك «الخفاء ورائعة النهار» اتجهت إلى التجريب ومازجت بين ما هو واقعي وما هو أسطوري فيكف تحقق لك ذلك؟ - السرد في جوهره انصهار الواقع مع الخيال في بوتقة أدبية، والأسطوري إغراق في التخييل وكل أساطير الأولين خرجت من رحم الخيال وبعض شخصيات رواية «الخفاء ورائعة النهار» كشخصية «نوفل» مثلاً رغم أنها ليست شخصية محورية فإنها تتوافر فيها سمات الشخصية الأسطورية بتكوينها الفيزيائي وسلوكها غير المألوف الذي يشبه إلى حد كبير سلوك زوربا اليوناني. رواية «حكيم وعطا وروضة يعبرون النيل» التي تبدو وكأنها جزء ثان من رواية «الخفاء ورائعة النهار» اتخذت شكلاً جديداً يجمع بين جنسين أدبيين المجموعة القصصية والرواية ذات العشرة فصول.. كيف يمكن تصنيفها؟ - هذه متوالية قصصية يمكن أن تقرأ كقصص قصيرة منفصلة، مكتملة البناء، مستوفية لشروطها الفنية وفي الجانب الآخر.. يمكن أن تقرأ كرواية مترابطة الأحداث متصلة الحلقات.. كاملة الأنساق، يجمع بين فصولها العشرة الشخصيات المحورية الثلاثة، الذين يتصدرون عنوانها قد يتعرج تسلسلها وينحرف مسارها أحياناً بهدف كسر حدة رتابة التواتر المنتظم. وماذا عن مجموعتك القصصية «شجرة هجليج»؟ - هذه النصوص السردية صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2007، وتميزت بطغيان النسق الشعري حتى ظنها البعض ديوان شعر لأحد كتاب قصيدة النثر وهذا ما أبهجني كثيراً تنقلت بين العديد من الدول العربية مثل ليبيا واليمن والسعودية والإمارات ومصر التي تقيم فيها الآن، ما الأثر الذي أضافته هذه الدول على تجربتك الإبداعية؟ - قطعاً أضافت الكثير فالتعرف على المكان والإنسان وخصوصية ثقافة كل شعب من شعوب هذه الدول التي عشت فيها وعاشرت الشرائح الاجتماعية من مواطنيها أثرت تجربتي الإبداعية وأكسبتها ضرباً من التنوع والتجاوز للسائد والمعهود. ولعل من المثير للالتفات أن معظم الدول التي أقمت فيها ردحاً من الزمان ضربها تسونامي الثورات العربية الذي زلزل عروش حكامها وأطاح ببعض طُغاتها وما زال اثنان منهم على وشك السقوط، وهناك من ينتظر دوره والحبل على الجرار كما يقال في بلاد الشام، وعلى الرغم مما يقال حول أهداف هذه الهبات الشعبية المدفوعة بلا روية إلى تمزيق الوطن العربي وتشظيه إلى دويلات صغيرة. أقول لهؤلاء لماذا تستكثرون على الأمة العربية أن تمتلك إرادتها، وتخلع رموز الاستبداد والطغيان من كراسيهم التي توحدوا معها وتشبثوا بها وصار عصياً عليهم تركها؟ وما أراه الآن أن الشعوب العربية بإشعالها لهذه الثورات لم تخسر شيئاً سوى قيودها وفي ذات الوقت كسبت حريتها لماذا اخترت القاهرة للإقامة بها؟ - أظن هذا السؤال لا يحتاج إلى إجابة.. ولكني أقول إن ولعي بمصر وعشقي لها سكن وجداني منذ الصبا لارتباطي العاطفي بالمد العربي الثوري الناصري وانحيازي إلى الثقافة المصرية ورموزها العظام أمثال د. طه حسين، وسلامة موسى، وتوفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، ويوسف إدريس وغيرهم، وهو الذي جعلني أتخير القاهرة دون غيرها من حواضر الدول العربية. ماذا تقول عن المثقفين المصريين وما مدى علاقتك ببعضهم؟ - هم ملء السمع والبصر والأيقونة التي نعلقها نحن العرب على أعناقنا ونتباهى ونفخر لأننا ننتمي لهم، أما عن علاقتي ببعضهم فهي وثيقة الصلة وعميقة وتتجاوز ارتباط الزمالة إلى الصداقة الحميمة. مثل علاقتي بكاتب الأطفال والمترجم محمد رجب والروائي والناقد سيد الوكيل ومن الشبان الذين يعملون في الصحافة الثقافية أحمد الجمال وإيهاب مسعد والإذاعي محمد الناصر وغيرهم كثر. كيف ترى الساحة الإبداعية السودانية الآن؟ - المشهد الثقافي في السودان الآن، ليس كما كان أيام الستينيات والسبعينيات، وقد خلت الساحة الآن من أمثال الراحلين محمد المهدي المجذوب ومحمد عبدالحي والنور عثمان أبكر ومصطفى سند والطيب صالح وأبوبكر خالد، وسلسلة الراحلين طويلة في الشعر والسرد وحتى لا أظلم الأجيال التي تلت هؤلاء، أقول إن غربتي التي امتدت طويلاً حتى ناطحت الثلث قرن حرمتني من التعرف بالمبدعين الجدد في السودان. لماذا قال عنك الروائي السوداني الكبير «إبراهيم إسحاق» إنك من الكتاب السودانيين الذين لم ينصفهم الزمن؟ لعل صديقي الروائي البديع «إبراهيم إسحاق»، الذي لم ألتقِ به منذ قرابة أربعة عقود من الزمان يبدو أنه كان محقاً في ما ذهب إليه، لكني أرى أن النقد وليس الزمن الذي لم ينصفني. فغيابي عن الوطن طيلة الثلث قرن باعد بيني وبين الساحة الثقافية السودانية وانقطعت عن الكتابة في الملفات الثقافية السودانية، رغم أنني كنت أحد المشرفين على واحد من ملفاتها الخاصة بمجلة السودان الجديد لكن عزائي أن الوسط الثقافي في اليمن أتاح لي فرصة كبيرة في نشر منجزاتي الأدبية، مما حرض الطاقة الإبداعية لدي للانفجار، فكتبت ما يزيد على الثلاثمئة نص سردي وروائي، وقد قدم الناقد السوداني الشاب المقيم باليمن «عثمان تراث» دراسة نقدية مطولة وقيمة عن رواية «الخفاء ورائعة النهار» وأيضاً نشر الناقد «مصطفى الصاوي» في صحيفة الوحدة دراسة نقدية عن مجموعة من النصوص السردية المكتوبة بشكل مختلف. إذن غيابي عن المشهد الثقافي السوداني هو الذي حرمني من النقد والتقويم من قبل النقاد السودانيين إلا أن القاص والناقد د. محمد مهدي بشري له دراسة نقدية في كتابه الشمعة «والظلام» لإحدى قصصي المعنونة ب «الجلوس خارج الدائرة» عقب عودتي من ليبيا، وكذلك كتب بعض الكتاب اليمنيين عن بعض أعمالي. ما الجديد الذي ستقدمه في المرحلة القادمة؟ - أنجزت رواية جديدة بعنوان «ظلال وريفة»، وهي ترصد الأحداث الجسام التي رسمت إطاراً ثقافياً للتنوع المهيمن على المجتمع السوداني، وهناك رواية أخرى لم أختر لها عنواناً بعد، وهي محاولة غير مسبوقة تتحدث عن الأحداث الجارية الآن عبر ثورات الشعوب العربية وتفاعل الشخصيات المحورية معها. ماذا عن السودان الآن الذي لم تقم في ربوعه طويلاً؟ - لعل من المفارقات أن يكون المدى الزمني الذي عشت خلاله في السودان أقل من الذي أقمته في الغربة، لذلك أجدني أردد هذه الأيام في أسى حينما أسأل عن السودان: أتحدث عن وطن جريح بُتر ثلثه في غياب طبيب التخدير. العرب القطرية