كيف يأتي الحكام والرؤساء لسدة الحكم؟ سؤال بسيط وواضح تمت الإجابة عليه بنفس البساطة من قبل شعوب كثيرة، عركتها التجارب والسنون حتى توصلت لطريقة سلمية ديمقراطية لتداول الحكم تجعل الباب مفتوحا لكل من يرغب \"والحشاش يملا شبكته\". لكن نفس السؤال ما يزال صعباً في بلاد العالم الثالث العربية والإفريقية، التي يتعمد فيها طريق الرئاسة بالدم، إما دم الخصوم أو دم قرابة الرئيس اللاحق بالرئيس السابق. عندما رحل ثلاثة من الزعماء العرب في أوقات قريبة من بعض وخلفهم أبناؤهم، لجأ المصريون، كعادتهم، للنكتة للسخرية من الموقف، فقالوا إن الزعماء الثلاثة جاءوا لمصر لملاقاة رئيسها المخضرم، فطلب من ساعيه أن يحضر له قهوة سادة \"وهات آيسكريم للعيال دول\". وليست الدول العربية استثناء في ذلك، ففي القارة السمراء هناك كابيللا الابن وبونغو الابن، وأبناء آخرون يستحقون الآيسكريم.. الآن تواجه مصر نفسها سؤالاً كبيراً حول موضوع الرئيس القادم والطريقة التي سيأتي بها لسدة الحكم. أعلن أكثر من زعيم معارض استعداده للترشيح، منهم أيمن نور زعيم حزب الغد، والدكتور محمد البرادعي الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية، والنائب الناصري حمدين صباحي، كما من المتوقع ان يدفع حزب الوفد بمرشحه للرئاسة. المعضلة هي في جانب الحزب الوطني الحاكم الذي تنحصر فيه الترشيحات بين الرئيس حسني مبارك وابنه جمال. ارتفعت الأصوات المعارضة منذ فترة طويلة رافضة لفكرة التوريث التي ترددت أكثر من مرة، لكن لا أحد يعلم حتى الآن إن كان الرئيس مبارك سيعيد ترشيحه مرة أخرى، أم أنه سيقرر الاعتزال وفتح الباب أمام خليفته المحتمل. قبل أيام استضافت قنوات التليفزيون المصري مجموعة أسمت نفسها \"الائتلاف الشعبي لدعم ترشيح جمال مبارك\"، عرفت نفسها بأنها تحالف شعبي عريض يتجاوز الأحزاب، ولا ينتمي للحزب الوطني. وقالت المجموعة إنها تسعى للضغط على جمال مبارك ليرشح نفسه للرئاسة، وتعمل على جمع توقيعات للتفويض الشعبي له. وقال محللون كثر إن المجموعة لن تستطيع العمل الشعبي إلا برضا الحزب الوطني ومباركته لهم، أو على الأقل مباركة قيادات معينة منه، لكن تأييد الحزب الوطني لن يظهر للسطح إلا بعد حسم الرئيس مبارك لقراره من إعادة الترشيح. لن ينافس جمال مبارك والده ولن يترشح ضده، حتى وإن بدا أن مجموعة لجنة السياسات في الحزب الوطني ترغب في الدفع به للترشح، لكنه بالتأكيد أكثر المرشحين المحتملين لو قرر الرئيس مبارك الانسحاب إلى الظل. ورغم الصوت العالي للمعارضة، لكن لن يكون ترشيح جمال مبارك مرفوضاً إقليمياً ودولياً، بل لعله مرغوب ولكن مسكوت عنه. وغاية ما ستطلبه القوى الغربية الكبرى لعبة انتخابية يتوفر فيها قدر من المشاركة المقبولة والانفتاح الديمقراطي المحدود لإكساب الرئيس القادم شرعية الاعتراف الدولي. أكثر من ذلك سيكون دور القوى الشعبية المصرية وحدها التي تستطيع لو أرادت أن تحيل المعركة الانتخابية لمعركة ضد التوريث. الأخبار